قرر البنك المركزي الأوروبي رفع معدلات الفائدة 21 يوليو الجاري، وذلك لأول مرّة منذ أكثر من عقد، لكنه يواجه ضغوطا لاتّخاذ مزيد من الخطوات في ظل بلوغ التضخم مستويات قياسية.
ويستعد المصرف الأوروبي منذ شهور لانتهاء حقبة القروض الزهيدة التي دعمت الاقتصاد خلال سلسلة أزمات في السنوات الأخيرة.
وقال المصرف المركزي إنه ينوي رفع معدلات الفائدة بربع نقطة، في خطوة غير مسبوقة منذ العام 2011، في مسعى لمواجهة الارتفاع الحاد في الأسعار.
وأوقف البنك المركزي الأوروبي برنامجه التحفيزي لشراء السندات منذ مطلع تموز/يوليو مع استعداده لرفع الفائدة.
ويأتي رفع معدلات الفائدة ردا على ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، مدفوعا بتعطل سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبلغ معدل التضخم في منطقة اليورو 8,6 في المئة في حزيران/يونيو، وهو أعلى مستوى في تاريخ المنطقة التي تستخدم العملة الموحدة ويعد أعلى بكثير من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2%.
وتواصل المؤسسة التي تتخّذ من فرانكفورت مقرا محاولة اللحاق بركب جهات مماثلة مثل الاحتياطي الفدرالي الأميركي الذي سبق نظيره الأوروبي في رفع معدلات الفائدة وبشكل كبير.
معدل الفائدة العقابي
كان سعر الفائدة على الودائع الذي حدده البنك المركزي الأوروبي سلبيا على مدى السنوات الثماني الماضية، بينما يبلغ المعدل الرئيسي حاليا -0,5%.
وصُمم معدل الفائدة العقابي الذي يفرض رسوما على المصارف لإيداع أموالها في البنك المركزي الأوروبي للتشجيع على زيادة الإقراض والنشاط الاقتصادي ورفع معدلات التضخم.
وبعدما بقيت منخفضة على مدى سنوات، ارتفعت الأسعار اليوم نتيجة تعطل سلاسل الإمداد جرّاء وباء كوفيد والقفزة التي شهدتها أسعار المواد الغذائية والطاقة بسبب حرب أوكرانيا.
وجاء الارتفاع الكبير في مستويات التضخم مفاجئا للمصارف المركزية، لا سيما البنك المركزي الأوروبي.
والآن، يهدف البنك المركزي لرفع معدلات الفائدة لإخراجها من المنطقة السلبية بحلول نهاية أيلول/سبتمبر كجزء من مجموعة قرارات برفع معدلات الفائدة بشكل "تدريجي لكنه مستدام"، بحسب رئيسة المصرف الأوروبي كريستين لاغارد.
ويرى كارستن برزيسكي من مصرف "آي إن جي" أن "عملية التطبيع الحذرة التي بدأها البنك المركزي الأوروبي نهاية العام الماضي كانت بكل بساطة بطيئة ومتأخرة للغاية".
وأضاف أنه مع تسبب كل إصدار جديد للبيانات بحالة ذعر جديدة، فإن خطوة الربع نقطة الحذرة التي اتّخذها البنك المركزي الأوروبي قد تؤدي إلى "خيبة أمل".
وأوضح أن بعض صانعي القرارات في المصرف قد يضغطون من أجل تحرّك أسرع لكن المسألة ستتمثل بـ"محاولة للموازنة بين مصداقية البنك المركزي الأوروبي كمؤسسة يمكن التنبؤ بخطواتها ومصداقيته كجهة عازمة على مكافحة التضخم".
معادلة مستحيلة
ويرى مدير أبحاث الاقتصاد الكلي لدى "بيكتيت لإدارة الثروات" فريدريك دوكروزيت بأن البنك المركزي الأوروبي وجد نفسه أمام "معادلة يستحيل حلها".
وكان القائمون على المصرف المركزي عازمين على مكافحة التضخم بينما يقف "اقتصاد منطقة اليورو على حافة الركود"، وهي ظروف يترددون فيها عادة في رفع معدلات الفائدة.
وتخيّم الحرب في أوكرانيا على توقعات الاقتصاد في وقت تستعد دول منطقة اليورو لشتاء قد يشهد شحا في الطاقة وتخطط للتقنين في استهلاك الموارد في حال أوقفت روسيا شحنات الغاز إلى القارة.
وستزداد صعوبة الحسابات النقدية، إذا ما أضيف إلى ذلك تراجع اليورو الذي بلغ مستوى التكافؤ مع الدولار مؤخرا لأول مرة منذ نحو 20 عاما، والأزمة السياسية في إيطاليا، بحسب دوكروزيت.
وأثار انسحاب حزب رئيسي من الائتلاف الحاكم برئاسة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي الذي كان رئيسا للبنك المركزي الأوروبي قلق المستثمرين، ما أدى إلى رفع تكاليف الاقتراض مجددا.
ودفع الضغط المتزايد بشكل متسارع في أسواق السندات البنك المركزي الأوروبي إلى الاستجابة في منتصف حزيران/يونيو عبر المسارعة في تصميم أداة لمكافحة "التجزئة" في منطقة اليورو.
وقال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي لويس دي غيندوس مطلع يوليو إن الأداة الجديدة "ضرورية" لتجنّب "تباين مبالغ فيه" في تكاليف الاستدانة التي تواجهها مختلف الدول ولضمان تأثر جميع الدول الأعضاء في منطقة اليورو بشكل متساو بالإجراءات النقدية.
لكن الفكرة قوبلت ببعض التشكيك من عدد من أعضاء مجلس الحكام.
وحذّر مدير البنك الاتحادي الألماني المعروف بسياساته المحافظة يواخيم ناغل من أنه لا ينبغي استخدام أي أداة مخصصة للأزمات إلا في ظل "ظروف استثنائية" وبناء على شروط صارمة.