يلتقي قادة الاتحاد الأوروبي الشهر الجاري، لحضور الاجتماع الأخير لمجلس أوروبا بهذا العام، وسيحدد مدى حسمهم، إذا ما كانت القمة ستُصنّف من بين أكثر القمم أهمية، أم ستكون فرصة كبيرة مُهدرة.

لننظر إلى القرارات المتراكمة التي لم تُحل بعد، إذ هل يفي الزعماء بتعهدهم بمنح أوكرانيا تمويلاً بـ40 مليار يورو على مدى 4 أعوام، بعد نصف العام من قطعهم هذا الوعد؟ وهل يشرعون في مفاوضات رسمية لانضمام دول، مثل أوكرانيا ومرشحين آخرين، لعضوية الاتحاد الأوروبي؟

وهل يوقّعون أخيراً على اتفاق التبادل التجاري مع دول «ميركوسور» في أمريكا الجنوبية؟ وهل يتبنون القواعد المُشتركة الجديدة المقترحة بشأن الماليات العامة الوطنية، وكذا المراجعات النصفية لموازنة الاتحاد الأوروبي التي تمتد لسبعة أعوام؟.

وخلافاً لما يبدو في العلن، فما يحول دون اتخاذ قرارات بشأن هذه القضايا، ليست أموراً مثيرة للجدل إلى حد كبير، وذلك رغم إدراك الجميع أن هذه المسائل ضرورية، وأنها ستعود بمنافع هائلة على الاتحاد الأوروبي وعلاقاته بكافة دول العالم. لكن المشكلة تكمن في أن كل هذه القضايا لا تعطلها سوى مخاوف «هامشية» للغاية.

وليس من اللائق إلقاء اللوم جله في إرجاء اتخاذ هذه القرارات على المجر، ورئيس وزرائها فيكتور أوربان، حيث إن أوربان يعرقل بالفعل اتخاذ القرارات بشأن أوكرانيا للحصول على منافع، لا سيّما المتعلقة بالإفراج عن أموال الاتحاد الأوروبي، والتي حُجبت عن بلاده بسبب تقويضه لسيادة القانون. ولكن كما كانت الحال في القرارات الكبيرة سابقاً، فهناك حدود للمدى الذي قد يسمح له الآخرون بتأخيرها.

وثمّة نقاشات بالفعل على مستوى وزراء المالية بشأن الالتفاف على بودابست في مسألة تمويل أوكرانيا، عبر تقديم الدعم بموافقة من 26 دولة فقط، وهو خيار ممكن، إن لم يكن مفضلاً.

ثمة مشكلة أخرى على القدر ذاته من الأهمية، تتمثل في دعم المفوضية الأوروبية لأوكرانيا بتمويلات تكميلية لميزانيتها من الدول الأعضاء، أما بالنسبة لمفاوضات انضمام أوكرانيا لعضوية الكتلة.

فالبعض يشعرون بإغراء لإرجاء الأمر لعدة أشهر، انطلاقاً من اعتقاد مضلل بأن هذا من شأنه إجبار كييف على إجراء إصلاحات على نحو أسرع لكن التعطيلات تذهب إلى ما يتخطى المسائل المتعلقة بأوكرانيا، فلطالما كان شكل القواعد المالية واضحاً إلى حد كبير. لكن التفاصيل الفنية المتبقية التي يختلف بشأنها وزراء المالية، لن تُفضي تقريباً إلى أي اختلافات في ما يتعلق بالآفاق الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت ذاته، فالاتفاق مع دول «ميركوسور» تعرقله مصالح ضيقة لبعض القطاعات، ومتطلبات مناخية مفرطة في الحماس وهذا ليس بمفاجئ، بل ومشروع بمعنى محدد، لكن هذه المصالح ليست كافية بأي حال من الأحوال لإفساد الاتفاقية.

كذلك، فإن مراجعات الموازنة تتعلق أيضاً بأرقام غير مهمة بالمرة. على أية حال، ما زال الاتحاد الأوروبي عاجزاً بسبب نرجسية الدول الأعضاء حول خلافاتهم الصغيرة. لكننا تخطينا بالفعل المرحلة التي يكون فيها التمسك بتنازل هامشي آخر، أو المساومة على تفاصيل فنية، أو جمع المزيد من المعلومات بخصوص أمر ما، ذات فائدة كبيرة. لذلك، يجب اتخاذ قرارات سياسية بخصوص كل هذه القضايا.

من شأن اتخاذ تلك القرارات خلال هذه القمة، أن يجعل منها واحدة من القمم من التي تفتح فصلاً جديداً بالمشروع الأوروبي، يشهد وضع أوكرانيا في اتجاه غربي أكثر ثباتاً، ويخلق أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، فضلاً عن التأسيس لإطار عمل يمكن التنبؤ به، لتأمين استثمارات كبيرة مطلوبة في مجال الدفاع، وإزالة الكربون والتحديث الرقمي.

ولا يقدم أحد مساراً سياسياً بديلاً، وبالتالي، سيكون فشل الإرادة السياسية هذا الشهر، بمثابة تعطيل كبير للأمور حتى وقت لاحق.

وكلما استغرق الاتحاد الأوروبي وقتاً أطول لاتخاذ قرارات بشأن أمور كان لزاماً عليه أن ينتهي منها، ازداد تأخير المفاوضات شديدة الصعوبة حقاً. ويشمل ذلك مشاركة تامة وحسنة النية ومُستدامة في كيفية تجهيز الكتلة للتوسع وقد خاض الاتحاد الأوروبي في وقت مبكر من العام مناقشات مبدئية، بشأن إصلاحات عميقة لآلية اتخاذ القرار.

وبخصوص المؤسسات الأوروبية، لكنها أخفقت في الوقت الراهن، ما يعني أنها صارت منفصلة عن بالقرار المتعلق بالدفع قدماً بمباحثات الانضمام يشمل ذلك أيضاً شكل الموازنة التالية للاتحاد الأوروبي لسبعة أعوام جديدة، وكيفية تطويعها، بحيث تكون مناسبة لعصر متسم بعدم الأمان الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية.

ومن الواضح وجوب تنفيذ مشروعات استثمارية مشتركة ضخمة في الطاقة، على سبيل المثال، وفي تعزيز روابط النقل والبنية الأساسية مع البلدان المجاورة، وفي الوقت ذاته، حماية سلامة السوق المُوحدة والتعامل مع عملية التوسع. ويتطلب ذلك موازنة أكبر ومُعادة الهيكلة على نحو جوهري، لتلبية مصالح المساهمين الصافيين والمنتفعين.

إن معالجة مثل هذه التحديات، يجب ألا تعطلها مصالح من الدرجة الثانية أو الثالثة، وأحد الحلول يتمثل في اتخاذ مزيد من القرارات بأغلبية المصوتين، مثلما يقترح البعض. لكن هذا بديل أقل شأناً لسياسة تعمل في سبيل التوصل لاتفاق أوسع نطاقاً. عموماً، فإن زعماء الاتحاد الأوروبي لديهم فرصة لإظهار قدرتهم على الخروج بالحل.