أسفرت الانتعاشة القوية للتكنولوجيا في وول ستريت خلال 2023، عن عالم من السعداء والبؤساء، فقد تعافت كبرى شركات التكنولوجيا من غالبية، أو كل الخسائر الحادة التي منيت بها قبل عام، في حين شهدت مجموعة أكبر كثيراً من الشركات الأصغر تراجعاً للنمو، بعدما كانت تحظى أسهمها برواج شديد، فيما هي الآن يتم تداولها عند مستويات تقل كثيراً عن قيمتها. وتجلّى ذلك بوضوح أكبر في مجال صناعة البرمجيات السحابية.

وقد حلّقت القيمة السوقية لـ 70 شركة على مؤشر «بيسيمر» للشركات السحابية الناشئة، ومنها شركات مثل «أدوبي» و«سيلز فورس» و«زووم»، من تريليون دولار قبل الجائحة إلى 2.7 تريليون دولار في نوفمبر 2021.

وأدّى مزيج أسعار الفائدة شديدة الانخفاض، وقوة الطلب الرقمي، مع اضطرار العملاء إلى شراء البرمجيات والخدمات عبر الإنترنت، ليتمكنوا من مواصلة العمل إبان الجائحة، إلى قفزة شركات ما يُطلق عليه «البرمجيات بوصفها خدمة»، نحو مستويات شديدة الارتفاع.

وبالنسبة للبعض، كانت استفاقة ما بُعد نشوة الجائحة قاسية. فقد تخلّى المؤشر عن نحو ثلثي قيمته بنهاية 2022، قبل أن يعود بقفزة قاربت 40 % العام الماضي، مع انتعاش بعض من كبرى الشركات. لكن القيمة السوقية للقطاع ككل ما زالت تقل عن ذروتها بمقدار 1.1 تريليون دولار، وتركزت الخسائر بشدة بين الشركات الأصغر.

سلّط حدثان، مؤخراً، الضوء على الصعوبات التي تواجه هذه الشركات، التي كانت يوماً ما رائجة للغاية، مع سعيها الحثيث لخفض التكاليف، وإيجاد مصادر جديدة للإيرادات، في أعقاب طفرة الجائحة. فقد استقال جيف لوسون، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لدى «تويليو»، وهي خدمة اتصالات يربط بها مطورون آخرون تطبيقاتهم، بعد أشهر من ضغوط المستثمرين النشطاء.

وفي الوقت ذاته، أغلقت «كارتا»، وهي شركة خاصة تقدّم برمجيات لشركات التكنولوجيا الخاصة لتتبع قوائم المساهمين، جزءاً من أعمالها، بعدما تكشّف استخدام بيانات بعض عملائها على نحو غير سليم. وكانت تُستخدم بيانات المساهمين لإيجاد عملاء مُحتملين لمبيعات عملية الوساطة ذات الهوامش المرتفعة، وهي أعمال أغلقتها الشركة، تفادياً لظهور أي تضارب محتمل للمصالح.

وتتشارك مثل هذه الوقائع في أمر واحد على الأقل، وهو أن الضغوط لإيجاد مصادر أخرى للنمو كانت شديدة، مع بلوغ الأعمال الأساسية مرحلة النضج. ويمكن للشركات التي تتعثر في مساعيها توقع رد فعل قاسٍ من المستثمرين.

وكان من السهل، وقت الجائحة، تصديق أن أسواق الكثير من منتجات البرمجيات السحابية ستكون أكبر مما كان يُعتقد سابقاً. والدليل، ازدهار شركات ذات خدمات عالية الاستهداف، مثل «دوكيو ساين» لتوقيع العقود عن بُعد، أو «أوكتا» لإدارة الهوية. لكن تبيّن أن الطفرة كانت معتمدة، جزئياً، على مُشتريات رقمية تقدم موعدها لسبب ما، لكن الاقتصاد الأضعف، عزز من تباطؤ المبيعات.

لقد انهارت وتيرة النمو لدى «تويليو» من أكثر من 60 % في 2021، إلى ما يُقدّر بـ 7 % العام الماضي. وكانت الضغوط للتنويع شديدة للغاية، لكن محاولات «تويليو» للتغلب على شركات أقوى، مثل «سيلز فورس» و«أدوبي» قد أخفقت بوضوح، ما أدّى إلى دعوات بتخليها عن أعمالها الجديدة المتعلقة بالبيانات والتطبيقات. وفي الوقت نفسه، انتقلت «كارتا» إلى أعمال، يعترف رئيسها التنفيذي حالياً، بأنها أثارت تصوراً عن تعارضها مع مصالح عملائها.

لقد استغرق التجاوز عن عقلية «تحقيق النمو مهما كلّف الأمر» وقتاً، وهي التي نشأت عندما ركزت وول ستريت حصراً على توسيع الإيرادات. ومرت كل من «تويليو» و«كارتا» بثلاث جولات من خفض الوظائف في العامين الفائتين أو نحو ذلك.

لقد تحركت اتجاهات شراء التكنولوجيا ضد هذه الشركات. وقال توماش تونغوز، المستثمر في شركات برمجيات خاصة لدى «ثيوري فنتشرز»، إن كثيراً من العملاء هذه الأيام لم يعودوا مهتمين للغاية بالمنتجات المتخصصة أو «الأفضل في نوعها»، ويتطلعون، بدلاً من ذلك، إلى مجموعات برمجيات من بائعين أكبر. ويعكس ذلك تأرجحاً مألوفاً في صناعة البرمجيات، إذ تُفسح فترات الابتكار السريع مجالاً أمام حقب من الدمج والتوحيد.

حدث كل ذلك على خلفية تغيرت فيها دورة أسعار الفائدة، وأسفرت عن ضغوط شديدة على الإيرادات، ومكررات ربحية الأسهم سريعة النمو. وبذلك، تمثلت النتيجة في ضربة مزدوجة، فشركة «زووم»، التي قفزت إيراداتها بأربعة أضعاف في العام الأول من الجائحة، لم تحقق إلا نمواً يُقدّر بـ 3 % فقط خلال العام الماضي. وأدّى تلاشي النمو وأسعار الفائدة الأعلى إلى بلوغ قيمة المؤسسة 3 أضعاف إيراداتها الآجلة فقط، منخفضة من أكثر من 40 ضعفاً وقت ذروتها.