تمتد فترات الانتظار لطلبات من مستثمرين عالميين لإنشاء مكاتب عائلية في سنغافورة إلى ما قد يصل إلى 18 شهراً، إذ يواجه المستثمرون الأثرياء لوائح قانونية جديدة أكثر صرامة في المركز المالي الآسيوي.
وكانت المؤسسات العائلية ازدهرت في فترة الجائحة، وباتت رمزاً لطموحات سنغافورة إلى أن ترسخ موقعها وجهة استثمارية، ولكن الطلبات تخضع لتدقيق إضافي، في أعقاب أكبر تحقيق في غسل الأموال شهدته الدولة المدينة.
ووفقاً لسُلطة النقد في سنغافورة؛ ارتفع عدد المكاتب العائلية المُسجلة في سنغافورة، والتي تُدير عشرات المليارات من دولارات الثروة الخاصة، من 50 فقط في سنة 2018 إلى 1,100 في نهاية سنة 2022، ولكن بحسب ما قال محامون ومستشارون عاملون في مجال إنشاء المكاتب العائلية، فإن وتيرة التسجيل الجديدة قد تباطأت، وتراجع الطلب عليها مع امتداد فترات الإجراءات من أقل من ستة أشهر إلى حالات قد تصل إلى 18 شهراً في بعض الأحيان. وقال كثيرون إن وقت الانتظار الطويل نتيجة لتراكم الطلبات الحالية، وتشديد التدقيق بموجب لوائح قانونية جديدة أكثر صرامة من السلطات السنغافورية، ويؤدي وقت الانتظار الطويل إلى إثناء بعض العملاء المُحتملين عن التقديم.
وقال كيا مينج لوه، الرئيس المشارك لقسم ممارسات الثروة الخاصة والمكاتب العائلية في شركة دينتوس روديك: «لا تزال المكاتب العائلية تحظى بشعبية، ولكننا نُلاحظ تباطؤاً». وأشار إلى أن عدد الاستفسارات من العائلات والأفراد الأثرياء قد انخفض من اثنين إلى ثلاثة استفسارات في الأسبوع إلى «اثنين إلى ثلاثة استفسارات في الشهر».
ولفت إلى تباين فترات التأخير، إذ ما زال بعض العملاء الذين تقدموا بطلبات العام الماضي في انتظار الموافقة، بينما حصل آخرون تقدموا بطلباتهم في يناير من هذا العام على الضوء الأخضر في أغسطس. وقال محامون إن هذا التفاوت يُشير إلى مخاوف تنظيمية متزايدة من إمكان استخدام الشبكات الإجرامية لهذه الوسيلة. وحسب ما ذكرت فاينانشال تايمز، فقد واجه عملاء المصارف الخاصة فترات انتظار أطول لفتح الحسابات نتيجة التقصي المُشدد.
واهتزت سنغافورة في أغسطس بعد الكشف عن فضيحة غسل أموال بقيمة 2.8 مليار دولار سنغافوري (2 مليار دولار أمريكي)، إذ صادرت الشرطة أصولاً تشمل عقارات فاخرة، وسيارات، وحقائب يد لمصممين مشهورين، وسبائك ذهبية، ونقوداً، وعملات مُشفرة، في مداهمات في جميع أنحاء الدولة المدينة، وتم القبض على عشرة أفراد، جميعهم من البر الرئيس للصين، ووُجِهت التهم إليهم. ويعكف المحققون على فحص ما إذا كان جزء من هذه الأموال قد وصل إلى المكاتب العائلية وما إذا كانوا قد استفادوا من الامتيازات الضريبية لهذه الآلية.
وقال أحد المحامين في سنغافورة طلب عدم ذكر اسمه: «قيل لي أخيراً أن أتوقع فترة انتظار تصل إلى 18 شهراً إذا كنت من بعض المناطق المُعينة ولكن يُمكن أن تكون فترة الانتظار أقل من ذلك». وأضاف: «أعتقد أن الجميع قد أصبح أكثر حذراً في ظل التحقيقات المتعلقة بقضية غسل الأموال».
وشجعت حكومة سنغافورة على فتح المكاتب العائلية في إطار سعيها للحصول على مزايا تنافسية على هونج كونج، إذ تطمح لجذب المستثمرين الأثرياء من جميع أنحاء العالم. وقدَّرت الهيئة التنظيمية المالية أن المكاتب العائلية تمتلك أصولاً تُقدر بـ90 مليار دولار سنغافوري في نهاية سنة 2021.
وقال سوديب بانيا، مُدير تطوير الأعمال للثروات الخاصة في شركة آي كيو - إِي كيو: «نظام المكاتب العائلية مُهم للغاية بالنسبة لسنغافورة كونه مركزاً للتمويل وإدارة الأصول، وقد بذلت الحكومة جهداً كبيراً لتوسيعه وتحسينه». وأكد بانيا التباطؤ في تسجيل المكاتب العائلية هذا العام، مشيراً إلى أن مُعظمها مرتبط بالطلبات من منطقة الصين العُظمى، ولكنه لفت إلى أنه «ليس انخفاضاً حاداً». وقال إنه بينما كان على بعض الحالات الانتظار 18 شهراً، تكون الفترة غالباً أقرب إلى 12 شهراً، وذلك يتوقف على مدى تعقيد الطلب.
وفرضت سلطة النقد السنغافورية قيوداً إضافية على المكاتب العائلية في يوليو، ومن ذلك وضع حد أدنى لحجم الصندوق بقيمة 20 مليون دولار سنغافوري، كما يجب استثمار ما لا يقل عن 200,000 دولار سنغافوري سنوياً في أعمال محلية مثل الشركات الناشئة وسوق الأوراق المالية، كما اشترطت على هذه المكاتب توظيف اثنين من المتخصصين في الاستثمار، أحدهما على الأقل من خارج عائلة العميل، واقترحت أيضاً إجراءات إضافية مثل توظيف مؤسسة مالية تخضع لتنظيم سلطة النقد السنغافورية؛ للتحقُق من غسل الأموال.
وقالت سلطة النقد السنغافورية: «لا تزال السلطة تتلقى عدداً كبيراً من طلبات الحصول على الامتيازات الضريبية لمكاتب العائلة الواحدة. وبعد تقديم المعلومات الكاملة والوثائق الداعمة، تُراجع الطلبات في فترة تتراوح بين 9 و12 شهراً، وهذا في أحسن الأحوال ولكن الأمر قد يستغرق وقتاً أطول حسب تعقيد وسمات كل حالة». وأضافت: «أصبح الفحص الذي تقوم به السلطة أطول في ظل المعايير الأكثر صرامة المفروضة على الامتيازات الضريبية المُعلن عنها في سنتي 2022 و2023 والتدقيق الأكبر بعد الاعتقالات المرتبطة بقضية غسل الأموال في أغسطس».
وقال رايان لين، المدير في شركة بايفرونت لو، إنه رصد تباطؤاً في تدفق الصفقات من العملاء تتراوح نسبته بين 20 و30 في المئة. وأوضح: «مُعظم (المكاتب العائلية) تضع النقود في صناديق أسواق المال والودائع الثابتة انتظاراً للفرص».
وقال كيا مينج لوه من شركة دينتوس روديك إنه بموجب المعايير الجديدة، بدأت المزيد من المكاتب العائلية بالسعي وراء صفقات في مجالات مثل الأسهم الخاصة وقد يكون هناك «انتقاء طبيعي» لعدد المكاتب العائلية في الأشهر المقبلة. وأضاف: «قد يقرر بعض الأثرياء أن وضع النقود في حساب مصرفي خاص ذي فائدة عالية أفضل من إنفاق 200,000 دولار كل عام».