الذكاء الاصطناعي وصل بالفعل.. لكن الآن يأتي الجزء الصعب: تعلم كيفية إدارته والتحكم فيه، فمع تزايد شعبية النماذج اللغوية الكبيرة وقدراتها على مدار العام الماضي، أصبحت المخاوف المتعلقة بالسلامة مهيمنة على المناقشات السياسية، فللمرة الأولى، أصبح الذكاء الاصطناعي على رأس أولويات صناع السياسات في جميع أنحاء العالم. وحتى بالنسبة لأولئك الذين يعملون معنا في هذا المجال، كان معدل التقدم مدهشاً.

ومع ذلك، فقد كان من المثير للدهشة أيضاً أن نرى استجابة غير عادية من المجتمع، وقطاع الأعمال، والسياسيين، الذين يسارعون للحاق بما يحدث، بل إن هناك إجماعاً متزايداً على أن هذه نقطة تحول مهمة مثل الإنترنت، إلا أن الوضوح بشأن ما ينبغي القيام به تجاه هذه التكنولوجيا المزدهرة أمر مختلف، فالاقتراحات القابلة للتنفيذ غير متوفرة على النحو الكافي، فضلاً عن عدم إمكانية تجاوز التدابير الوطنية حدوداً معينة؛ نظراً لطبيعة هذه التكنولوجيا التي تتسم بالعالمية. إن الدعوات إلى «مجرد التنظيم» تتردد بأصوات عالية وصيغة مبسطة للغاية، تماماً مثل الدعوات لمجرد المضي قدماً، لكن الأهم هو أنه يجب علينا أولاً، قبل أن ننخرط في المبالغة في التنظيم، معالجة النقص الأساسي لدى المشرعين في فهم ماهية الذكاء الاصطناعي، ومدى سرعة تطوره، وأين تكمن أبرز المخاطر، وقبل أن نتمكن من إدارتها بالشكل اللائق، يتعين على الساسة وعامة الناس أن يعرفوا ما الذي ينظمونه، ولماذا، لكن في الوقت الحالي، السائد هو الارتباك وعدم اليقين.

إن ما ينقصنا هو هيئة مستقلة يقودها خبراء، وتكون منوطة بإبلاغ الحكومات بموضوعية عن المستوى الحالي لقدرات الذكاء الاصطناعي ووضع تنبؤات قائمة على الأدلة حول ما هو قادم. ويبحث صناع السياسات عن تقييمات محايدة وموثوق بها من الناحية الفنية، وملائمة التوقيت، حول سرعة تقدم الذكاء الاصطناعي وتأثيره. ونحن نعتقد أن النهج الصحيح هنا هو أن نقتدي بالهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التي تتمثل مهمتها في تزويد صناع السياسات «بتقييمات منتظمة للأساس العلمي لتغير المناخ وتأثيراته ومخاطره المستقبلية وخيارات التكيف وتخفيف الآثار».

نريد هيئة تفعل الشيء نفسه في حالة الذكاء الاصطناعي، وتركز بشكل صارم على جمع البيانات القائمة على العلم، وهي لن تقوم بدور المراقبة على المدى البعيد والإنذار المبكر فحسب، بل ستحدد البروتوكولات والمعايير المتعلقة بإعداد التقارير حول الذكاء الاصطناعي بطريقة متسقة، وعالمية الطابع: ما هي نماذج الذكاء الاصطناعي الموجودة حاليا؟ وما الذي تستطيع تحقيقه؟ ما هي مواصفاتها الفنية؟ وما مخاطرها؟ أين ستصبح هذه النماذج بعد ثلاث سنوات؟ ما الذي يتم نشره وأين وبواسطة من؟ ماذا تقول أحدث تقارير البحث والتطوير عن المستقبل؟ وهكذا.

إن قمة سلامة الذكاء الاصطناعي المقبلة، التي ستقام في المملكة المتحدة، ستكون بمثابة أول تجمع من نوعه لقادة العالم لمناقشة سلامة التكنولوجيا. ومن أجل دعم المناقشات والتوصل إلى نتيجة عملية، نقترح إنشاء لجنة دولية معنية بسلامة الذكاء الاصطناعي، مناظرة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في مجال الذكاء الاصطناعي.

وستوفر هذه الخطوة الضرورية والمدروسة والقابلة للتحقيق قبل كل شيء الأساس الذي نحتاج إليه بشدة للنقاش حول سلامة الذكاء الاصطناعي اليوم. وستقوم اللجنة بتقييم حالة الذكاء الاصطناعي ومخاطره وتأثيراته المحتملة والجداول الزمنية المتوقعة بشكل منتظم ونزيه، وسوف تراقب السياسات والحلول التقنية اللازمة للتخفيف من المخاطر وتعزيز النتائج.

ومن الجدير بالذكر أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لا تجري أبحاثها الأساسية، لكنها تعمل كمركز يضم جميع العلوم المتعلقة بتغير المناخ، ويبلور ما يعرفه العالم وما لا يعرفه في شكل موثوق ومستقل. وسوف تعمل اللجنة الدولية للذكاء الاصطناعي بالطريقة نفسها، حيث سيعمل بها ويقودها علماء الكومبيوتر والباحثون بدلاً من السياسيين المعينين أو الدبلوماسيين.

وهذا ما يجعلها نموذجاً واعداً، فمن خلال البقاء بعيداً عن الأبحاث الأولية أو المقترحات السياسية، يمكن للجنة تجنب تضارب المصالح الذي يأتي حتماً مع زيادة انخراطها. وفي ظل نطاق يركز بشكل محدد على الفهم العميق للقدرات الحالية ومسارات تحسينها، فإن إدارتها ستكون منخفضة التكلفة، ومحايدة ومستقلة، ومشكلة من عضويات دولية واسعة النطاق.

ونظراً لأن معظم الأعمال المتطورة في مجال الذكاء الاصطناعي تتولاها الشركات، فإن الحاجة إلى الشفافية الكافية من جانب الشركات الرائدة أمر ضروري، وسيسهم نظام اللجنة الدولية، حتى قبل تفعيل الآليات القانونية، في إنشاء هيئة موثوق بها تقدم التقارير، وتصوغ توقعات ومعايير حول المشاركة لتوفير مساحة لأقصى قدر من الانفتاح في سوق تجارية ضيقة. وحتى في حالة عدم التمكن من الوصول إلى المعلومات بصورة كاملة، فإن اللجنة ستظل قادرة على تجميع كل المعلومات المتاحة للجمهور بالشكل الأكثر شمولاً ومصداقية.

إن الثقة والمعرفة والخبرة والنزاهة هي العوامل التي سيقوم عليها تنظيم وسلامة الذكاء الاصطناعي بصورة فعالة وعقلانية، وهو ما نفتقر إليه الآن. ونحن نؤمن بأن التوصل إلى إجماع علمي مستقل حول القدرات التي تم تطويرها بالفعل، وما سيتم تطويره في المستقبل، هو أمر ضروري لتطوير الذكاء الاصطناعي الآمن؛ لذا فقد حان الوقت لتبني هذه الفكرة.

الكاتبان هما: المؤسس المشارك لشركتي إنفليكشن وديب مايند، والرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل إيه آي.