هل تعلمنا شيئاً من الأزمة المالية الكبرى في عام 2008؟ أو من أي من الأزمات المصرفية التي حدثت قبل تلك الأزمة أو بعدها، وصولاً إلى انهيار بنك سيليكون فالي وغيره في العام الماضي؟ في بعض الأحيان أعتقد الإجابة: لا.

بالنسبة لي، الدرس الرئيسي هو أن الكثير من الديون والرافعة المالية، إلى جانب قلة رأس المال عالي الجودة، عادة ما تنتهي بشكل محزن. ومع ذلك، كما يظهر الضغط الهائل الذي تمارسه بنوك الولايات المتحدة لإحباط محاولة الاحتياطي الفيدرالي تطبيق قواعد اتفاقية بازل الثالثة، ما زلنا نتجادل حول الأساسيات التي تجعل النظام المالي أكثر أماناً.

ويقول مسؤولون تنفيذيون ومجموعات ضغط في الصناعة، كما يفعلون دائماً، إن الاحتفاظ بالمزيد من رأس المال في مواجهة المخاطر سيجعلهم أقل ربحية، وبالتالي يحد من الإقراض (على الرغم من وفرة الأدلة التي تشير إلى أن هذا لم يحدث حتى الآن). وأخيراً، يشكون من أن القواعد المقترحة حالياً معقدة للغاية.

فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، أوافق على أن 1087 صفحة عبارة عن كثير من النصوص، ما لا تقوله المؤسسات الكبيرة هو أن الضغوط التي تقوم بها مسؤولة جزئياً عن تلك التعقيدات، حيث دفعت من أجل إدخال تعديلات وتحوطات على القواعد، وهي أيضاً في أفضل وضع يسمح لها بالتنقل عبر الإطار التنظيمي، حيث ستجد جحافل المحامين لدى هذه المؤسسات حتماً الثغرات التي تمكنها من تحقيق الربح، لكن ذلك سيكلف الجميع المزيد في هذه العملية.

والحجج الأخرى لا تصمد، فقد انتقلت المخاطر إلى القطاع غير المصرفي الأقل تنظيماً بعد عام 2008، وهذه ليست حجة لتخفيف القيود التنظيمية في القطاع المصرفي الرسمي، خاصة مع ارتفاع مستويات الديون في كل من القطاعين العام والخاص نحو مستويات قياسية. إنها حجة لمزيد من تنظيم القطاع المصرفي الموازي. ونحن في احتياج إلى سباق نحو القمة، وليس القاع، إذا أردنا إنشاء نظام مالي أكثر أماناً.

والحجة الأكثر إثارة إزعاجاً بصراحة هي أن مطالبة البنوك الكبيرة بالاحتفاظ بالمزيد من رأس المال من شأنها إلحاق الضرر بالأفراد الأكثر ضعفاً، ما يؤثر على إقراض الرهن العقاري للأقليات، على سبيل المثال.

ولنبدأ بحقيقة أشارت إليها منظمة «أمريكيون من أجل الإصلاح المالي»، مفادها أن 70% من سوق الرهن العقاري (والأغلبية العظمى من القروض المقدمة للأقليات) مدعومة من الحكومة ولن تخضع للقواعد الجديدة. إضافة إلى ذلك، تقدم المؤسسات غير المصرفية قروضاً أكبر بكثير لأسر السود واللاتينيين، وإن كان ذلك برسوم أعلى (وهو موضوع يجب على الهيئات التنظيمية متابعته).

رغم ذلك، يتعرض نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي مايكل بار لضغوط هائلة للتخفيف من قواعد رأس المال للبنوك الكبرى، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن وول ستريت تمكنت من جمع مجموعة من الديمقراطيين الليبراليين، وجماعات العدالة العرقية الذين اقتنعوا بحجتهم.

إنه نهج ضغط ذكي وله سوابق تاريخية، ففي أواخر السبعينيات، سعى والتر ريستون، الرئيس التنفيذي لسيتي بنك، إلى إلغاء اللائحة «كيو»، وهي قاعدة مصرفية تعود إلى حقبة الكساد الاقتصادي، والتي حدّت من مقدار الفائدة التي يمكن للبنوك تقديمها للمودعين؛ لمنعهم من تحويل أموالهم إلى استثمارات محفوفة بالمخاطر لدفع تلك الودائع ذات العائد المرتفع.

إنه لم يضم إلى تحالفه المؤسسات المالية فحسب، بل أيضاً الناشط في مجال حماية المستهلك رالف نادر، إلى جانب «الفهود الرمادية»، وهي سلسلة من شبكات المناصرة متعددة الأجيال. ومن المفهوم أنهم أرادوا مساعدة صغار المدخرين، لكن في حين أدى إلغاء اللائحة «كيو» في النهاية إلى رفع أسعار الفائدة على الودائع، إلا أنه فتح أيضاً صندوق باندورا لمخاطر أسعار الفائدة.

وقد حققت البنوك أرباحاً أكبر، لكن هذه الخطوة لم تساعد عمال المصانع أو المعلمين ممن لديهم قروض عقارية لمدة 35 عاماً بمعدلات متقلبة، والذي يمكن أن يتحول مع الأمور بطرق لا يمكن التنبؤ بها.

لا أقصد هنا أننا يجب أن نعيد تطبيق اللوائح المصرفية لعصر الثلاثينيات بالجملة، بل يجب أن نتذكر الأساسيات، فالنظام المالي أفضل للناس العاديين عندما يكون بسيطاً على نحو ممل، ونحن نواصل الابتعاد عن هذا النموذج منذ السبعينيات، وهي مشكلة يصعب حلها.

عندما نكون في نهاية دورة اقتصادية كبرى، لا أحد يريد أن يفقد إمكانية الوصول إلى الأموال السهلة. على سبيل المثال، في الفترة التي سبقت عام 2008، كان هناك الكثير من التقدميين الذين يدعون إلى سياسة نقدية أكثر مرونة ومعايير إقراض أسهل للمقترضين الأضعف.

قد تكون نواياهم حسنة، ومع ذلك تكمن المشكلة، التي قام الباحثان الأكاديميان أمير صوفي وعاطف ميان بتحليلها في كتابهما الشهير «منزل الديون»، في أن هذا النهج يرقى إلى اللعب وفق قواعد لعبة لا تخدم أبداً الأشخاص الضعفاء.

والمزيد من الائتمان مفيد للتمويل، فالديون هي شريان الحياة لوول ستريت، لكن الأزمة المالية كانت «حدثاً يهدد بالانقراض» للثروة السوداء، كما قال عضو الكونغرس السابق براد ميلر ذات مرة. وعندما اندلعت أزمة الرهن العقاري عالية المخاطر، خسر المقترضون الأكثر ضعفاً بطريقتين: أولاً بتدمير هائل للثروة، وثانياً لأنهم، مثل جميع دافعي الضرائب، اضطروا إلى دفع فاتورة عملية التنظيف.

إن الأزمة القادمة، أياً كان وقت حدوثها، لن تشبه الأزمة الأخيرة، وهذه حجة أخرى تستخدمها البنوك لمقاومة قواعد بازل 3. ويحتمل أن يكون ذلك صحيحاً، لكن هذه ليست حجة للسماح بمزيد من المخاطر في النظام المالي الرسمي، بل بالأحرى حجة لتقليل المخاطر في أماكن أخرى. إنني أتفق مع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري، عندما يقول:

«بدلاً من التمادي في نظام معقد من القواعد للبنوك التي توفر وهم الاستقرار، ينبغي علينا تبني حل أبسط وأكثر فعالية: المزيد من رأس المال النقدي». دعونا نتوقف عن محاربة ما هو واضح، ولنركز على ضخ المزيد من رأس المال في نظام مالي أكثر بساطة.