في عالم متغير، وسط تحديات اقتصادية وبيئية لا تكف عن التناسل، يبقى سؤال البحث عن فرص استثمارية جديدة هاجساً لا سيما في المنطقة العربية، وعندما ينبت الاستثمار الذكي في حاضنة أساسها مناخ صحراوي جاف.

يكمن التحدي في البقاء على وتيرة قائمة على الاستدامة والحلول الفريدة.. وفي الإمارات ووسط الانتعاش الاقتصادي المستمر، تعد المزارع الوطنية كنوزاً طبيعية وأحد أكثر الحقول الموفرة للحقائب الاستثمارية بطريقة استثنائية، فمن خلال تجربة سياحية فريدة من نوعها، وصون حثيث للتراث الثقافي والتنوع البيولوجي، ستغير المزارع خارطة الوجهات السياحية الوطنية.

وستعزز وتروج للممارسات الزراعية بطريقة باتت من خلالها دينامو إيكولوجياً واقتصادياً مهماً، واستثماراً يتنفس الصعداء وينافس الظروف المناخية والجفاف وقلة الأمطار باحثاً عن أسس داعمة لإحياء الممارسات المستدامة بفكر استثماري.

ومن مزرعة «وادي دفتا» في الفجيرة امتداداً حتى مزارع «غراسيا» في أبوظبي، تنتشر على أراضي الدولة 23 مزرعة سياحية تسهم بشكل مستدام في دعم السياحة الوطنية بطريقة مختلفة.

مؤشرات عالمية

في تقرير عالمي حديث حول «حجم السوق العالمية للسياحة الزراعية» نشرته شركة Data Bridge Market Research العالمية لاتجاهات السوق، تم تقييم حجم سوق السياحة الزراعية العالمية بنحو 6.34 مليارات دولار أمريكي في عام 2023 ومن المتوقع أن يصل إلى 9.51 مليارات دولار أمريكي بحلول عام 2031، بمعدل نمو سنوي قدره 5.20 % خلال الفترة المتوقعة من 2024 إلى 2031.

بالإضافة إلى الرؤى حول سيناريوهات السوق مثل القيمة السوقية ومعدل النمو والتجزئة والتغطية الجغرافية واللاعبين الرئيسيين، إذ تشير التقديرات العالمية إلى مدى إدراك الحكومات في مختلف أنحاء العالم على نحو متزايد، الإمكانات التي تتمتع بها السياحة الزراعية في تعزيز الاقتصادات المحلية والحفاظ على التراث الريفي، الأمر الذي أدى إلى تنفيذ تدابير دعم مختلفة.

على سبيل المثال، أطلقت وزارة الزراعة في الولايات المتحدة الأمريكية برامج تقدم المنح والمساعدات المالية لمشغلي السياحة الزراعية، وتمكنهم من تعزيز مرافقهم وجهودهم التسويقية، وعلى نحو مماثل، وضعت الحكومة في إيطاليا لوائح تدعم هذه السياحة من خلال تقديم حوافز ضريبية وتمويل للشركات التي تشارك في الأنشطة المرتبطة بالسياحة.

وتهدف هذه التدابير إلى الحفاظ على ممارسات الزراعة التقليدية والعادات المحلية، مع تشجيع الزوار على استكشاف المناطق الريفية، ويلعب هذا الدعم الحكومي دوراً حاسماً في دفع نمو قطاع السياحة الزراعية، وتعزيز التنمية المستدامة، وخلق فرص العمل في المجتمعات الريفية.

وبالتالي تعزيز الجاذبية العامة للسياحة الزراعية كخيار سفر قابل للتطبيق. وريثما تحفل الدراسات والأبحاث ببيانات إحصائية رصينة، يبقى السؤال عن الحاجة اليوم لقاعدة بيانات شاملة لحجم الإنتاج الزراعي في المزارع السياحية في الإمارات، وأهم المعايير الخاصة لتهيئة مناخ استثماري ودعم حكومي أكبر في هذه المزارع لتصبح فاعلاً في الاقتصاد الوطني، وتنافس المؤشرات الإقليمية والعالمية.

عكس التيار.. بفكر أخضر

ولعل الإجابة عن سؤال «كيف ستعزز هذه المساحات الخضراء دورها في خارطة الاستثمار»، تكمن في التخطيط الممنهج، وتأسيس قاعدة من المعلومات الدقيقة التي تشتمل على كافة البيانات والصور والمواد الفيلمية اللازمة حول هذه المزارع من المساحة، والأنشطة المقدمة.

والوسائل المتوفرة، وأنواع المنتجات المباعة، والشروط والأحكام للزائرين، وساعات العمل وخريطة الموقع، وبيانات التواصل، والرسوم، لتعريف الجمهور بها.

حيث طورت وزارة التغير المناخي والبيئة «برنامج الإمارات للسياحة الزراعية» لتشجيع ملاك المزارع على فتح أبواب مزارعهم لاستقبال المقيمين والسائحين لعرض ممارساتهم النموذجية، وإتاحة الفرصة لهواة الطبيعة ومحبيها للاطلاع على الأنماط والممارسات الزراعية التقليدية والحديثة والتعرف إلى التقنيات المستخدمة في هذه المزارع.

إضافة إلى منحهم فرصة الاستمتاع بالأنشطة الترفيهية المتوفرة في العديد من المزارع النباتية والحيوانية في الدولة، وإتاحة الفرصة للزوار لشراء ما يحتاجونه من منتجات نباتية وحيوانية من المصدر مباشرة بتكلفة معقولة وجودة عالية. ويبقى السؤال هل ما تحتاجه المزارع السياحية في الدولة يقتصر فقط على الدعم الزراعي لتحقق التطور المنشود؟

أهداف.. تعزز الديمومة

وعندما تجتمع الأنشطة الاقتصادية وبيوت العطلات في مزارع سياحية مجهزة، كيف سيسهم ذلك في خلق تجربة سياحية اقتصادية متكاملة؟

تساؤل أجابت عنه هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية التي أكدت أنه وبموجب القرار الصادر عن مجلس إدارة «الهيئة»رقم 3 لسنة 2023 بشأن ممارسة الأنشطة الاقتصادية في المزارع، فقد تم السماح بممارسة 71 نشاطاً اقتصادياً في المزارع تتضمن وجود 8 أنشطة ترفيهية.

من جانبه أوضح حميد علي الشامسي، مدير إدارة السياسات والشؤون التنظيمية في الهيئة، أن قائمة الأنشطة الاقتصادية المسموح بمزاولتها في الأراضي الزراعية تتضمن 4 فئات، وهي الأنشطة الاقتصادية الداعمة للشق النباتي، وعددها 21 نشاطاً، و24 نشاطاً ترتبط بالشق الحيواني.

بينما اُعتمد 18 نشاطاً تتصل بالقطاع الغذائي ضمن قائمة الأنشطة التي يمكن ممارستها في الأراضي الزراعية، إضافةً إلى 8 أنشطة ترفيهية اقتصادية.

وأشار إلى أن الهيئة حددت الاشتراطات والإنشاءات اللازمة للأنشطة الاقتصادية في الأراضي الزراعية بما لا يتجاوز 30 % من المساحة الإجمالية للمزرعة في حال وجود نشاط رئيس نباتي أو حيواني مرخص في المزرعة.

عصب الحياة.. يحسم ديمومة الاستثمار

رصدت «البيان» ورقة بحثية حديثة نشرت لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» حول «إمكانات تحلية المياه لأغراض الزراعة في المنطقة العربية»، ألقت الضوء على أن الدول العربية تخطط لزيادة إنتاج المياه المحلاة من 36111 متراً مكعباً في عام 2011 إلى نحو 86 مليون متر مكعب يومياً بحلول2025.

ومن المتوقع أن تتركز هذه الاستثمارات في دول الخليج، وتقدر احتياجات الاستثمار بحلول 2025 بنحو مليار دولار، مع تخصيص 27 مليون دولار لدول مجلس التعاون الخليجي.

ويبقى السؤال المحوري هنا عن أهم السبل الفاعلة لدعم ديمومة خدمات المزارع السياحية لتكون فاعلة طوال المواسم، متجاوزة تحدي ندرة المياه والجفاف، وتبعات التغير المناخي؟

وفي هذا الصدد، ألقى كيان أكرم جاف، رئيس بعثة مكتب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الإقليمي الفرعي لدول مجلس التعاون الخليجي واليمن، الضوء على تجربة دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي في السياحة الزراعية التي يُنظر إليها كأداة فعالة لتعزيز التنمية المستدامة من خلال استثمار المزارع في تقديم تجارب سياحية تعليمية وثقافية، مع تسليط الضوء على ممارسات الزراعة المستدامة.

حيث تسهم السياحة الزراعية في تقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية التقليدية، مثل النفط، مع تعزيز قطاعات جديدة كالزراعة الذكية والأنشطة الترفيهية المرتبطة بالزراعة.

حلقة مفقودة.. ومعايير تبحث عن توثيق

وحول الحلقة المفقودة بين تحقيق فرص استثمارية جيدة والتوسع في تحويل المزارع إلى معايير سياحية، يشير كيان إلى التحديات التي تواجه دول الخليج،.

حيث يتطلب الانتقال من المزارع التقليدية إلى المعايير السياحية بنية تحتية متكاملة، بما في ذلك توفير مرافق ترفيهية وتعليمية لجذب السياح، بالإضافة إلى رفع وعي مجتمعي ومهني بأهمية هذا القطاع.

كما يجب أن يترافق ذلك مع تدريب المزارعين على إدارة الأنشطة السياحية بفعالية، والدعم الحكومي من خلال سياسات تمويلية وحوافز تشجيعية لتحفيز الاستثمار في هذا المجال.

وأوضح كيان أن دولة الإمارات ودول الخليج تحتاج إلى استثمارات أكبر لتحسين الوصول إلى المناطق الزراعية، وتطوير المرافق السياحية لجعلها أكثر جاذبية للزوار.

كما أن تبني التكنولوجيا الزراعية المستدامة، مثل الزراعة المائية والعمودية، يسهم في تعزيز جاذبية المشاريع السياحية الزراعية، علاوة على تبني تشريعات مرنة تدعم تحويل المزارع إلى وجهات سياحية مع توفير التمويل اللازم للمزارعين من خلال إنشاء صناديق دعم متخصصة.

كما يُعد التعاون بين القطاعين العام والخاص ضرورياً لتطوير مشاريع مبتكرة تجمع بين التكنولوجيا والتجربة السياحية، مثل إنشاء مزارع مائية أو عمودية تكون جذابة للزوار، وعلى سبيل المثال تمتلك دولة الإمارات مبادرات مثل «مزرعتنا» التي تقدم تجارب سياحية تعليمية داخل مزارع محلية تعكس إمكانيات كبيرة إذا تم توسيع نطاقها ليشمل برامج إقليمية.

الحاجة لقواعد بيانات

هل هناك قواعد بيانات خليجية تشمل حجم نمو الاستثمارات المتوقعة للمزارع السياحية؟.. سؤال وجهته «البيان»، وأجاب عنه كيان: «لا تزال المنطقة تفتقر إلى قواعد بيانات شاملة توثق نمو قطاع السياحة الزراعية وحجم الاستثمارات والعوائد المتوقعة.

ولذلك، فإن منظمة الفاو تدعو إلى إنشاء نظام بيانات إقليمي يوثق حجم الاستثمارات في السياحة الزراعية والعوائد الاقتصادية المتوقعة».

وأوضح المسؤول الأممي أن منظمة الأغذية والزراعة توصي بإطلاق برامج تدريبية تستهدف تأهيل المزارعين وإكسابهم مهارات إدارة المشاريع السياحية الزراعية، كما تؤكد أهمية تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتمويل وتطوير هذه السياحة في المنطقة.

ولفت إلى إمكانية الاستفادة من تجارب دول مثل إيطاليا التي حولت مزارع الكروم إلى وجهات سياحية متكاملة تشمل تذوق المنتجات المحلية وإقامة الفعاليات الثقافية، «فتطبيق هذه النماذج في الخليج قد يسهم في جذب السياح وخلق فرصة مثالية لتعزيز التنوع الاقتصادي وفتح آفاق جديدة للتنمية».

وبالحديث عن تجربة إيطاليا، يطفو سؤال على السطح عن الحاضنات الاستثمارية التي مهدت الطريقة لتتصدر هذه الدولة الأوروبية ملف السياحة الزراعية في العالم؟

قوانين ترسم المسار

«البيان» رصدت أبحاثاً علمية عالمية منشورة، واطلعت على ورقة بحثية صادرة عن كلية الاقتصاد وعلوم الأغذية بجامعة بيروجيا بإيطاليا، تفيد بأن إيطاليا تعد الدولة الوحيدة داخل الاتحاد الأوروبي التي لديها قوانين محددة تنظم السياحة الزراعية، وتعتبرها نشاطاً اقتصادياً تجارياً، حيث توظف صناعة هذه السياحة الإيطالية حوالي 2.5 مليون شخص، وتوفر حوالي 9.4 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وأشارت الدراسة البحثية الجديدة إلى أن متوسط صافي دخل المزرعة للفرد العامل في مزارع سياحية تعتمد على الزراعة العضوية أعلى من المزارع السياحية التي لا يمارس فيها هذا النهج المستدام.

«وفي صناعة السياحة الزراعية الإيطالية نؤمن بتاريخ الضيافة»، بهذه العبارة ألقت الدراسة الضوء على أهمية المرافق الزراعية في المزارع السياحية، والتي توفر تجربة متكاملة، بما في ذلك المشاركة في عملية الحصاد وتربية الحيوانات، وصنع الفطائر من الفواكه البرية، وغيرها..

وهنا نطرح تساؤلاً مهماً، ماذا لو وفرت مزارع الفجيرة تجربة سياحية ملهمة وأنشطة لتسلق الجبال المزروعة بالنباتات المحلية، وماذا لو شارك السياح في قطف التمر والمشاركة في إعداد وجبات محلية؟ وكيف ستؤثر هذه المشاركة الخلاقة في جذب سياحي ودعم للزراعة المحلية؟

فوائد تتعدى حدود المزرعة

ولأنها سياحة مغايرة، ففوائدها تتعدى النواحي الاقتصادية، ولسبر أغوار هذا الجانب، راسلت «البيان» عبر البريد الإلكتروني الدكتورة إيميلي جرينفليد، الخبيرة البيئية من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قدمت تساؤلاً مهماً وهو: هل سبق أن تساءلت من أين يأتي طعامك أو كيف تبدو الحياة في المزرعة؟

وفي الحقيقة هذا ما توفره السياحة الزراعية لاستكشاف فرص جديدة، فهي المكان الذي تلتقي فيه الزراعة والسياحة، مما يوفر تجربة تعليمية وترفيهية تربط الناس بأصول طعامهم وحياتهم الريفية، وأوضحت جرينفلد أن القيمة التربوية للسياحة الزراعية تشكل أداة تعليمية لا تقدر بثمن.

حيث يمكن للزوار أن يروا بشكل مباشر كيفية إنتاج الغذاء من المزرعة إلى المائدة، ويشاركون في أنشطة مثل الزراعة والحصاد وحتى تربية الحيوانات.

وفي سياق متصل أكدت جرينفليد أهمية الإشراف البيئي، وهو أمر في غاية الأهمية، حيث يقوم بتثقيف المشاركين حول ممارسات الزراعة المستدامة، وتعرف الزوار على صحة التربة والحفاظ على المياه والتنوع البيولوجي، وفهم الدور الحاسم الذي تلعبه الزراعة في الحفاظ على التوازن البيئي.

وقالت الخبيرة البيئية إن فوائد السياحة الزراعية تمتد إلى القيمة التعليمية العظيمة لها، لما تشمله من دروس في التاريخ المحلي والثقافة والأثر الاجتماعي والاقتصادي للزراعة في المجتمعات الريفية، وأضافت:

«من خلال الاتصال المباشر بمصادر الغذاء والبيئة، يطور الزوار تقديراً واحتراماً أعمق للطعام الذي يستهلكونه والأرض التي يأتي منها، مما يعزز عقلية أكثر استدامة ووعياً بالبيئة، فضلاً عن دورها المحوري في دعم المزارعين المحليين من خلال توفير مصدر دخل إضافي لهم، مما يساعد على استدامة عملياتهم والحفاظ على الزراعة المحلية».

وبين معايير الكم والكيف، كيف يدعم قرار القطاع الخاص العمل الحكومي لزراعة بمعايير أشمل؟

مجتمع زراعي أصيل

«إذا مكّنت المزارع أصبح محترفاً، وتجاوز العديد من التحديات، وقد نتفاجأ بأن التحديات التي تواجه الدول الخضراء أكثر من التحديات التي تواجهنا في الدولة، فطبيعة طقسنا المشمس وبنيتنا التحتية الجيدة، ووطننا الداعم، وتمويل الصناديق السيادية.

ووجهات التدريب، ومشاريع لا تتوقف مع الحكومة، تدريب المزارعين حتى يصبح لديهم رخصة تجارية، ويتم الإشراف على مشاريعهم لمدة عامين، وعندما نؤكد أهمية الزراعة كبوصلة استثمارية فليس المعنى الحرفي لها الإنتاج الزراعي فقط، بل لا بد أن نعيد النظر لمفهوم الزراعة كونها أرضاً تضم آلاف الأنشطة، ومنها تتجلى المزارع السياحية المتكاملة بمعنى أكثر شمولاً».

هكذا يقرأ المستشار حامد الحامد، رئيس جمعية رواد الزراعة الإماراتية، مؤسس مجموعة غراسيا، مشهد المزارع السياحية المتقدمة في الدولة ومستقبلها المنشود.

مؤكداً أن انتعاش السياحة الزراعية وتطور مفهومها في الخليج العربي، جعلا منها شكلاً من أشكال السفر المستدام الذي يدعم البيئة المحلية، وحامد الذي طور 15 منظومة زراعية عالمياً، يعطي حقيقة مهمة مفادها أن توسيع الأنشطة الاستثمارية في المزرعة وفهمها، سيسهمان في تحقيق الريادة المنشودة في دعم المزارع السياحية.

قرار تتعادل فيه معايير الكم بالكيف

ومن عمق الخبرة العملية أكد المستشار الحامد، أن تحقيق هدف المزارع السياحية بالشكل الأمثل في الإمارات لن يتم إلا من خلال خطة مدروسة يتشاركها القطاعان العام والخاص في صنع القرار، تحت مظلة مسرعات زراعية وطنية.

لترتقي بالصورة النمطية حول الزراعة من مجرد غلات زراعية وتسويقها، إلى وضع خطة عمل واضحة تتزن بها معايير كم «كم أنتج» وكيف «كيف أسوق وأدير وأزدهر»، وتتعادل حصة الإنتاج الكمي من الأمن الغذائي مع كيفية تحقيق خط استثماري واضح واقتصادي رصين، ولا يطغى أحدهما على الآخر.

ومن خلال «أكاديمية التميز الريادي»، التي طورها الحامد بالتعاون مع جامعة أبوظبي لتأهيل الكوادر الوطنية في مجال ريادة الأعمال، يؤكد المتحدث أن الفهم الواضح للاستثمار يأتي بتأهيل الكوادر، حيث قال: «عندما نقرأ مشهد الاستثمار الزراعي، هناك 3 لاعبين فاعلين، الأول منتج لا بد أن يعرف أصول الاستثمار.

والثاني هو القرار الحكومي الذي لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار خبرة القطاع الخاص لا سيما في مجال الزراعة، والثالث المستهلك الذي يواجه ارتفاعاً في أسعار المنتج الوطني مقارنة بالمستورد، لأن اللاعب الأول لم يتقن آليات التسعير، وهذه الأضلاع الثلاثة أساسية في نجاح عملية الاستثمار بشكل عام، والزراعي بشكل خاص».

ممارسات تتعمق لتصبح ثقافة مجتمعية

وتحت مظلة مجموعة غراسيا يدير الحامد مئات المزارع داخل الدولة، فضلاً عن حرصه على تدريب وتثقيف طلبة المدارس والجامعات من خلال زيارتهم لها.

حيث يتجاوز عددهم 15 ألف طالب سنوياً من مدارس مختلفة، بالإضافة إلى الوفود الزائرة من عدد من دول العالم، ويبلغ عددهم أكثر من 25 ألف سائح سنوياً.

أودية تنبت «الكاجو»

ومن مشتله الخاص بوادي دفتا في منطقة البثنة بالفجيرة، رصدت «البيان» كيف يتحدى المزارع أحمد الحفيتي كل الصعوبات الزراعية، لتنتج أودية الفجيرة «الكاجو» و«الفستق» و«الكاكاو» وغيرها من النباتات التي هُيئت لها الظروف الطبيعية لتنمو وتزدهر في بيئة مغايرة، طموح واجتهاد يجابهان ما تفرضه التحديات المناخية تحقيق الأمن الغذائي في مزارع سياحية مستدامة جاذبة للسياح الذين يحرصون على الاستماع للقصة وعيش التجربة.

ويروي الحفيتي لـ«البيان» قصة استقطابه لكل الباحثين عن الأفكار الجديدة في الاستدامة الزراعية، من خلال مزرعة في الفجيرة بمساحة 13 ألف متر مربع حولها لمزرعة نباتية (الحدائق النباتية)، وهي حدائق يتم توثيق النباتات فيها حسب تصنيف المملكة النباتية، وهي مؤسسات علمية نباتية تعكس مدى التقدم الزراعي في أي دولة.

حيث تضم العائلات النباتية المختلفة التي تنمو بالمنطقة المناخية الموجود بها الحديقة وجلب الأنواع الجديدة وأقلمتها، ومن مشتله الداعم للحملة الوطنية «ازرع الإمارات» وزع الحفيتي مؤخراً أكثر من 2000 شتلة كاكاو بالمجان، لدعم الاستدامة.

ومن عمق تجربته الزراعية وأمله أن تكون المزارع المستدامة وجهة سياحية متكاملة، يؤمن أن الموضوع عملية تراكمية تبدأ بمنهج تعليمي متكامل حول الزراعة في المدارس، وخلق بيئة زراعية في مدارس الدولة للزراعة والإنتاج، فوجود مثل هذه الخبرة التراكمية سيغير مفهوم المزارع المستدامة مستقبلاً، وسيجعلها مستدامة بطرق ذكية.

10 رؤى

تسعى المشاريع الزراعية الوطنية في دولة الإمارات لتكون حاضنة استثمارية داعمة لخلق فرص استثمارية ناجعة في المزارع الوطنية، وتحويلها إلى بيدق فاعل في الاقتصاد الوطني.

وترصد «البيان» وجهات نظر مختلفة، تشخص من خلالها أهم السبل لتعزيز هذه الجهود لدعم السياحة الزراعية في بناء اقتصادات قوية ومستدامة تحترم أصولها الزراعية، ودرء التحديات وخلق بنية تحتية ذكية مضادة للتغيرات المناخية، والتي تمخضت عن 10 رؤى من شأنها تعزيز هذه السياحة وهي:

 1 - أهمية إعداد مجموعة من الحقائب الاستثمارية التي تتضمن دراسة جدوى اقتصادية مبدئية لتنفيذ عدد من مشاريع السياحة الزراعية بالدولة.

2 - تعزيز الحملات الوطنية الإعلامية لتحفيز الجمهور على تبني سلوكيات الزراعة المجتمعية وتعميق مفهوم الأثر الزراعي.

3 - تحقيق التوازن في الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في المزارع السياحية لا سيما في المنطقة العربية كأنظمة رصد رطوبة التربة أو اعتماد تطبيقات الويب للوصول إلى أسواق جديدة وعملاء جدد.

4 - إنشاء قاعدة بيانات وطنية ترصد نمو وتطور حجم الاستثمارات المتوقعة للمشاريع في المزارع السياحية.

5 - الاهتمام بالتشريعات الخاصة بهذا النوع من السياحة لأهميته في تنشيط الاقتصاد الوطني فضلاً عن دوره في المحافظة على الموارد الطبيعية.

6 - تزويد المستثمرين بقائمة عن المواقع السياحية المؤهلة لإقامة مشاريع النزل البيئية والاستراحات الزراعية.

7 - التنسيق مع الشركاء لتسهيل إجراءات منح التراخيص اللازمة لإقامة مثل هذه المشاريع للمستثمر فضلاً عن المساندة الفنية أثناء قيام المستثمر أو صاحب المزرعة بإعداد التصاميم الهندسية.

8 - اعتماد مسرعات زراعية وطنية يتشارك بها القطاع العام مع الخاص في صنع القرار.

ا9 - عتماد تخصصات علمية متخصصة في الإنتاج الزراعي والتخطيط.

10 - توفير الميزانيات الخاصة لمراكز التدريب الزراعية في المزارع السياحية.