عززت بيانات الإنفاق القوية المفاجئة آمالاً بقدرة الأمريكيين على مواصلة التسوق في مواجهة الضغوط الاقتصادية، لكن أرباح بعض أكبر تجار التجزئة في البلاد تشي ببدء ظهور تصدعات في مدى مرونة المستهلكين.
وأعلن مكتب تعداد الولايات المتحدة تراجع مبيعات التجزئة 0.1 % الشهر الماضي ليتواصل اتجاه شهده هذا العام وفيه تغاضى الأمريكيون عن تضخم شديد الارتفاع، وفائدة عالية وواصلوا الإنفاق، ليس فقط على مشترياتهم اليومية، ولكن أيضاً على السفر والترفيه والسلع الفاخرة.
لكن في ظل الهدوء الملحوظ للنشاط بسوق العمل، واعتدال نمو الأجور، وبدء نفاد المدخرات المتراكمة منذ الجائحة، ثمة سؤال بدأ يقض مضاجع المسؤولين، وهو إلى أي مدى يمكن للمستهلكين الأمريكيين الإبقاء على مرونتهم؟
وأشارت شركات التجزئة لدى إعلانها أرباحها الفصلية الأخيرة بعد موسم إنفاق صيفي كبير، إلى استمرار ضعف الإنفاق على بنود معينة، كالأثاث والملابس والأجهزة، مع تركيز المستهلكين بدرجة كبيرة على البقالة ومنتجات الصحة والعافية. وقال كوري تارلو، المحلل لدى «جيفريز»: «بصفة عامة، ظل المستهلكون مرنين، لكننا بدأنا نرى قليلاً من التراجع وبدأت الاتجاهات بالسوق تصبح أكثر إثارة للقلق بعض الشيء». كما أشارت «هوم ديبو» إلى أن العملاء يميلون الآن إلى إرجاء أعمال تجديد للمنازل ويركزون على الأمور الأصغر.
وأخبر ويليام باستيك، نائب الرئيس التنفيذي للتسويق السلعي في «هوم ديبو»، محللين، بانخفاض المشتريات التي تزيد على 1.000 دولار بنسبة 5.2 % على أساس سنوي، مع استثمار عدد أقل من العملاء في شراء الأرضيات وأسطح العمل والخزائن الجديدة.
أما «والمارت»، فتوقعت اعتدال نمو الإيرادات في ربع العطلات، بعدما شهدت تراجعاً في مبيعاتها بالنصف الثاني من أكتوبر، شمل نمواً أبطأ من المتوقع لمبيعات الأغراض ذات الصلة بالـ «هالوين». وسلط جون ديفيد ريني، كبير المسؤولين الماليين لدى «والمارت»، الضوء على الدور الذي تلعبه الخصومات، فأطلع «فاينانشال تايمز» على التباطؤ الذي شهدته المبيعات في الفترات الفاصلة بين العروض الترويجية.
وأوضحت سارة وولف، الخبيرة الاقتصادية لدى «مورغان ستانلي»، أن التناقض بين البيانات الرسمية للإنفاق وما تعلنه متاجر التجزئة نابع من التأثير غير المتكافئ للمجموعة الأكثر ثراءً بين السكان ونسبتهم 20 % على الإنفاق الإجمالي.
وعزز أصحاب الدخول المرتفعة من حصتهم في الإنفاق الاستهلاكي، من 39 % إلى 45 % العامين الماضيين، بعد أن راكموا «قدراً هائلاً من المدخرات»، على حد وصف وولف.
وأشارت متاجر التجزئة التي تعتمد على النطاق العريض لمجموعات الدخول المختلفة إلى إنفاق حذر آخذ في الضعف، وأعلنت كل من «تارغت» و«ماسيز» و«هوم ديبو» انخفاضات متماثلة للمبيعات في الربع الأخير.
وقال بريان كورنيل، الرئيس التنفيذي لـ«تارغت»: «ما زال المستهلكون يواصلون الإنفاق، لكن ضغوط مثل الفائدة المرتفعة واستئناف سداد ديون الطلاب وارتفاع ديون البطاقات الائتمانية وانحسار الادخار، تركت لهؤلاء المستهلكين دخلاً متاحاً أقل، مما أجبرهم على تنازلات في ميزانياتهم الأسرية».
واستفاد تجار التجزئة المشهورون بتقديم أسعار منخفضة وصفقات متنوعة، من الضغوط التي سببها التضخم على المستهلكين ذوي الميزانيات المحدودة. وأعلنت «والمارت» وتجار التجزئة أصحاب مراكز الخصومات مثل «تي جيه إكس» و«روس ستورز»، زيادة طفيفة في إقبال المستهلكين على متاجرهم ونمواً مماثلاً في المبيعات.
ولفت كوري تارلو من «جيفريز» إلى بدء المستهلكين الأمريكيين تركيز إنفاقهم على أوقات الخصومات، مثل أيام الصفقات التي تعلنها «والمارت» وأيام «أمازون برايم»، بل وأصبحت زياراتهم لمتجر ما لشراء السلع بسعرها الكامل أقل احتمالاً.
وحدد محللون لدى «بنك أوف أمريكا» بعض الاختلافات ذات الطابع الجيلي وراء بيانات الإنفاق، ورصدوا زيادة في استهلاك الأثرياء من جيل طفرة المواليد (الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية بين 1946 و1964) و«التقليديين»، فيما كان هناك انخفاض في إنفاق الأجيال الأصغر وزيادة في معدلات تأخرهم عن سداد مستحقات بطاقاتهم الائتمانية، حيث إنهم هم الذين واجهوا صعوبات أكبر بسبب الفوائد الأعلى.
وقال أوسونغ كوون، الخبير الاستراتيجي للأسهم لدى «بنك أوف أمريكا»: «أظهرت بيانات بنك أوف أمريكا تسريع المنتمين لفترة طفرة المواليد لوتيرة إنفاقهم، في حين تخفض كل المجموعات الأخرى إنفاقها».
وقال غريغ بورتيل، الشريك الرئيسي لدى «كيرني» للاستشارات: «ما تراه هو تشعب بين المستهلكين، فالمجموعة التي تنتمي إلى القطاع الأعلى من فئات الدخل حافظت على الإنفاق القوي. على الجانب الآخر، لديك مستهلكون أكثر حساسية تجاه الأسعار، وهؤلاء يبحثون عن المزيج المناسب من السعر والقيمة». وفي الوقت ذاته أعلنت متاجر التجزئة للسلع الفاخرة تباطؤاً في مبيعاتها، مع خفض العملاء إنفاقهم. ومع ذلك أعلنت بيوت الأزياء الأمريكية الفاخرة مثل تابيستري ورالف لورين، نمو إيرادات الربع الأخير وكان الإنفاق حتى العام الماضي مدفوعاً إلى حد كبير بالطلب المكبوت، ولكن بعد تلبية هذا الطلب، يتوقع خفض ذوي الدخول المرتفعة لإنفاقهم.