وفقاً للإحصاءات الرسمية، نما الاقتصاد الصيني 5.4 % العام الماضي، لكن بالنسبة لكثيرين في قطاع الأعمال، ربما لم يبدُ الأمر كذلك، نظراً للأدلة التي يمكن رؤيتها في شوارع بكين، وغيرها من المدن الكبرى. فلم تكن المطاعم مزدحمة، وكانت المحلات التجارية شاغرة، وانتشرت تقارير عن انخفاض أسعار العقارات، بما يتجاوز الأرقام الرسمية المعلنة.
وفي ديسمبر الفائت، قالت مجموعة روديوم للأبحاث، إن معظم المؤشرات الاقتصادية خلال عام 2023، تشير إلى أن النمو الفعلي كان قرابة 1.5 %. وأشارت إلى أنه كانت هناك جوانب إيجابية، مثل إنتاج السيارات الكهربائية، لكن هذه الجوانب لا يمكن أن تعوض الضعف العام.
وبالنسبة للشركات، أصبحت الفجوة بين هذه التقديرات والبيانات الرسمية حول مدى سرعة نمو ثاني أكبر اقتصاد عالمي هذا العام وفي المستقبل، مسألة مهمة لخطط التوسع العالمية. لكن استطلاعاً سنوياً تجريه غرفة التجارة الأمريكية في الصين لأعضائها، خلص إلى أن نحو نصفهم كانوا يخططون لزيادة استثماراتهم في البلاد هذا العام، ويمثل ذلك زيادة طفيفة عن العام الماضي. وبالنسبة لما يربو قليلاً على ربع هذه المجموعة، كانت توقعات سرعة النمو الاقتصادي في عام 2024 عاملاً مهماً.
ومع ذلك، باتت مسألة قياس هذا النمو مُسيسة على نحو متزايد، إذ تسعى بكين إلى توجيه الحديث بعيداً عن الانتقادات التي تشير إلى أن نموذج نموها يعتمد بشكل مفرط على الاستثمار الذي تديره الدولة، عوضاً عن الاستهلاك.
وفي تقريره السنوي الخاص بالصين، الذي صدر منذ أيام، قال صندوق النقد الدولي، إن تعافي البلاد بعد الوباء خلال العام الماضي كان «ضعيفاً»، مع تأثير قطاع العقارات، وضعف الصادرات والاستثمار على النمو. وتوقع الصندوق تباطؤ النمو خلال العام الجاري، ما أثار ردود فعل غاضبة من المسؤولين الصينيين.
وقال بيان صادر عن المدير التنفيذي لشؤون الصين لدى صندوق النقد الدولي، تشنغشين تشانغ، تم إرفاقه مع تقرير صندوق النقد الدولي، إنه يتعين على موظفي صندوق النقد الدولي، تقديم «توقعات أكثر ملاءمة»، لمساعدة الصين على ترسيخ الثقة في الداخل والخارج. إذن، من هو المحق؟ وحتى عند نسبة 5.2 % على أساس سنوي، كان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الرسمي في بكين لعام 2023، هو الأدنى منذ عقود، باستثناء سنوات تفشي الوباء في 2020 و2022، لكنه يبقى كبيراً بالنسبة لاقتصاد يتمتع بثقل وخبرة مثل الاقتصاد الصيني.
ومع ذلك، تكمن المشكلة بالنسبة للصين، في أنه كان متوقعاً أن يكون الانتعاش أقوى بدءاً من عام 2022، وهو العام الذي أثرت فيه عمليات الإغلاق بسبب جائحة «كورونا»، وقيود السفر الصارمة على قطاعات الخدمات وسلاسل التوريد، وتفاقم تباطؤ قطاع العقارات. ورغم أن النمو كان قوياً في الربع الأول من عام 2023، إلا أنه تطلّب دعماً متزايداً من الحكومة مع مرور العام.
وشكل الاستهلاك أغلب النمو في عام 2023، بفضل إطلاق الطلب المكبوت بسبب عمليات الإغلاق. ومع ذلك، قال صندوق النقد الدولي، إن ثقة المستهلك بقيت أدنى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة، حتى نهاية العام.
وتشير التقديرات إلى أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر تراجع -أيضاً- بدءاً من عام 2022. وانعكس انخفاض ثقة الشركات والسوق على الأسواق المالية، حيث خسر مؤشر سوق الأسهم الصيني «سي إس آي 300»، نحو 5.5 % هذا العام، ما زاد من حدة الانخفاضات التي شهدها عام 2023، وبذلك يكون المؤشر قد انخفض 45 % عن أعلى مستوياته في 2021.
وأظهرت استطلاع غرفة التجارة الأمريكية في الصين، أنه رغم تحسن ربحية أعضائها منذ عام 2022، فإن معظم الشركات كانت عند نقطة تعادل، أو تكبدت خسائر، ما يشير إلى نمو ضعيف.
وتصر بكين على أن الأمور تسير وفقاً للخطة. وكما يعتقد بعض خبراء الاقتصاد، فإنه عند حساب نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من البيانات الرسمية، فإن بكين قادرة على تعديل معامل الانكماش، وهو أشمل مقياس للأسعار في الاقتصاد، لتحقيق أهدافها. وكتبت أكسفورد إيكونوميكس في شهر ديسمبر: «تشير بعض التقديرات إلى أن البيانات الصينية الرسمية، تبالغ في تقدير ناتجها المحلي الإجمالي بنحو 20 %».
وبالنسبة لعام 2024، يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 4.6 %، وبنحو 3.5 % بحلول عام 2028، بسبب «ضعف الإنتاجية والتقدم في السن». وتتوافق هذه التوقعات عموماً مع توقعات السوق. من جانبها، تتوقع أكسفورد إيكونوميكس انخفاض النمو إلى نحو 3.5 % بحلول عام 2030، وإلى 2 % فقط بحلول عام 2040، ما قد يؤخر مدة التقارب الاقتصادي للصين مع الولايات المتحدة من حيث الحجم.
وقال تشانغ بأن البلاد لا تزال تمتلك العديد من محركات النمو، فرغم ظاهرة شيخوخة السكان، لكنهم أوفر تعليماً، كما أن فرص نمو التوسع الحضري أكبر، ناهيك عن استثمار بكين في العلوم والتكنولوجيا. وأكد تشانغ أن «الصين ستظل المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي». وتأمل الكثير من مجالس إدارة الشركات حول العالم أن يكون محقاً.