فترة العطلات والأعياد هي الوقت الذي تجتمع فيه العائلات سوياً، لكن آلاف الأشخاص في المملكة المتحدة دخلوا في حالة من الريبة وعدم اليقين في موسم الأعياد الجاري، حيال ما إذا كانوا سيتمكنون من جلب أزواج أو زوجات ولدوا في الخارج إلى البلاد - أو حتى استمرار البقاء في المملكة المتحدة إذا كانوا بها بالفعل.
وتخطط حكومة المحافظين لزيادة أكثر من الضعف في مستويات الرواتب السنوية بحلول الربيع المقبل، من 18.600 جنيه إسترليني إلى 38.700 جنيه إسترليني، وهو الحد الأدنى للدخل الذي يجب أن يحصل عليه المواطن البريطاني لكي يكون كفيلاً لتأشيرة دخول زوج غير بريطاني. وبما أن 70 % من البريطانيين يحصلون على دخل سنوي أقل من المستوى الجديد، فإن الاستقرار في المملكة المتحدة مع مواطن مولود في الخارج سيصبح فجأة خياراً للأثرياء فقط.
وتُعد قواعد التأشيرة العائلية الجديدة من بين حزمة من الإجراءات التي تم الإعلان عنها هذا الشهر؛ لتقليل صافي الهجرة «القانونية» من الرقم القياسي المسجل في العام الماضي والذي بلغ 745 ألفاً. ورغم أن الزيادة ترجع جزئياً إلى عوامل لمرة واحدة، إلا أن هذا المستوى غير مستدام من الناحية السياسية. لكن العديد من الإجراءات التي تحاول الحكومة اتخاذها تظل مثار جدل؛ حيث تحذر الشركات من أن رفع الحد الأدنى لأجور العمال الأجانب المهرة من 26200 جنيه إسترليني إلى 38700 جنيه إسترليني قد يمنعهم من توظيف الأشخاص الذين يحتاجون إليهم. وتقول دور الرعاية إن منع جلب المعالين للعاملين الأجانب في مجال الرعاية قد يجعل من الصعب عليهم أيضاً ملء الوظائف الشاغرة.
ومع ذلك، فإن مضاعفة الحد الأدنى للدخل للحصول على تأشيرات عائلية لا يزال أمراً قاسياً ومحدود الفعالية.
وتشير تقديرات غير معلنة لوزارة الداخلية البريطانية إلى أن ذلك لن يؤدي إلى خفض صافي الهجرة إلا بمقدار «عشرات آلاف قليلة» فقط. وتقول الحكومة إن القواعد المخططة تسمح ببعض الاستثناءات لتجنب «العواقب الوخيمة»؛ ويمكن أيضاً أخذ المدخرات في الاعتبار عند حساب الدخل الشخصي، ودخل الشركاء العاملين بالفعل في المملكة المتحدة.
أيضاً، ربما يتم إلغاء خطط زفاف كثيرة من قبل أولئك الذين وجدوا أنفسهم فجأة تحت مستوى الدخل الجديد؛ ومن ثم سيتعين على العديد من الأزواج أن يقرروا ما إذا كانوا سيغادرون البلاد ليكونوا معاً. ويعاني الآلاف من الأزواج والعائلات الذين يعيشون بالفعل في المملكة المتحدة من المشاكل، حيث تقول الحكومة إنها لا تزال تضع تفاصيل الخطة الجديدة - بما في ذلك «كيفية تطبيقها على أولئك الذين يجددون التأشيرات»، وليس فقط الطلبات الجديدة.
إن إجبار العائلات على المغادرة بسبب عدم بلوغ الحد الجديد للدخل سيكون أمراً مثيراً لكثير من الغضب. وكان قد تم تقديم الحد الأدنى للدخل البالغ 18600 جنيه إسترليني في عام 2012. وبعد الطعون القانونية، قضت المحكمة العليا بأنه قانوني في عام 2016 بعد أن حدده مستشارون مستقلون باعتباره المستوى الذي يمكن لشخص ما أن يدعم فيه شريكه، من دون الحاجة إلى مزايا أو دعم حكومي.
ولم يتم تعديل هذا الحد مطلقاً لكي يتماشى مع معدلات التضخم، ولكن زيادة حد الدخل إلى أكثر من الضعف يبعده كثيراً عن الغرض الأصلي من ورائه ــ ويكاد يرفع نسبة السكان الذين يقل دخلهم عن الحد الجديد إلى ثلاثة أمثالها، بعد أن كانت لا تتجاوز الربع. وسوف تتأثر النساء والشباب والأقليات العرقية بشكل غير متناسب.
من جانبهم، يستعد محامو الهجرة لخوض غمار معارك قانونية حول ما إذا كانت الإجراءات الجديدة متوافقة مع الأحكام القضائية لعام 2016، وقوانين حقوق الإنسان، الأمر الذي قد يجبر الحكومة في النهاية على تغيير مسارها. لكن هذا لا يبعث على الطمأنينة في نظر أولئك الذين يعيشون في حالة من القلق والغموض اليوم. وسوف تتفوق المملكة المتحدة بذلك الحد الجديد بفارق كبير على أغلب البلدان الأخرى التي لديها متطلبات تتعلق بالدخل أو الادخار، مثل هولندا، وأيرلندا، وأسبانيا، والسويد ــ فضلاً عن الولايات المتحدة والنرويج التي تعد مستويات الدخل لديها اليوم أعلى قليلاً من المستوى المحدد في بريطانيا.
وربما تكون الطرق الأكثر فعالية للحد من معدلات الهجرة في المملكة المتحدة هي زيادة رواتب العاملين في مجال الصحة والرعاية (رغم أن هذا سيحتاج إلى تمويل)، وفتح المجال أمام خطط قصيرة الأجل لحركة وتنقل الشباب مع دول الاتحاد الأوروبي. كما يجب على الحكومة ضمان عدم إساءة استخدام التأشيرات العائلية. ولكن حتى في الوقت الذي تواجه فيه دول العالم ضغوطاً لتشديد القيود المفروضة على الوافدين، فإن الحق في العثور على السعادة مع شريك من أرض أجنبية ليس بالتأكيد أمراً يمكن محوه من الوجود.