بدأت التفكير منذ ثمانية عشر عاماً بمخاطر التركز في أسواق الأسهم الأمريكية وتركزت المشكلة في المصارف، إذ ساد حينئذ تفاؤل إزاء الإبداع المالي، ونمو رسملة القطاع المالي، إلى درجة شكلت فيها قرابة ربع مؤشر ستاندرد آند بورز.
افترض العديد من المستثمرين طبيعية هذا المشهد غير المتوازن وأنه سيدوم إلى أجل غير مسمى. لكن انفجرت فقاعة الائتمان في 2007، فانكمش القطاع المالي، ما أسفر عن سوق أسهم أكثر توازناً، تمتعت فيه الرعاية الصحية والصناعة وتكنولوجيا المعلومات وقطاعات أخرى بأوزان متساوية، ما يعكس التوازن الاقتصادي. ل
كن هل تتكرر هذه الملحمة من جديد في 2024؟ يحتل هذا السؤال تفكير كثير من المستثمرين، لكنه متعلق بقطاع التكنولوجيا هذه المرة، لا القطاع المالي فقد قفزت القيمة السوقية لما يطلق عليه «السبعة الرائعون»، وهم «أبل» و«أمازون» و«ألفابيت» و«ميتا» و«مايكروسوفت» و«إنفيديا» و«تسلا»، 72 % العام الماضي، وسط حماس مفرط بشأن الابتكار التكنولوجي في العموم، والذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص.
وتشير تقديرات تورستن سلوك، من «أبوللو»، إلى تمتع هذه الشركات بقيمة سوقية تبلغ 12 تريليون دولار، ما يساوي البورصات الكندية والبريطانية واليابانية، مجتمعة.
وهذا يعني أيضاً أن قطاع تكنولوجيا المعلومات يشكل نحو 30 % من مؤشر «ستاندرد آند بورز»، أو 37 % إذا ما احتسبت قطاع خدمات الاتصالات المرتبط به على نحو وثيق.
ويعتقد بعض المستثمرين، أو يأمل، في استمرار هذا النمط غير المتوازن. وقد يحدث هذا، ففي نهاية المطاف، تصنع شركات التكنولوجيا، خلافاً للمصارف، منتجات ملموسة، بإمكانها دفع نمو الاقتصاد الحقيقي. لكن هذا المشهد ليس متطرفاً، بعد، مثلما كان إبان فقاعة «دوت كوم» في 2000، حينما احتل قطاع تكنولوجيا المعلومات 35 % من «ستاندرد آند بورز»، قبل انفجار الفقاعة.
وفي النهاية فإن ملاحظات شركة «آليانس برنستين»، وتركز السوق في السبعة الرائعين «شوه» انكشافات المؤشر. وإذا أدرجت هذه المجموعة فيما يعرف بمؤشر «راسل 1000»، الذي غالباً ما يستخدم لأغراض الصناديق المشتركة، فقد قفز بنسبة 23 % في 2023، ودونهم، فقد صعد بواقع 12 %، أي أن قطاع التكنولوجيا يهيمن على مؤشر «إس آند بي 500».
وبينما يفكر المستثمرون في انعدام التوازن القطاعي هذا، هناك نوع ثانٍ لهذا التركز طفا على السطح، لكنه لم يحز على الاهتمام البالغ ذاته، ويتعلق بملكية الأسهم.
وتفضل الأسطورة الوطنية تقديم الاقتصاد السياسي في الولايات المتحدة على أنه اقتصاد يستند إلى رأسمالية مساهمين ديمقراطية والأمر صحيح إلى حد ما، إذ يملك الشعب الأمريكي 61 % من الأسهم، وغالباً ما يكون هذا عن طريق خطط المعاش التقاعدي ويعد الوعي بالأسواق هناك أكبر مما هو في بلدان أخرى، مثل المملكة المتحدة.
لكن السر الخفي وراء هذه الأسطورة يكمن في أنه رغم شيوع الوصول إلى الأسهم، لكن ملكيتها تصبح أكثر تركزاً. وتشير تقديرات لين ألدين، الخبيرة الاستراتيجية، إلى استحواذ الأمريكيين الأكثر ثراءً وتبلغ نسبتهم 10 % على 77 % من أسهم الشركات والصناديق المشتركة منذ عقدين. أما الأفقر، وتبلغ نسبتهم 50 %، فقد سيطروا على 1 % فقط، ما ترك للطبقة المتوسطة إلى العليا 12 % فقط.
ومع ذلك، تستحوذ اليوم طبقة 10 % على 92.5 % من السوق، ما يعتبر «تركزاً مرتفعاً بشكل قياسي». وفي حين امتلكت زمرة 1 % الأكثر ثراءً ما يزيد قليلاً على 40 % منذ عقدين، لكن بلغت حصتهم من الملكية 54 % في آخر البيانات الصادرة 2022.
ويفيد استطلاع أجرته «كامدين ويلث» و«آر بي سي»، أن مخصصات محافظهم في الأسهم العامة وأسواق رأس المال الخاص سجلت 28.5 % و29.2 % العام الماضي على الترتيب، وكانت المرة الأولى التي تتخطى فيها الثانية، نسبة الأولى.
قد يعتبر المتهكمون هذا التركز بمثابة نتيجة حتمية لنموذج رأسمالية «الفائز يحصل على كل شيء»، أو كما يراه توماس بيكيتي، الخبير الاقتصادي، عالم يواصل فيه العائد على رأس المال تخطي النمو والأجور الحقيقيين.
ومن شأن متهكم غاضب، الإشارة إلى عدم اهتمام أي شخص بما إن كان هذا النمط يشير إلى أن الأمريكيين فاحشي الثراء سيتحملون عاقبة أي انهيار مستقبلي لأسهم التكنولوجيا، أو من حيث القيمة الإجمالية على الأقل ومن حيث القيمة النسبية، قد يشعر الأقل ثراءً بوطأة الأمر، بما أن خططهم للمعاشات التقاعدية تميل إلى التركيز على المؤشر، وبذلك فهي أقل تنوعاً وتمتعاً بالحماية مقارنة بمحافظ مكاتب العائلات.
لكن هذه التركيزات الآخذة في الازدياد تبرر إثارة جدل في المجال العام، بما أنها تتحدى الصورة التي تعكسها الولايات المتحدة عن نفسها، فيما يتعلق بالاقتصاد السياسي والديمقراطية المالية.
أشك في أن يحظى أي من هذا بالاهتمام في حملات الانتخابات الرئاسية 2024، حيث جو بايدن لا يعلق كثيراً على سوق الأسهم. لكنها مع ذلك يجب على الساسة طرح تساؤلات عن كيفية خلقهم سوق أسهم يشعر فيها الكثيرون وكأن لديهم الكثير من الخبرة في السوق أما المستثمرون، فيتعين عليهم مراقبة هذه الأسهم السبعة الكبرى.