تواجه الصين صعوبات في توزيع 740 مليار دولار من القروض المُيسرة على الشركات، فيما أعربت البنوك عن قلقها بشأن مخاطر الائتمان، وكانت الشركات مُترددة في تحمُل المزيد من الديون في ظل تباطؤ الاقتصاد.

وكان برنامج الإقراض المُستهدف جزءاً مُهماً من جهود التحفيز التي اعتمدتها بكين منذ جائحة كورونا، وضمن محاولات السُلطات لإعادة إنعاش الاقتصاد المُتراجع هذا العام. لكن البنوك التُجارية وجدت صعوبة في تحديد المُقترضين المؤهلين في الصناعات التي حددتها الحكومة كأولوية.

وتُظهر البيانات الرسمية أن نصف برامج القروض البالغ عددها 14 برنامجاً التابعة لبنك الشعب الصيني، والتي يتراوح تركيزها من دور رعاية المُسنين إلى مطوري العقارات المُتعثرين، قد وزعت أقل من %50 من حصتها منذ بدايتها في عام 2020. أما البرامج المُتبقية، أو «أدوات السياسة النقدية الهيكلية»، فقد صَرَفت ما بين 62 و%87 من حصَصَها الإقراضية.

ويُبرز الإقبال البطيء على هذه البرامج التحديات التي يواجهها صُناع السياسة الصينيون لإنعاش اقتصاد البلاد المُتعثر، والذي تلقى صدمات من انهيار القطاع العقاري وانعدام الثقة لدى القطاع الخاص.

وقال إسوار براساد، أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنيل والرئيس السابق لقسم الصين في صندوق النقد الدولي: «الجهات التنظيمية المالية في الصين على دراية تامة أن استخدام هذه التدابير يتعارض مع محاولاتِها لتعزيز النهج التجاري للنظام المصرفي والتوقف عن التدخل في تخصيص الائتمان، لكنني أعتقد أنهم قرروا أن تخصيصات الائتمان المُستهدف قد تكون أهون الشَريّن، حيث إن الشر الأول يتمثل في تحفيز نقدي واسع النطاق قد يُثير كل أنواع المخاطر المالية متوسطة الأجل وغيرها من المخاطر الأخرى».

ولدى الصين تاريخ طويل في استخدام القروض الهادفة لتحقيق سياسات معينة. ولكن السُلطات اعتمدت بشكلٍ مُتزايد على هذه الاستراتيجية لدعم الاقتصاد بعد تفشي فيروس كورونا، حيث طَرَح بنك الشعب الصيني 12 برنامجاً للإقراض قصير الأجل بفوائد مُنخفضة أو بدون فوائد، بقيمة تزيد عن 5.3 تريليونات يوان (744 مليار دولار).

وفقاً للبنك المركزي فإن الإقراض المُستهدف يختلف عن التخفيف الواسع النطاق للقيود النقدية على الطريقة الغربية، من خلال توجيه الائتمان الرخيص نحو مناطق استراتيجية لتعزيز الاقتصاد دون تأجيج التضخم. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية لم تؤتِ ثمارها بشكلٍ كامل، حيث عانت بعض البرامج الأحدث من مُعدلات إقبال أقل.

وتم في يناير الماضي طرح 3 تسهيلات للإقراض المُستهدف تضمنت تخصيص ما يصل إلى 230 مليار يوان لشركات الإسكان الاجتماعي ومُطوري العقارات المُتعثرين والشركات الخاصة، لكنها لم يتم استنفادها حتى نهاية سبتمبر الماضي. ومنذ إطلاقهما في يونيو الماضي، استهدف صندوقان مدعومان من بنك الشعب الصيني توزيع 240 مليار يوان على مشاريع عقارية مُتوقفة ودور رعاية ذات أسعار ميسرة، لكنهما لم يتمكنا سوى من إنفاق 7.2 مليارات يوان. كما وزع برنامج قروض آخر مدعوم من الدولة للخدمات اللوجستية، كان جرى إطلاقه في نهاية العام قبل الماضي، أقل من نصف حصته المُقدرة بحوالي 100 مليار يوان.

وقال أربعة مصرفيين إنهم يترددون في المشاركة في البرامج، التي تركز على القطاعات التي تحمل مخاطر ائتمانية كُبرى، فعلى سبيل المثال، تستأجر دور الرعاية الصحية عادةً المباني والأراضي، وبالتالي ليس لديها أية ضمانات تُقدمها للمُقرضين. وقال شو ليانغ، صاحب دار لرعاية المُسنين في مقاطعة هيبي الشمالية، والذي تقدم لطلب الحصول على قرض في أغسطس، لكن رُفض لعدم كفاية الضمانات: «لو كنتُ أملك الأرض، لحصلت على القروض البنكية منذ زمن طويل».

ويتسم الطلب على الائتمان بالضعف، حيث تُظهر البيانات الرسمية أن الصندوق المدعوم من بنك الشعب الصيني بقيمة 40 مليار يوان لقروض الأعمال الصغيرة، صَرَف 22 مليار رنمينبي فحسب منذ إطلاقه في مارس. وقال مسؤول في بنك تشونغ يوان: «أصحاب الأعمال خائفون من زيادة الرافعة المالية بسبب حالة الاقتصاد التي تعاني من الكثير من الضبابية والريبة».

وتواصِل بكين المُضي قُدماً في تطبيق البرنامج رغم الإقبال الضعيف. ووفقاً لوسائل الإعلام الحكومية، فقد صَرَحت إدارة السياسة النقدية في البنك المركزي إن الإقراض المُستهدف قد ساعد على «إنعاش الاقتصاد بشكلٍ فعال، وكذلك في تعزيز مُحركات النمو الجديدة».

لكن حتى المسؤولين الصينيين غير مُقتنعين بذلك. وقال أحد مُستشاري البنك المركزي: «منظمو الاقتصاد الصينيون مهووسون بفكرة السياسة النقدية المُستهدفة على الرغم من وجود الكثير من الجدال حول مدى فاعليتها».

ولا تزال البنوك غير مُستعدة لتخفيف معاييرها للإقراض، حتى مع تشجيع السُلطات لها ودعم البنك المركزي.

وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في بنك التعمير الصيني، وهو أحد أكبر البنوك في الصين: «نحن نتخذ قرارات الإقراض بناءً على ما إذا كان المقترضون قادرين على سداد القرض وليس مدى انخفاض تكلفة أموالنا. لا يُمكننا تعزيز المصلحة العامة على حساب مصلحتنا الخاصة».