متى كانت آخر مرة جال بخاطرك أمر الشريحة الموجودة داخل حاسوبك المحمول؟ بالنسبة إلى معظم الناس، ستكون الإجابة إن ذلك لم يحدث مطلقاً. وهي الإجابة التي ترغب أطراف عدة في أن تظل على حالها. لكن سواء أعجبك هذا أم لم يرق لك، فإن سلسلة من الرقائق الجديدة القادمة قريباً إلى السوق يمكنها أن تغير كليا المشهد الخاص بأجهزة الحواسيب الشخصية.
وإحدى العلامات التي تشير إلى حدوث تغيير كبير قادم، هي تدفق موجة من الأخبار عن وحدات المعالجة المركزية، وهي المعالجات ذات الأغراض العامة التي تقوم بتشغيل الحواسيب الشخصية والخوادم. فمنذ أيام، كشفت شركة أبل عن أحدث أجهزة ماك المتطورة، لكن شرائح «إم 3» الجديدة كانت هي محور الاهتمام إلى حد كبير. وكانت أبل بدأت في تقليل الاعتماد على شرائح إنتل لأجهزة ماك الخاصة بها قبل ثلاث سنوات، ووضعت الشركة من خلال تصميمات السيليكون التي طورت داخلياً مقاييس جديدة للأداء وعمر البطارية، وبناءً عليه، سحبت البساط من تحت أقدام مصنعي الحاسوب الشخصي.
وتعتمد رقائق أبل على نماذج من تصميم شركة «آرم»، وهي الشركة التي تسيطر عليها «سوفت بانك»، وتتميز بتصميمات تمثل البديل الرئيس لتقنية «إكس 86» التي تستخدمها شركة إنتل، وقد شكل ذلك تحدياً لعالم الحاسوب الشخصي بأكمله، والذي يعتمد على بنية شريحة إكس 86. وفي الأسبوع الماضي، كشفت شركة كوالكوم لصناعة الرقائق المحمولة عن شريحة كمبيوتر خاصة بها تعتمد على تقنية «آرم». وهي أول شريحة تعتمد على تصميمات من «نوفيا»، وهي شركة ناشئة أسسها بعض كبار مهندسي الرقائق في شركة أبل واستحوذت عليها شركة كوالكوم قبل عامين، ويقدم ذلك مؤشراً على أن سباقاً تقنياً حقيقياً قد انطلق في عالم رقائق الحاسوب الشخصي.
وتعد فكرة تشغيل نظام الويندوز على الأجهزة التي تعمل بمعالج آرم فكرة مكررة ليست بالجديدة في عالم الحوسبة، لكن لم تسفر الجهود التي بذلت على مدى أكثر من عقد لتحقيق هذه الغاية إلا عن القليل، الأمر الذي جعل من السهل استبعاد الفكرة. ولكن المعالج الذي أطلقته شركة كوالكوم تحت اسم «سنابدراجون إكس إيليت» وعرضته الشركة الأسبوع الماضي يشير إلى أن الوقت قد حان لمراجعة هذا الرأي. وقد أدى تقرير يشير إلى أن شركة «إنفيديا» تعمل أيضاً على طرح شريحة كمبيوتر تعمل بتقنية «آرم» إلى زيادة الشعور بالترقب المتزايد.
وتحاول شركة إنتل، التي تهيمن على سوق رقائق الكمبيوتر الشخصي، جاهدة ألا تبدو منزعجة من هذه الأنباء، وهي بالفعل في غنى عن القلق نظراً للعوائق الكبيرة أمام دخول هذا السوق. فقد أدت الاستثمارات الكبيرة التي قام بها صانعو الأجهزة وجميع الشركات الأخرى التي ازدهرت في عالم الحاسوب الشخصي إلى زيادة صعوبة اختراق السوق، حيث تمتلك إنتل العلامة التجارية الوحيدة للرقائق الاستهلاكية المعترف بها على نطاق واسع، ما يجعلها الخيار الأساسي، وهو ما سيتضح أكثر عندما تصل أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بمجموعة مذهلة من الرقائق الجديدة إلى منافذ البيع. ولعل الأهم من ذلك هو أن جميع البرمجيات المصممة للحواسيب ستحتاج إلى المراجعة لتتوافق مع آرم، وهذه مهمة ضخمة، بالنظر إلى حجم التنوع الهائل لهذه البرامج.
لكن رغم كل المزايا الجوهرية، فإن أخطاء التصنيع التي ارتكبتها شركة إنتل، والتي جعلتها تعتمد على تكنولوجيا قديمة، ربما يجعلها محكوماً عليها بالفشل في مجاراة تطورات الأمور. وهذا يجعل الإطلاق الرسمي، الذي سيجري الشهر المقبل، لأول شرائح الحاسوب الشخصي المعتمدة على آلية التصنيع «إنتل 4» التي طال انتظارها، لحظة مهمة في محاولة الشركة للعودة القوية إلى السوق.
وفي كل الأحوال، فإن ذلك كله يمهد لسباق محتدم في عالم الحوسبة الشخصية الذي لطالما اتسم بالهدوء، حيث تسعى شركة إنتل جاهدة لإجراء سلسلة سريعة من ترقيات التصنيع على مدار العامين المقبلين للعودة إلى الصدارة، كما تحاول شركة أبل جاهدة لترسيخ الريادة التي حققتها برقائق ماك الخاصة بها، فيما تدخل الأسواق موجة جديدة من الحواسيب القائمة على تقنية آرم. كما يشعل هاتف هواوي الجديد المنافسة مع الولايات المتحدة وأبل.
وثمة عاملان يرجحان حسم النتيجة. الأول هو الخوف الذي يعتري مصنعي أجهزة الحواسيب الشخصية إزاء التقدم الذي حققته شركة أبل، حيث إنه بدءاً من منتصف العام المقبل، ومع وصول أول الحواسيب الشخصية التي تعمل بشريحة كوالكوم الجديدة، تأمل شركات الحواسيب في إظهار قدرتها على منافسة أبل أو التغلب عليها في الأداء المطلق. وهذا يفتح باباً للارتباك والحيرة لدى المشترين الذي يحاولون الاختيار ما بين حواسيب منافسة تقوم على «إكس 86» وأخرى قائمة على تقنية آرم من مصنعي الأجهزة أنفسهم. وسيكون أحد الأسئلة الرئيسة هو: ما مدى استعداد الشركات للإنفاق على دعم خطوط إنتاج متعددة والاستثمار في التسويق؟ وإلى متى؟
العامل الآخر، الذي يمكن أن يغير موازين القوى في عالم شرائح الحاسوب الشخصي، هو الذكاء الاصطناعي. فقد أدت متطلبات الحوسبة العالية للذكاء الاصطناعي إلى زيادة التركيز على وحدات المعالجة العصبية، وهي أجزاء من الشريحة تتعامل مع الذكاء الاصطناعي، وهذا بالتحديد هو المجال الذي تتفوق فيه شريحة كوالكوم الجديدة ببراعة وتحصد الجوائز.
ومع ذلك، فإن التطبيقات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والتي من شأنها أن تجعل الناس يرغبون في الإسراع لترقية الحواسيب الخاصة بهم ليست موجودة بعد، حيث تعمل خدمات مثل تشات جي بي تي في السحابة.
وعلى الرغم من أن الشركات التي تقف وراءها ترغب بلا شك في نقل بعض متطلبات المعالجة الباهظة الثمن لهذه الخدمات إلى مستخدمي الأجهزة الشخصية، فإنه ليس من الواضح بعد كيف سيتم ذلك.
وإذا تبين أن الذكاء الاصطناعي فوضوي كما يعتقد الكثيرون في عالم التكنولوجيا، فإن حروب شرائح الحاسوب الشخصي الجديدة ستغير مشهد الحوسبة، ولكن من المرجح أن تكون هذه مسألة طويلة للغاية.