اشتهرت مدينة ووهان منذ أوائل 2020 بأنها مهد جائحة فيروس «كوفيد 19»، لكن المدينة الصينية المهمة ربما تكون حالياً على أعتاب الحصول على اهتمام عالمي خاص لسبب مختلف، وهو التفاخر بأكبر أسطول سيارات ذاتية القيادة في العالم.

تبرز «ووهان» كمركز رئيسي لاختبار التكنولوجيات الناشئة، والبنية التحتية الحيوية، والمشهد التنظيمي، الذي تقوم عليه القيادة الذاتية في الصين.

ويشكل التقدم، الذي حققته الشركات الصينية والمشرعون في بكين تحدياً جديداً للغرب، الذي يتخلف بالفعل عن ركب الصين في تطوير السيارات الكهربائية، وفقاً لمحللين، وتكسب الصين الآن مزيداً من الأرض عبر جهودها في القيادة الذاتية.

وبدأت الصين التطوير التجاري للسيارات ذاتية القيادة في 2013، أي بعد نحو 5 أعوام من مجموعة الشركات الأمريكية، لكن اعتباراً من سبتمبر الماضي قطعت المركبات ذاتية القيادة في الصين إجمالي 70 مليون كيلومتراً، لتكون على قدم المساواة مع أمريكا، بحسب بيانات «باين».

وفي ووهان قام 500 تاكسي ذاتي القيادة بــ730 ألف رحلة العام الماضي، ويدير معظمها «بايدو» المنافس الصيني لـ«جوجل»، مقارنة مع 700 ألف رحلة مماثلة بمدن فينكس وسان فرانسيسكو ولوس أنجليس، بحسب بيانات «وايمو»، وهي مطورة للسيارات ذاتية القيادة لصالح «ألفابيت»، الشركة الأم لـ«جوجل».

وأفصحت «وايمو» لـ«فايننشال تايمز» أن لديها عدة مئات من السيارات موزعة على هذه المدن.

وسلطت الأضواء على سلامة المركبات ذاتية القيادة أوائل أكتوبر الفائت، حينما صدمت سيارة أجرة آلية تابعة لـ«كروز»، قسم القيادة الذاتية في «جنرال موتورز»، أحد المارة، ثم سحبته مسافة 20 قدماً عبر شارع سان فرانسيسكو.

أوقفت «جنرال موتورز» أنشطة القسم، فيما تحقق الجهات التنظيمية في القضية، وتناقش تصريحات الشركة السابقة حول قيود التكنولوجيا الخاصة بها، وكذلك طريقة تعاملها مع الحادث.

وفي الصين كشف مشروع ووهان لسيارات الأجرة الآلية عن استمرار التحفظ بشأن المخاوف المتعلقة بالسلامة.

روجت «بايدو» لـ«مركبات ذاتية القيادة بالكامل»، وقالت خلال مرحلة التجارب إنه لم تقع حوادث بالغة، لكن زيارة قامت بها «فايننشال تايمز» لمركز القيادة الذاتية التابع للمجموعة في بكين بشهر يونيو الماضي، كشف خضوع كل سيارة أجرة آلية إلى مراقبة بشرية من شخص يجلس داخل محطة قيادة تشبه صالات الألعاب، على أهبة الاستعداد للتدخل، حيث طالب المنظمون بمسألة المراقبة عن بعد.

ورفضت «وايمو» إعطاء رقم محدد لعدد الأشخاص الذين يراقبون كل سيارة عن بعد، وأكدت المجموعة الأمريكية أن سياراتها ذاتية القيادة بالكامل «مسؤولة عن اتخاذ كل قرار على الطريق، ولا تعتمد على سائق بشري، سواء داخل السيارة أو عن بعد».

وبغض الطرف عن ووهان أسست «بايدو» وحفنة من المنافسين المحليين، بما في ذلك «بوني دوت إيه آي» و«أوتو إكس»، مناطق اختبار في مدن عبر الصين.

ولدى العديد من مطوري السيارات الكهربائية في البلاد، بما في ذلك «بي واي دي»، الأكبر عالمياً من حيث المبيعات، فرق داخلية، تعمل على تطوير أنظمة مساعدة متطورة للسائقين، ما يبشر بالقيادة الذاتية تماماً.

وقال تيو لي، مؤسس «ساينو أوتو إنسايتس»، إن الولايات المتحدة ما زالت تتفوق على الصين في عدة تقنيات عديدة تدعم المجالات الرئيسية للقيادة الذاتية، بما في ذلك تعلم الآلة والمستشعرات».

رغم ذلك ووفقاً لتسانغ من «باين» يعكس حجم التجارب التجارية أن الصين تتجه نحو «نقطة تحوّل» قرب عام 2027، قبل أن تصبح التقنيات الرئيسية قابلة للتطبيق على نطاق تجاري واسع.

تتوقع «باين» إطاراً زمنياً مماثلاً لاكتمال الإطار القانوني للمسؤولية والتأمين، وتحسين البنية التحتية المصاحبة للطرق والاتصالات.

ويدعم ثقة هذه الصناعة في الصين قدرة الشركات على الاستفادة من شبكات المدن من الكاميرات على جانب الطريق وإشارات المرور، وغيرها من البنى التحتية داخل المدن، فضلاً عن التغطية واسعة النطاق لشبكات الجيل الخامس، ورسم الخرائط الرقمية.

وأشار خبراء إلى أن هذه الشبكات تمنح مطوري السيارات ذاتية القيادة ميزة استثنائية مقارنة بدول أخرى.

وقال تشانغ من جامعة «تسينغهوا»، إن الشركات المستفيدة من المعدات والبرمجيات الصينية الموجودة بالفعل، أو ما يسمى بـ«الاستخبارات على مستوى الطرق»، ستخفض التكاليف وتسريع نشر التكنولوجيا، والأكثر أهمية أنها ستجعل الطرق أكثر أمانا.

أضاف تشانغ: «ربما تكون الصين متقدمة على العالم في هذا الصدد»، منوهاً بأنه فيما يتعلق تعلم الآلة للقيادة الآمنة بالبيانات، ويؤدي توفر مزيد من البيانات إلى اتخاذ قرارات أفضل.

وكشفت استطلاع أجرته «ماكنزي» لآراء المديرين التنفيذيين بقطاع المركبات ذاتية القيادة، نشرت نتائجه الشهر الماضي عن صناعة في حالة تغير مستمر، وتم تمديد التوقعات بتطوير سيارات أجرة ذاتية القيادة مجدية تجارياً، بنحو عامين، إلى نحو 2030.

وثمة حاجة في كل من الولايات المتحدة والصين لاستثمارات إضافية بمليارات الدولارات، معظمها على خوارزميات التنبؤ وبرمجيات الإدراك، قبل أن تثبت الصناعة أنها تقنية آمنة.

وأظهر استطلاع لـ«ماكنزي» عن الموضوع نفسه في 2021 ترجيح نحو 60 % من المسؤولين التنفيذيين في الصناعة، تفوق أمريكا الشمالية على الصين في تطوير تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة، لكن المستجيبين «منقسمون بالتساوي» حالياً بين الاثنين.

وذكر محللو «ماكنزي»: «هذا دليل على تقدم الصين المدفوع بعوامل، مثل قوة الدعم الحكومي، وازدياد الاستثمارات في البحوث وتوافر البيانات، وسلوك انفتاحي من المستهلكين على تقبل التكنولوجيا الجديدة».