يرى كثيرون أن المبلغ الضخم البالغ 700 مليون دولار والذي استُخدِم لإقناع شوهي أوهتاني، الرياضي الذي يُحتفى به باحتسابه أعظم لاعب بيسبول في العصر الحديث، للعب لمصلحة فريق لوس أنجلوس دودجرز، أمراً استثنائياً لعدة أسباب، فعلاوة على أن العقد الموقع يعد أعلى العقود قيمة في قطاع الرياضة الاحترافية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الرقم الذي استحوذ على العناوين الرئيسة يتجاوز مجمل قيمة المبيعات المحلية المُتوَقعة لمُعدات بيسبول لهذا العام في اليابان. وهكذا، فإن أوهتاني لم يعد فحسب نجماً لامعاً تجاوز حجم هذه الرياضة في اليابان كونه لاعباً؛ وإنما يبدو أيضاً أنه من بعض الزوايا، قد تخطاها كقوة اقتصادية أيضاً أو على الأقل، سيكون قد تجاوزها بعد عقد من الزمن من اليوم.
ووفقاً لبعض المقاييس، فأبرز جانب في الاتفاق هو الهيكل الذي اتفق عليه هو والنادي، ففي السنوات العشر المقبلة التي سوف يلتزم فيها أوهتاني اللعب مع فريق لوس أنجلوس دودجرز، سيتلقى أجراً سنوياً قدره 2 مليون دولار، وهو رقم سيتضخم بشكلٍ كبير عن طريق صفقات الرعاية والإيرادات الأُخرى، ولكنه لا يُمثل سوى جزء ضئيل بشكلٍ غير عادي من الحزمة الإجمالية.
وفي نهاية سنوات العقد العَشر، سيبدأ أوهتاني تلقي 68 مليون دولار سنوياً لعقد إضافي 10 سنوات أُخرى، وهو مبلغ يصدف أنه، لأغراض مرجعية، أكبر من مجمل أجور اللاعبين السنوية في ناديه الياباني السابق نيبون هام فايترز.
ويأتي تأجيل راتب أوهتاني الملحمي، والذي يُمكن القول إنه ضرب من ضروب الأنانية النبيلة، ليُتيح بذكاء لدودجرز الاحتفاظ بما يكفي من الأموال لتُنفق بسخاء على صفقات أُخرى على لاعبين ذوي جودة عالية في السنوات القليلة القادمة وسيُتيح لهم ذلك تكوين فريق قوي ليُحيط بنَجمهم صاحب الـ700 مليون دولار، وليكون قادراً من الناحية النظرية على الفوز بسلسلة البطولات التي يتوق لها أوهتاني والذي تُبرزه هذه الحسابات، على الأقل معجزة مُتفانياً في تكريس نفسه للعبة والرغبة في الفوز بها، على كونه مفتوناً بالمال الذي سيجنيه منها. ثمّة جبهتان يُمكن عن طريقهما توقُع هذا النهج بالكامل الأولى، مثلما أشار بعض المُعلقين، أن أوهتاني هو طفل تحول إلى رجل عصره.. عصر «العقود المفقودة» في مرحلة ما بعد انهيار فقاعة الأصول اليابانية، والتي تزامنت مع شبابه وتقدمُه إلى مرحلة النُضج.
مُعظم هذا العصر اشتهرت اليابان ليس فقط بسبب ركودها، وتخلصها من عبادة الجشع، ولكن أيضاً بسبب الفكر الانكماشي الذي ثبت منذ ذلك الحين صعوبة التخلُص منه ولذلك، فإن إحدى النظريات أنه إذا نشأ جيل مثل أوهتاني من دون اهتمام كبير بأسعار الفائدة أو من دون الشعور بأن النقود ستفقد قيمتها مع مرور الوقت، فقد يكون هناك شعور أقل بالتكلفة المرتفعة للفُرصة الناجمة عن تأجيل الدخل.
ربما أدت هذه العوامل دورها في السهولة الواضحة التي تنازل بها أوهتاني، عن قيمة فوائد عشرة أعوام على حزمة دخله الضخمة. وعلى الرغم من ذلك، فالعامل الأكثر قوة، أن أوهتاني في تعاملاته مع دودجرز يؤدي دوراً يُشبه إلى حدٍ كبير دور رجل الشركة المثالي فمع توقُع انتهاء مسيرته الرياضية في عقد من الزمن، اختار الاستقرار عبر التوظيف مدى الحياة، وبالثمن المدفوع مُقابل تلك الضمانات. وفي الوقت نفسه، قرر تحديد مصالحه ليس فحسب لتتماشى مع مصالح الشركة، وإنما لتتطابق معها أيضاً.
إن تأجيل الدفع الفوري يجعله شريكاً في المُهمة الأكبر وهي ضمان بقاء الشركة. ولطالما كانت قُدرة الشركات اليابانية على إقناع الموظفين بأن هذه هي المُهمة الأعظم عاملاً حاسماً في كبح مطالب الموظفين والموظفات الحادة بأجور أعلى.
ومع ذلك، كان قراره في الوقت نفسه مُفاجئاً، فالتأجيل الذي قبل به أوهتاني يُظهر إيماناً كبيراً بالمُستقبل قد لا يعبر عنه الكثير من اليابانيين في مثل عمرُه، ولا سيّما في ما يتعلق بأموالهم التي كسبوها بشق الأنفُس. وفي الواقع، هو يراهن على أن كيان الشركة سيظل مُستقراً للحصول على كل أمواله حتى الدُفعة النهائية البالغة 68 مليون دولار المُستحقة في سنة 2044. هذا يُعد رهاناً على الصحة المالية طويلة الأجل للشركة، والذي لن يؤيده غالبية اليابانيين، وذلك وفقاً للأدلة وبناءً على أنماط استثماراتهم ورفضهم الشديد للمخاطرة بمُدخراتهم على الأسهم.
لقد أسس فريق دودجرز منذ 140 عاماً. ولدى اليابان 30,000 شركة تتجاوز أعمارها القرن، وأكثر من 500 منها مُدرجة في بورصة طوكيو. إن طول عُمر المؤسسة أمر قد يعتز به الموظف، ولكن ليس لدرجة المُراهنة عليه بـ680 مليون دولار.