اتّسم منتدى السندات السنوي الذي عقدته «إم آند جي إنفستمنتس»، في لندن هذا العام، بحضور غير معتاد على المسرح، على هيئة تمثال كبير لفيل ملوّن، مُثبتة عليه قصاصة ورق مكتوب عليها «6.2 %».

كان الفيل موجوداً ليمثل المعنى الحرفي لعبارة «الفيل في الغرفة»، وكان تمثيلاً بصرياً للتحدي الذي يواجه مديري الصناديق في الوقت الراهن، وهو اقتناص حصة في المحفظة عبر التغلب على النسبة التي يمكن للعميل الحصول عليها من حسابات التوفير قصيرة المدى وشديدة الأمان.

تركت الحرب الشعواء التي خاضتها البنوك المركزية برفع الفائدة في غالب العامين المنصرمين، مديري الأصول، عالقين في معركة للحصول على المزيد من العملاء، في مواجهة ودائع نقدية وصناديق سوق النقد منخفضة التكاليف والمخاطر.

وفي حين أن الحسابات التي تدر عائداً 6.2 %، لم تعد موجودة، لكن معدلات الادخار التي يتجاوز عائدها 5 %، والموجودة بكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ما زالت تشكّل تحدياً كبيراً أمام مديري الصناديق.

وقال بيتر هاريسون الرئيس التنفيذي لشركة إدارة الأصول «شرودرز»: «نحن في بيئة مختلفة تماماً حالياً، ونتخلى عن كثير من الافتراضات التي دامت طيلة 15 عاماً».

ويعتقد مطلعون على الصناعة، أن النظام الجديد سيُنذر بتدفقات خارجة ضخمة من بعض شركات الصناديق. وقد يكون مديرو صناديق الأسهم من بين أكبر الخاسرين، وهم الذين تعرضوا لضغوط بالغة، جراء أعوام من المنافسة مع صناديق تتبع المؤشرات منخفضة التكلفة. لكن الصورة أقل وضوحاً لمديري الدخل الثابت، فبينما تشكّل معدلات الادخار النقدي تحدياً، فإن العوائد الأعلى للسندات، توفر فرصة لربح عوائد أكبر.

وقال ستيفن كوهين رئيس قسم أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى «بلاك روك»: «عودة النقد هي الموضوع الأبرز في عالم إدارة الأصول في الوقت الراهن».

وتفيد بيانات «إنفستمنت كومباني إنستيتيوت»، بتمتع صناديق أسواق النقد الأمريكية بنحو 5.76 تريليونات دولار حالياً، وهي تستثمر أموال المشترين في أدوات آمنة، مثل الديون الحكومية قصيرة الأجل ،وتُعد هذه أنباء سارة لمديري الأصول، ممن لديهم شركات كبيرة في سوق المال، مثل «فيدليتي» و«فانغارد» و«جيه بي مورغان» لكنها تزيد من الضغوط على الشركات التي تركز منتجاتها على قطاعات فقدت شعبيتها.

ولفت أندريا روسّي الرئيس التنفيذي لمجموعة المدخرات والاستثمار «إم آند جي»: «إذا كنت تستثمر في فئة أصول واحدة، لم تعد تحظى بالاهتمام، سوف تواجه صعوبة في الحصول على تدفقات. وأنت بحاجة لتنويع فئات الأصول والعملاء والمنظور الجغرافي».

ورغم أن اندماج مديري الأصول ثبت كونه غير ناجح، يرى روسّي أن الاندماجات ستصبح أكثر تواتراً، مع محاولة الشركات التأقلم مع الضغوط المفروضة على رسومها. وقال ديفيد هانت الرئيس التنفيذي لدى «بي جي آي إم»: «أعتقد بأننا سنشهد بكل تأكيد بحث بعض اللاعبين ذوي التركيز المحدود عن شركاء استراتيجيين».

وتأتي «تي رو برايس» من بين الذين يواجهون صعوبات في ضوء النظام الجديد، وهي شركة نشطة لإدارة الأسهم بقيمة 690 مليار دولار، تتخذ من بالتيمور في ولاية ميريلاند مقراً. واجهت الشركة صعوبة بسبب التدفقات الخارجة الكبيرة منذ 2021، وحاولت خفض النفقات العام الماضي، عبر جولتين من تسريح للعمالة.

وانخفضت الأصول التي يديرها صندوق استثمار الرهن العقاري الإسكتلندي التابع لـ «بيلي غيفورد»، التي تضررت الكثير من حيازاتها التكنولوجية، إثر أسعار الفائدة المرتفعة، من قرابة 18 مليار دولار في يونيو 2021، إلى 12 مليار في أكتوبر 2023.

وفقدت «بيلي غيفورد» ككل أكثر من 100 مليار دولار من الأصول في 2022، حسبما أظهرت آخر بياناتها.

وتعرض مديرو صناديق السندات أيضاً لضغوط، لكنهم يرون بعض دواعي التفاؤل فقد تصاعدت العوائد على السندات الحكومية الأمريكية شديدة الأمان، وديون الشركات من الدرجة الاستثمارية في العامين الماضيين، مع رفع الفوائد. لكن هذا كان ضاراً مع ذلك، إذ انخفضت قيمة السندات في حيازتها على نحو حاد، وإن كان هذا يعني أيضاً إمكان جنيهم المزيد من الدخل على السندات التي يشترونها، بيد أن تراجع العوائد في الشهرين المنصرمين، تسبب في تآكل قدر من هذه المنافع.

وقال جون غراهام الرئيس والرئيس التنفيذي لدى «سي بي بي إنفستمنتس»: «عاد الدخل الثابت كفئة أصول قابلة للاستثمار»، في إشارة إلى الاستثمار في الدخل الثابت، والحصول على عائد في أوسط النطاق الذي يقل عن 10 %.

ويعتقد إيمانويل رومان الرئيس التنفيذي لدى «بيمكو»، أكبر مدير سندات عالمياً، بأن البيئة الجديدة ستصب في صالح أعماله.

ويأمل الكثير من مديري الأصول ممن ليس لديهم أعمال كبيرة في سوق المال، أن تفوز البنوك المركزية بمعركتها مع التضخم، دون التسبب في ركود. وسيمكّنها ذلك من خفض تكاليف الاقتراض في العام المقبل، وسيجعلها تتفادى ما يُطلق عليه بيئة الفوائد «الأعلى لمدة أطول».

وازدادت الآمال في الأسابيع الأخيرة، بعد قراءات تضخم دون التوقعات، في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، وإن كانت قراءة التضخم العام الأمريكي لشهر نوفمبر، جاءت متماشية مع التوقعات. ويرى البعض أن هذا السيناريو قد يعيد تدفقات العملاء من جديد إلى الأصول الأكثر خطورة.

وقال مينا فلين الرئيس المشارك لإدارة الثروات الخاصة لدى «غولدمان ساكس»: هناك كم هائل من الأموال على الهامش، التي ستكون على استعداد للعودة إلى المخاطرة، وذلك اعتماداً على الحد الذي ستحصل فيه على قدر أكبر قليلاً من الوضوح بشأن الهبوط الاقتصادي السلس، وعلى قدر من الاستقرار من المنظور الجيوسياسي.