يزداد توجه العائلات الآسيوية الثرية نحو إرسال الجيل الشاب للدراسة في جامعات محلية، إذ تقدم الاقتصادات القوية في المنطقة فرصاً أكبر للاتصالات وتوسع الأعمال. وبعدما كانت العائلات الثرية تفضل المؤسسات التعليمية الأمريكية والأوروبية لدراسات أولادهم الجامعية والعليا، أفاد مستشارون بأن كثيرين يختارون الآن جامعات عالية التصنيف في البر الرئيسي للصين وهونغ كونغ، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ عموماً.
وقالت ويني تشيان بينغ، مديرة مركز «روجر كينغ» للشركات العائلية الآسيوية ومكتب العائلات لدى جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا: «هناك بالتأكيد اهتمام واتجاه متزايدين نحو آسيا، كوجهة مفضلة للتعليم العالي».
وأوضحت بينغ: «تخلفت آسيا بكثير عن ركب الولايات المتحدة لوقت طويل، لكن الوضع ليس كذلك الآن»، وتابعت: «لذا، من الطبيعي للغاية أن يعتبر الناس آسيا مكاناً جيداً للدراسة والعمل، لأن هذا قد يكون محرك النمو في المستقبل».
وبينما ما زالت الجامعات الرائدة التقليدية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا مطلوبة بشدة من العديد من العائلات الصينية الثرية، سواء لبرامج الدراسات الجامعية أم العليا، تعتقد بينغ أن ثمة عدداً متزايداً من العائلات الثرية في البر الرئيسي للصين ترغب في أن يدرس أبناؤها بمؤسسات تعليمية في المنطقة، لأنها أصبحت عالية التصنيف عالمياً.
وتتخذ خمس من أبرز 100 جامعة على مستوى العالم، من هونغ كونغ، مقراً لها، بحسب العدد الأخير من تصنيفات الجامعات العالمية الذي تجريه «كيو إس»، وتشمل جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا «إتش كيه يو إس تي». ويحتضن البر الصيني الرئيسي 5 جامعات أخرى، تشمل جامعتي «تسينغهوا» وبكين. وتحتضن سنغافورة أيضاً جامعتين من بين أبرز 100 على مستوى العالم، هما جامعة سنغافورة الوطنية وجامعة «نانيانغ» التكنولوجية.
وأشارت بينغ إلى تضاعف عدد المتقدمين لبرنامج ماجستير العلوم في المالية بجامعة «إتش كيه يو إس تي» هذا العام مقارنة بما قبل الجائحة، ويأتي كثير منهم من البر الرئيسي للصين.
وأضافت: «بإمكانك أن تجد أناساً تتشارك معهم خلفيات مشابهة من كل هذه العائلات الثرية، فيدرس الأبناء مع بعضهم بعضاً ويصبحون زملاء في الفصل الدراسي». وذكرت: «ويتحول ذلك إلى صلة قوية، والناس يقدرونه كثيراً في واقع الأمر، خصوصاً في السياق الآسيوي».
وزادت التوترات بين واشنطن وبكين من صعوبة تقدم طلاب من البر الرئيسي للصين للدراسة في الولايات المتحدة، مما حفز كثيرين على النظر إلى هونغ كونغ وسنغافورة. وذكرت بينغ أن الجامعات في اليابان وكوريا الجنوبية تكتسب المزيد من الزخم وسط ذلك كله.
وتعد الضرائب المنخفضة في هونغ كونغ عاملاً إضافياً لجذب العائلات من كل أنحاء العالم. وفي الوقت ذاته، تظل سنغافورة مركز جذب بعدما شهدت تدفقاً من المستثمرين الصينيين إبان الجائحة، وذلك رغم مضاعفة البلاد حديثاً للضرائب العقارية على الأجانب. وتعد سنغافورة جاذبة على وجه الخصوص للعائلات الصينية الثرية التي ترغب في حصول الجيلين الثاني والثالث من العائلة على إقامات وجوازات سفر أجنبية.
وأفاد تشي - مان كوان، الرئيس التنفيذي لمكتب «رافلز فاميلي أوفيس»، وله مقران في هونغ كونغ وسنغافورة، أن آباء أثرياء كثر سيضعون في اعتبارهم عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرار بشأن وجهة التعليم العالمي لأبنائهم مقرات أعمال العائلة والأماكن التي يخططون لتوسيع آفاق عملهم بها.
وتابع كوان: «إذا كنت رائد أعمال في الصين الكبرى وأتطلع إلى التوسع بجنوب شرق آسيا، ستكون سنغافورة هي أفضل وجهة لتأسيس المقر الرئيسي لأعمالي»، مضيفاً: «إذا كنت أنت من عائلة أوروبية أو أمريكية وأعمال عائلتك تسير على أفضل ما يكون، ففي نهاية المطاف ستلعب آسيا والصين العظمى دوراً كبيراً في ذلك. وهذا قد ينطبق على الجيل الحالي، لكنه سيكون مؤكداً بالنسبة للجيل التالي».
وقال مديرو ثروات في المنطقة إن تأسيس صندوق عائلي عادة ما يكون أفضل طريقة لتسهيل وتمويل الانتقال لجامعة عبر الحدود. وذكروا أن صناديق العائلات مناسبة للغاية للتخطيط لحياة الطالب بالخارج في آسيا، لإمكانية تسجيلها في هونغ كونغ أو سنغافورة، حيث تتمتعان بنظام ضريبي منخفض، ويمكن أيضاً تسجيل الصناديق في الخارج، حيث يمكن تخفيف الأثر الضريبي على نحو أكبر.
وأوضحت ريتا كو، الشريكة لدى «ريتا كو آند سير»، وهي شركة محاماة تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها وتركز على قانون العائلات وإدارة الثروات، أن هياكل الصناديق في الخارج أو بالمنطقة مفيدة على وجه الخصوص إذا كان الابن «يعتزم البقاء حيث هو أو حتى يغير محل إقامته إلى حيث يدرس». ولفتت إلى إمكانية تأسيس الصندوق «إذا كان الوالدان ثريين بما يكفي، وإذا كانا يرغبان في اقتطاع مبلغ كبير لصالح الابن».
وضربت كو مثالاً على ذلك، ففي حالة العائلات التي ليس لها وجود في البر الرئيسي للصين لكن ترغب في دراسة الجيل التالي هناك، يمكن تأسيس صندوق في هونغ كونغ وسيكون ذلك حلاً فعالاً. فالمنطقة ليست قريبة من المدن الكبيرة مثل بكين فحسب، بل أيضاً هناك منافع ضريبية عدة في هونغ كونغ ليست متوفرة في البر الصيني. وأضافت إن المسارات الأسهل للحصول على الإقامة أو الجنسية في كل من هونغ كونغ وسنغافورة تعد عاملاً إضافياً تضعه الكثير من العائلات الصينية في حسبانها ونصب أعينها.
وأشارت كارول وو، مديرة المصرف شمال آسيا الخاص لدى «دي بي إس»، إلى أن الكثير من العائلات الثرية التي تتطلع لتمهيد الطريق لأبنائها للهجرة لآسيا بإمكانها الذهاب لما هو أبعد، بتأسيس مكتب للعائلة في المنطقة، بجانب تمتعها بهياكل صناديق في الخارج. وهناك الكثير من العائلات التي تفعل ذلك بالفعل.
وأوضح إريك لاندولت، المدير العالمي المشارك لاستشارات العائلات والفن لدى «يو بي إس»، أن المصرف السويسري شهد «اهتماماً متزايداً» من عائلات ثرية خارج آسيا بتأسيس مكاتب في هونغ كونغ وسنغافورة، وفي بعض الحالات، تنتقل العائلات وتجلب معها أبناءها إلى آسيا.
ومع ذلك، أكدت آني كوه، الأستاذة الفخرية في التمويل لدى كلية «لي كونغ تشيان» للأعمال في جامعة سنغافورة للإدارة، أهمية التخطيط المبكر إذا كانت العائلة الثرية تتطلع لابتعاث جيلها التالي إلى آسيا للتعلم والتمتع بمسار وظيفي هناك بعد ذلك.
وأضافت كوه: «هناك مراحل يجب المرور بها قبل الحصول على إقامة، بداية من التخرج والحصول على درجة علمية... إلى العمل في شركة مستعدة لكفالة تصريح عملك ثم تصريح إقامتك في نهاية المطاف».
وأضافت: «تفهم أجيال حالية كثيرة أن هناك عملية يجب المرور بها، وكلما بدأ الأبناء في وقت مبكر في عملية الاندماج كلما كان ذلك أفضل».