الأمن لا بد له أن يستند إلى القوة، فالقوة تمنع الآخرين من إلحاق الأذى بك، وهي التي توسع خياراتك المتاحة، وأخيراً القوة هي التي تمكنك من إجبار الآخرين على حماية مصالحك الحيوية.

ومع ذلك فإن «القوة» هي كلمة تجد صعوبة في إيصال صوتها في مناقشات أوروبا المتكررة حول الأمن الاقتصادي.

في الأسبوع الماضي، نشرت المفوضية الأوروبية أحدث حزمة من تدابير الأمن الاقتصادي. وكانت جميعها خطوات في الاتجاه الصحيح: فحص أدق للاستثمارات الواردة والصادرة، والتحكم في الصادرات الحساسة، وزيادة تمويل البحوث المتعلقة بالتكنولوجيا ثنائية الاستخدام. وينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يكون قادراً على القيام بهذه الأمور بصورة جماعية.

، والتي دونها تظل الأولويات السياسية الأوروبية مجرد عنصر توازن في سياسات القوى العظمى العالمية، كما حدث عندما قررت الولايات المتحدة تقييد وصول الصين إلى أكثر آلات تصنيع أشباه الموصلات تقدماً، وأجبرت شركة إيه إس إم إل، الشركة الهولندية الرائدة عالمياً في إنتاج معدات الطباعة الحجرية الضوئية، لتحذو حذوها.

إن التحركات المتعلقة بسياسات الأمن الاقتصادي مدعاة للترحيب بكل تأكيد، إلا أنها تظل دون المستوى بكثير عما هو مطلوب، فالمقترحات الأخيرة لا توفر إجراءات ذات منحى عملي على مستوى الاتحاد الأوروبي: فهي غالباً تطلب من الدول الأعضاء بذل المزيد من الجهد والتشاور بشأن سياسات إضافية.

ولكن حتى عند امتلاك المزيد من الأدوات، ومن المؤكد أن هذا لا يمكن أن يحدث بسرعة كافية، فإنه لا يعني تبنّي سياسة متفق عليها حول ما يجب فعله وأي الأهداف الجيواقتصادية المحددة التي يجب تحقيقها.

لقد فضلت معظم دول الاتحاد الأوروبي أن ترى النظام العالمي متعدد الأطراف القائم على القواعد على هذا النحو تحديداً: نظام الرقابة على السلوك بطريقة سلمية. والسبب التاريخي هو أن هذه الطريقة هي التي تغلبت بها الدول الأوروبية على إرثها من الحروب. أما السبب الهيكلي فهو أن معظمها دول صغيرة، وحتى أكبرها تدرك مدى ضآلة مكانتها. قد مال الاتحاد الأوروبي للنظر إلى العالم على صورته الخاصة. فقد تأسس هذا الاتحاد كأوضح التجسيدات وأكثرها واقعية لنظام قائم على القواعد العابرة للحدود شهده العالم على الإطلاق.

لكن العالم ليس كالاتحاد الأوروبي، ويصبح أقل تشابهاً معه. ومن النبل الكفاح لعكس هذا الوضع بالتأكيد. ولكن إذا كان الخيار بين الهيمنة والخضوع، فماذا يفضل الأوروبيون؟ هذا هو السؤال لا يزال الأوربيون بعيدين جداً عن مواجهته.

وفي الحالات النادرة التي كان فيها الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء على استعداد لاتخاذ مواقف أكثر حزماً، من المفارقة أنهم كانوا يميلون إلى فعل ذلك ضد أعضاء الاتحاد المتمردين. فلم يكن هناك تردد في استخدام القوة الاقتصادية ضد ضحايا أزمة الديون في منطقة اليورو، حتى وصل الأمر لدرجة التخطيط لتغيير للحكومات في اليونان وإيطاليا.

ولدينا مثال جيد تقدمه التقارير التي تفيد بأن الاتحاد الأوروبي قد رسم سبلاً لتخريب الاقتصاد المجري بهدف التصدي لتعنّت فيكتور أوربان فيما يتعلق بدعم الاتحاد لأوكرانيا. لكن هذه أمثلة تؤكد القاعدة.

ويمكن قول الشيء نفسه عن خطاب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين في مارس الماضي، والذي كان حازماً على نحو غير عادي، حول نوايا الصين الجريئة تجاه السياسة الاقتصادية، فتحديد أهداف الآخرين المعادية شرط ضروري لمقاوماتها. لكنه ليس كافياً، فالإجراءات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي ليست على المستوى الذي ينبغي أن تَستَتَبعه تحذيرات فون دير لين.

ولنأخذ العقوبات، فهي أقرب ما وصل إليه الاتحاد الأوروبي كسياسة أمن اقتصادي فعالة. ففي عام 2022، كان اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية سبباً قوياً لجعل سياسة العقوبات ذات قوة ووحدة غير مسبوقتين، في تناقض مرغوب مع العقوبات غير الفعالة التي فُرضت بعد الحرب الروسية الأوكرانية الأولى في عام 2014.

لكن على عكس الولايات المتحدة، يُظهر الاتحاد الأوروبي تردداً شديداً في استخدام القوة لفرض عقوباته خارج حدوده الإقليمية وإطلاق العنان لقوته الاقتصادية أمام الشركات التي تنتهك العقوبات من الدول الأخرى.

وتعتني الحكومات بمصالح شركاتها، ما يترك الأمن الجماعي ضحية لمأساة جيوسياسية مشتركة.

والتحفظ ذاته ينطبق على استخدام القوة على احتياطات روسيا من النقد الأجنبي، التي تزيد قيمتها على 200 مليار يورو، المجمدة في الولايات القضائية بالاتحاد الأوروبي. ويمكن النقاش بشأن حكمة مصادرة هذه الأصول لتمويل إعادة إعمار أوكرانيا.

ومع ذلك، فأغلب النظام السياسي في الاتحاد الأوروبي سعى لوضع هذه القضية خارج نطاق الخيارات المشروعة تماماً، من خلال التمسك بأكثر التحليلات القانونية المتاحة تحفظاً، وتحويل الاهتمام السياسي إلى ما إذا كان يجب فرض ضرائب على الأرباح غير المتوقعة للمؤسسات الكائنة في الاتحاد الأوروبي من إدارة حيازات الدولة الروسية.

والنتيجة هي تجنب السؤال الحقيقي حول القوة الاقتصادية: هل استخدام أوروبا لقوتها المالية في إجبار روسيا بالالتزام بالتعويض عن الدمار الذي ألحقته بأوكرانيا يصب في مصلحتها؟

سيناقش الاتحاد العديد من الأسئلة المماثلة بنشاط وهو مهيأ عقلياً وسياسياً لوضع سياسة أمن اقتصادي متكاملة. وبخلاف مسألة تجاوز السلطة للحدود الإقليمية وأدوات الاقتصاد القسرية، فسينظر الاتحاد الأوروبي إلى الاقتصاد الكلي كأداة قوة.

يمكن أن يتحول من فوائض الصادرات الهيكلية، والاعتماد المترتب عليها، إلى استثمارات محلية أكبر. أو يمكن أن يربط وبشكل وثيق مناقشة قواعد الميزانية مع الحاجة إلى المزيد من الإنفاق المتعلق بالأمن.

وهذا ما سيجعل النقاشات تتطرق إلى التوسع، وإصلاح المعاهدات، والميزانيات المشتركة والمجتمع السياسي الأوروبي تحت مظلة أمنية مباشرة، ويسعى لطُرق يؤدي من خلالها كل هذا إلى استغلال جاذبية سوق الاتحاد الأوروبي، لجذب المزيد من الدول إلى المدار الأوروبي، بعيداً من تأثير الصين، أو حتى الولايات المتحدة التي باتت غير موثوقة بشكل متزايد.

الجاهزية لاستخدام القوة الاقتصادية: هذه كلمات مزعجة بالنظر إلى تاريخ أوروبا، إلا أنها ضرورية. إذا حدث ذلك دون تجاهل مُثُل أوروبا متعددة الأطراف، فسيكون هذا مفيداً للعالم أيضاً.