تحت سقفه يعمل أكثر من 30 ألف شخص ما بين موظف وعامل ومهني وهو اكبر مبنى في العالم هذا هو باختصار مبنى شركة بوينغ المخصص لإنتاج الطائرات والذي افتتح في عام 1967 للبدء في إنتاج الطائرة العملاقة آنذاك وهي بوينغ 747.
لكن المبنى الضخم الذي يقع على مسافة 50 كم إلى الشمال من مدينة سياتل بولاية واشنطن ينتج اليوم طائرات بوينغ 747 والــ767 والــ777 والــ787 ومن هنا فلا غرابة في مساحته الهائلة التي تزيد على 398 ألف متر مربع كما ان وجود هذا العدد الكبير من الموظفين يبرره سباق الشركة مع الزمن وضبط قدرتها على تسليم طلبياتها الكبيرة من الطائرات فهي تنتج كل يوم ما معدله طائرة من طراز 737 الواسعة الانتشار فضلاً عن الطلبيات الأخرى من مختلف الطرازات.
لكن حكاية بوينغ مع مصنع ايفريت لم تبدأ بتصنيع الطائرات وحسب إذ سبق ذلك قيام الشركة أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية بتشغيل مصنعين هناك لدعم تجميع المكوّنات الثانوية الخاصة بطائرات «-71»، حيث كانت تجرى أعمال تصنيع الحواجز وأقسام التقاط وإرسال إشارات الراديو. وفي عام 1956 انتقلت أعمال الموظفين المختصين بتصنيع تجهيزات التوجيه والشحن الخاصة ببرامج طائرات «-25» و«ث-531» إلى إيفيريت. وشملت هذه الخطوة نقل 283 موظفا كانوا يعملون في مصانع سياتل ورينتون وواشنطن، بالإضافة إلى توظيف 70 موظفاً جديداً من المنشأة، حيث باشر الموظفون عملهم في مرافق صناعية في حوض بناء السفن في المنطقة المجاورة للمحيط الهادي في إيفيريت.
في شهر مارس من عام 1957 رحّب مصنع إيفيريت رسمياً بالشراكة مع بوينغ التي انطلقت بعد ذلك في خططها لإنتاج اكبر طائرة مدنية في ذلك الوقت وهي الجامبو 747 حيث قرر مجلس إدارة الشركة في مارس من عام 1966 المضي قدماً في برنامج الشركة الطموح لبناء الطائرة العملاقة.
وتم إطلاق البرنامج بشكلٍ رسمي في الشهر التالي عندما أعلنت خطوط «بان أميريكان» العالمية عن تقدمها بطلب لشراء 25 طائرة من هذا الطراز في صفقة بلغت قيمتها 525 مليون دولار. وتطلّب تصنيع الطائرة الضخمة إيجاد مرافق إنتاجٍ خاصة ما دفع بوينغ في يونيو 1966 إلى شراء أرض مجاورة لمنطقة «باين فيلد» تصل مساحتها إلى 780 فدانا. وفي يناير من عام 1967 وصلت أول مجموعة من موظفي الإنتاج إلى موقع إيفيريت ليتم افتتاح مباني التجميع الرئيسية في الأول من مايو من ذلك العام.
وتصدرت بوينغ وموظفو إيفيريت عناوين الصحف العالمية في يوم 30 سبتمبر 1968، عندما تم إنتاج أول طائرة من طراز 747 لتنطلق أولى رحلاتها في التاسع من فبراير 1969. ومنذ ذلك الحين، تم تصنيع أكثر من 1400 طائرة من طراز 747 في إيفيريت. ويقوم الموظفون حالياً بتجميع أحدث طائرات بوينغ من طرازي «فرايتر 747-8» و«747-8 إنتركونتننتال».
وإثر تقدم خطوط طيران يونايتد بطلب 30 طائرة جديدة ذات ممرين من هذا الطراز، تم إطلاق البرنامج الثاني الذي يقوم مصنع إيفيريت بتنفيذه، وهو برنامج طائرات 767. وبين عامي 1979 و1980، تم توسيع موقع إيفيريت ليتلاءم مع البرنامج الجديد. وجاء إطلاق أول طائرة من طراز 767 في شهر أغسطس من عام 1981، لتنطلق بعدها في رحلتها الجوية الأولى يوم 26 سبتمبر من نفس العام.
كما تم إطلاق برنامج طائرات 777 في شهر أكتوبر من عام 1990 عندما طلبت خطوط طيران يونايتد 34 طائرة جديدة، مع خيارات لإضافة 34 طائرة أخرى. وفي يوليو من عام 1991، تلقت بوينغ أول تصريح للبدء بالعمليات التوسعية الكبرى لموقع إيفيريت، وذلك بهدف دعم برنامج طائرات 777 في المقام الأول. وتضمن ذلك زيادة بنسبة 50٪ عن حجم أضخم مبنىً في العالم. وتم الانتهاء من عملية الإنشاء بالكامل في شهر أكتوبر من عام 1993.
وجرت الاحتفالات التمهيدية بتصنيع أول طائرة من طراز 777 في 9 أبريل من عام 1994، حيث شارك حوالي 100 ألف موظف وضيف وعميل ومزود في هذه الاحتفالات. وانطلقت طائرة 777 في رحلتها الأولى يوم 12 يونيو من عام 1994، حيث استمرت لحوالي أربع ساعات.
وفي شهر أبريل من عام 2004، صادق مجلس إدارة بوينغ على إطلاق ما سمي ببرنامج طائرات 77 بشكل رسمي، حيث طلبت خطوط «أول نيبون» الجوية شراء 50 طائرة من هذا الطراز، لتكون أضخم طلبية لشراء طائرة جديدة من بوينغ. وفي يناير 2005، حصل نموذج الطائرة الجديد على اسم 787 دريملاينر.
وبوصفها أول طائرة يتم تصنيع معظمها من مواد مركبة متطورة، تعد هذه الطائرات بتخفيض كمية النفايات الناتجة عنها، وزيادة متانتها وتحسين مستوى تجربة العملاء (مع ارتفاع مقصورة مخفض ومعدلات رطوبة أكبر). وتعتبر 787 أيضاً أكثر الطائرات ذات المسارين كفاءةً من حيث استهلاك الوقود، حيث تحدّ من استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 20٪ لكل مسافر. وقد أقلعت أولى طائرات 787 في أول رحلة لها في شهر ديسمبر من عام 2009.
كما قام موقع إيفيريت، ما بين عامي 2005 و2009، بتنفيذ مشروع مصنع المستقبل لإيجاد مناطق عمل جديدة ومفتوحة ومحببة في مبنى المصنع الرئيسي. وسعى هذا المشروع إلى دعم التعاون فيما بين الموظفين وتعزيز خبراتهم ودعم مجمل القدرات الإنتاجية. وانتقل حوالي أربعة آلاف شخص إلى مناطق محدّثة تصل مساحتها إلى 600 ألف قدم مربع (55,741 مترا مربعا) في خمسة أبراج مكتبية.
وتضمنت عمليات التجديد بناء مقاهٍ تابعة لشركة «تاليز كوفي»، بالإضافة إلى مقاصف جديدة ومطوّرة ومناطق لخدمة الموظفين و35 فتحة سماوية. كما خضع مركز إيفيريت لتسليم البضائع إلى عملية إعادة تخطيط بشكل مستقل، حيث تم إنشاء منطقة جديدة تطلّ على خط رحلات الطيران لرؤية الطائرات من الطابق الثاني، بالإضافة إلى مكاتب عملاء جديدة وقاعات اجتماعات ومناطق مشتركة ومقهى تابع لــ«تاليز كوفي» ومراكز محدثة مخصصة لطواقم الطائرات على خط الرحلات الجوية.
ملوك ورؤساء في ايفريت
ونظراً لضخامته فان مصنع إيفيريت هو الممثل الرسمي لشركة بوينج حيث يزوره كبار الشخصيات من ملوك ورؤساء دول والقائمة تتضمن الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ونائبه آل غور بالإضافة إلى الرئيس الأميركي وحاكم ولاية تكساس السابق جورج دبليو بوش.
والرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين والرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين ورئيس الوزراء الأسترالي السابق بول كيتينغ ورئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير بن محمد والرئيس الروماني السابق إيون إيليسكو وولي العهد الإسباني الأمير فيليب ورئيس استونيا لينارت ميري والعاهل الأرني الراحل الملك حسين ودوق يورك الأمير آندرو والرئيسة الإندونيسية السابقة ميغاواتي سوكارنوبوتري والمتحدث السابق باسم مجلس النواب الأميركي دينيس هاسترت ورائد الفضاء الأميركي السابق نيل آرمسترونغ وولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة.
مركز العملاء
ومن اجل تعزيز خدماتها لعملائها، عملت بوينغ على تأسيس مركز خاص للعملاء وهو يعرض أمام شركات الطيران والمستهلكين تجربة واقعية للتصميم الداخلي للطائرات والتقنيات الملحقة بها وخدمات دعم الأسطول.
ويضم المركز غرفا خاصة بتصميم الطائرة تحتوي على التقنيات الداخلية لطائرات بوينج 777 و747 و787 إضافة إلى 737 وتوزيع المقاعد المقترح في كل درجة وفي كل طراز والتقنيات الحديثة المزودة بها كل طائرة والابتكارات التي أدخلت عليها تماما كما يريدها الزبون على ارض الواقع.
والهدف من هذا المركز هو الاستماع لمطالب كل شركة أو زبون ومعرفة متطلباته واحتياجاته وتصوره لطائرات أسطوله من الداخل وما يريد أن يضيف فيها من تكنولوجيا وأنظمة ترفيه وتوزيع المقاعد والدرجات على مختلف منتجات الطائرات التجارية.
ويزور المركز عملاء بوينج باستمرار للاطلاع على احدث الابتكارات والتصميمات الداخلية للطائرات سواء الجديدة أو القديمة وما يمكن أن تقدمه الشركة لراحة المسافرين باعتبار أن بوينغ تقوم بتصنيع طائراتها عادة وفقا للتغذية الراجعة من المسافرين وما يرغبونه من الطائرة إضافة إلى أي إضافات ترغب شركات الطيران والعملاء في إدخالها لمزيد من التحسينات والخدمات للمسافرين وتلبية توقعاتهم.
وبعد أن يطلع العميل أو شركة الطيران على الطائرة من الداخل هناك غرف خاصة للاجتماعات تستمع خلالها الشركة المصنعة إلى طلبات العملاء الخاصة حتى تتحرك وتقوم بإدخالها على الطائرات كل شركة وفقا لاحتياجاتها بحيث يتم تسليم الطائرة بجاهزية عالية وخدمات متكاملة من الداخل والخارج.
لكن زيارات العملاء يسبقها عادة ورش بحث وتطوير مستمرة ومكاتب للتصميم الداخلي بحيث تكون الشركة جاهزة أمام رغبات عملائها المختلفة ما بين شركة طيران فاخر أو اقتصادي وما بين شركة ترغب في ادخال نظام معين للترفيه وأخرى تريد تقسيما مختلفا للدرجات على متن الطائرة وثالثة تطلب مساحات أوسع للمقاعد وغير ذلك.