قبل أعياد الميلاد بوقت قليل، أجرت صحيفة فاينانشال تايمز مقابلة مع جيمس جورمان، المدير التنفيذي لبنك مورغان ستانلي آنذاك. كان جورمان لديه رأي عبّر عنه بوضوح: العِقد الماضي شهد نمواً هائلاً لمجموعات مثل مجموعته في وول ستريت، في حين تخلّف المنافسون الأوروبيون عن ركب ذلك النمو.
لكن في لفتة بدا حينها أنها نابعة من روح العطاء التي تشيع في الأعياد، أعرب عن تفاؤله بشأن مستقبل بنوك مثل، مثل «يو بي إس» و«دويتشه بنك» و«بنك باركليز». وقال: «لا أعتقد أنه في العقد المقبل ستكون الفجوة بهذا الحجم. وأرى أن هناك فرصاً للأوروبيين».
لا يوجد محرك أساسي واضح يدعم إعادة تقييم كهذا، فالصورة قاتمة بالنسبة للاقتصاد الأوروبي، وصافي هوامش الفائدة بلغ ذروته، ويتوقع على نطاق واسع أن يخفض البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا أسعار الفائدة في مرحلة ما خلال عام 2024. كذلك من المرجح ارتفاع الديون المعدومة، بسبب التأثير المتأخر لارتفاع أسعار الفائدة على المقترضين، خلال العام أو العامين الماضيين، سواء من الشركات أو الأفراد.
ومع ذلك، قد يكون هناك دافع تقني وجيه لرفع تقييمات البنوك الأوروبية، إذ يرى بعض المحللين أن عصراً جديداً من العوائد على رأس المال للمساهمين قد بزغ.
فبعد عقد من الزمن كانت فيه نسب مدفوعات البنوك الأمريكية، عمليات إعادة شراء الأسهم وتوزيعات الأرباح كنسبة مئوية من الأرباح، تتفوق على المنافسين الأوروبيين، بدأت الأرقام تبدو متماثلة للغاية، حسبما تشير «أوتونوموس ريسيرش»، والتي تقول إنه منذ عام 2021، تجاوزت النسبة التي وزعتها البنوك الأوروبية المستويات التاريخية البالغة نحو 40 في المئة، وقد تستقر الآن عند مستوى يقارب 80 في المئة.
وساعدت الأرباح القوية، إضافة إلى استعداد الجهات التنظيمية الأوروبية للسماح للمرة الأولى بتقليص عدد أسهم البنوك، في ارتفاع إجمالي الأرباح، وعمليات إعادة الشراء التي قامت بها البنوك الأوروبية إلى 121 مليار يورو في عام 2023، مقارنة بـ90 مليار يورو في 2021.
ويُتوقع أيضاً أن تظل الأرباح المستقبلية بشكل عام في حدود المتوسط التاريخي، لكن سيرتفع إجمالي التوزيعات من خلال عمليات إعادة شراء الأسهم، وهو تقليد شائع منذ فترة طويلة في الشركات الأمريكية، بفضل الإعفاءات الضريبية السخية.
وكانت عمليات إعادة شراء الأسهم تقليداً أقل شعبية في القطاع المصرفي الأوروبي لأسباب عدة، فالمستثمرون في أوروبا يفضلون أسهم الدخل، لذا كانوا يفضلون توزيعات الأرباح. ومنذ عام 2008، ركزت الجهات التنظيمية الأوروبية على التراكم المستقر لرأس المال، وبالتالي لم تتعاطف مع أي شيء يقوض هذا الاتجاه.
مع ذلك، أصبح المشرفون خلال العام الماضي أكثر استعداداً لتخفيف متطلبات الحقوق الخاصة. فقد شجعتهم الأحداث التي وقعت أوائل عام 2023، عندما أثبتت البنوك في منطقة اليورو والمملكة المتحدة مرونتها وقدرتها على الصمود في مواجهة الضغوط التي أدت إلى انهيار بنوك إقليمية في الولايات المتحدة وكريديه سويس في سويسرا. وبما أن مستويات رأس المال الحالية تعتبر كافية، أصبح من الممكن القيام بعمليات إعادة شراء الأسهم على نطاق واسع.
في الوقت نفسه، جعلت الأسعار المنخفضة للأسهم في العديد من القطاعات الأوروبية، خصوصاً في القطاع المصرفي، عمليات إعادة شراء الأسهم خياراً أكثر جاذبية بالنسبة للبنوك نفسها، خصوصاً في ظل غياب فرص واضحة للاستثمار والنمو كبديل.
يشير المحللون في بنك بيرنبرغ، إلى أن العائدات الإجمالية من توزيعات المساهمين يمكن أن تصل إلى ما بين 14 - 19 في المئة سنوياً في الفترة 2024 - 2025، وذلك حتى قبل أخذ جني مكاسب رأس المال في عين الاعتبار. وفي العام الماضي، سجل القطاع إجمالي عوائد للمساهمين بنسبة 28 في المئة.
ومن بين البنوك التي يجب مراقبتها هذا العام بنك «يو بي إس»، حيث يفترض أن تقفز التوزيعات بفضل مكاسب «ربح الفارق السلبي» الهائل، البالغ 29 مليار دولار، والتي تحققت من إنقاذ بنك كريدي سويس بسعر رخيص. وقامت شركة سيفيان كابيتال الناشطة في ستوكهولم مؤخراً باستثمار 1.2 مليار يورو في بنك «يو بي إس» على أمل أن يتضاعف سعر السهم خلال ثلاث إلى خمس سنوات.
ومن المقرر أن يواصل «يونيي كريديه»، صاحب الأداء المتميز العام الماضي من حيث انتعاش أسعار أسهمه، حملته لتحقيق أقصى قدر من العائدات. ويشير المحللون إلى أن بنوكاً مثل «آي إن جي»، و«إتش إس بي سي»، و«لويدز»، والبنوك الأيرلندية الكبرى أيضاً يمكن أن تقوم بدفع توزيعات ضخمة.
ولكي يزداد زخم إعادة تقييم الأسهم، يحتاج القطاع إلى جذب أكثر من مجرد صندوق تحوط سويدي غير تقليدي، وكسب ثقة مديري الأصول الأمريكيين الرئيسيين الذين أحبطهم أداء البنوك الأوروبية الضعيف ومفاجآت صُناع السياسات.
نحن لا نزال في الأسابيع الأولى القليلة من عام 2024، لكن البنوك الأوروبية قد تميل إلى الاعتقاد بأن نبوءة جورمان في ديسمبر قد بدأت تتحقق بالفعل.
ومنذ الأول من يناير، تفوقت جميع البنوك الأوروبية التي تم ذكرها على بنك مورغان ستانلي، ليس فقط لأن المجموعة التي يرأسها حققت نتائج مخيبة للآمال في الربع الرابع. وهكذا، إذا استطاعت البنوك الأوروبية الحفاظ على أرباح جيدة، وتحقيق توقعات المحللين بشأن الأرباح، وعمليات إعادة شراء الأسهم، فقد تُثبت في النهاية صحة ثقة جورمان.