يتسابق أرباب العمل البريطانيون على تقديم طلبات التأشيرة للعمالة الماهرة، قبل بدء تطبيق التغييرات التي أدخلتها حكومة ريشي سوناك على قواعد الهجرة، والتي ستزيد كثيراً من تكاليف التوظيف من خارج البلاد.
وكشف محامون متخصصون في قضايا الهجرة، عن سحب بعض العملاء بالفعل لعروض توظيف، لأنهم كان سيتعين عليهم دفع أجور أعلى كثيراً للمُعيّنين بتأشيرات العمالة الماهرة، اعتباراً من أبريل المقبل. ويأتي هذا ليضاف إلى زيادة كبيرة دخلت حيز التنفيذ هذا الأسبوع، في رسوم استخدام الموظفين من خارج البلاد لنظام الخدمة الصحية الوطنية.
من جانبها، قدّمت شركات أخرى مواعيد خططها للتوظيف، وجددت تأشيرات موظفيها الحاليين قبيل التاريخ المحدد، في محاولة لتأمين وضعها قبل ازدياد التكاليف. وفي الوقت نفسه، تعزز وزارة الداخلية من إجراءات فحصها لأرباب العمل، وسط جهود ترمي إلى مواجهة الاحتيال في التأشيرات وانتهاكات العمل.
وقال محامون إن التغييرات، وهي جزء من إصلاحات حكومية، تهدف إلى خفض تدفقات الهجرة الواردة بمقدار 300,000 سنوياً، قبيل الانتخابات المقبلة، وهو ما أسفر عن تراكم للطلبات ومعارك يومية لتأمين المساحات القليلة المتاحة للمعالجة السريعة للطلبات.
وقال نيكولاس رولاسون رئيس قسم هجرة الأعمال لدى مكتب كينغسلي نابلي للمحاماة: «ثمة خطى حثيثة متسارعة لتأمين الطلبات في اللحظات الأخيرة».
من جهتها، نفت وزارة الداخلية وجود أي تأخير، وقالت: «تُنجَز كافة طلبات شهادات الكفالة، التي تستوفي المتطلبات الحكومية، ضمن الجداول الزمنية المُعلنة للخدمة». ومع ذلك، أكدت شيتال باتيل رئيسة قسم الهجرة لدى «بيتس ويلز»، أعلى أن أرباب الأعمال في «ذعر»، مع نفاد الوقت للتوظيف، بموجب الرواتب الحالية، وتضمين شروط في العقود، بحيث يمكنهم استرداد رسوم التأشيرة إذا ما ترك الموظفون أعمالهم في وقت مبكر.
لكن عدم اليقين بشأن تفاصيل القواعد الجديدة، عزز من مخاوف الأعمال. وصرّح جيمس كليفرلي وزير الداخلية، في ديسمبر الماضي، بأن الحد الأدنى للأجور الأساسية للعمالة الماهرة سيرتفع من 26,200 جنيه إسترليني، إلى 38,700 إسترليني، اعتباراً من أبريل، بيد أن الزيادة قد تضر بأرباب العمل في قطاعات، مثل الضيافة والتصنيع، ممن يستخدمون النظام لملء الوظائف الشاغرة، التي تتراوح بين الطهاة إلى عمال اللحام.
وعلّق بن شلدريك الشريك الإداري لدى «ماغراث شلدريك» قائلاً: «نشهد تداعيات ما يحدث، فالناس يفقدون الوظائف»، مستشهداً بأحد العملاء، والذي اضطر للتخلي عن خطط لتوظيف متخصص في المجوهرات من الهند، وآخرين ممن كانوا يفكرون في توظيف خريجين.
وبالنسبة للمهن الأعلى أجراً، سيزداد الحد الأدنى للرواتب على نحو أكثر حدة. وفي الوقت الراهن، تنشر وزارة الداخلية «حدوداً للرواتب» لكل وظيفة مؤهلة للحصول على تأشيرة العمالة الماهرة. ويتعين على أرباب الأعمال التوافق مع الرقم المحدد، إذا كان أعلى من الحد البالغ 26,200 جنيه إسترليني. كما تعتزم وزارة الداخلية لمضاهاة الرواتب مع متوسط دخل الوظائف بدوام كامل لكل وظيفة «ردعاً لأرباب الأعمال عن الإفراط في الاعتماد على الهجرة».
كما تُجري الوزارة مراجعة لـ «قائمة الوظائف الناقصة» الخاصة بالوظائف التي يكون مسموحاً فيها لأرباب الأعمال بدفع أجور أقل بنسبة 20 % من تسعير الرواتب المُعتاد، التي سيُعاد تسميتها بـ «قائمة رواتب المهاجرين».
وأفاد محامون بأن القواعد الجديدة في عدة حالات، ستكون مقيّدة لنظام التأشيرات فعلياً، بحيث يكون قاصراً على الشركات التي تدفع أجوراً مرتفعة، وكبار الموظفين في لندن، على حساب الشركات الإقليمية والناشئة، والخريجين الجدد. وأشارت ناعومي هانران سور الشريكة لدى «لويس سيلكين»، إلى الصعوبات التي تواجه أحد مسؤولي التوظيف في إيرلندا الشمالية في محاولة ملء 100 وظيفة هندسية شاغرة. وتابعت: «تتعلق هذه الوظائف بمشروعات كبيرة، لكنها لا تلبي الحدود الدنيا الجديدة للرواتب، لكونها إقليمية».
وقال نيكولاس رولاسون إن زيادة الحد الأدنى لرواتب المبرمجين بأكثر من 40 %، ستكون «مشكلة» بالنسبة للشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا، في ظل بيئة تمويل أكثر صرامة. وأضاف: «سيتوفر لديهم قدر أقل من المرونة... إذا حاولوا توسيع مجال التمويل عن طريق خفض راتب شخص ما يملك أسهماً في الشركة».
كما ستسفر هذه التغييرات عن معضلة حادة لشركات الخدمات المهنية، التي توظّف أعداداً كبيرة من الطلاب الدوليين من جامعات المملكة المتحدة، حيث يمكن للطلاب الأجانب العمل في بريطانيا من خلال تأشيرة الدراسات العليا، وبراتب يقل بنسبة 20 % عن الحد الأدنى المُعتاد لتأشيرات العمالة الماهرة حتى سن 26 عاماً. لكن حتى وإن أبقت وزارة الداخلية على هذا الخصم، سيضطر أرباب الأعمال مستقبلاً إلى دفع رواتب أعلى لهم، مقارنة بنظرائهم البريطانيين، بعد قضاء أعوام قليلة في الوظيفة.
وتُعد هذه مشكلة، حتى في قطاعات مثل المحاسبة والاستشارات، حيث تقل الرواتب المبدئية كثيراً عن المبالغ المجزية التي تدفعها كبرى الشركات العالمية. كما أنها يمكن أن تغيّر الأوضاع بمهن، مثل الهندسة المعمارية، حيث عادة ما تجتذب الشركات التي تتخذ من لندن مقراً لها، العاملين من جميع أنحاء العالم، وتبيع خدماتها في الأسواق الدولية. ووصف ستيفن درو، مسؤول التوظيف ومؤسس موقع «أركيتكتشر سوشيال» للوظائف، الأمر، بأنه «سيكون فاشلاً».
وأوضح درو أن المهندس المعماري المساعد، الذي درس طيلة خمسة أعوام، لكن لم يكن مؤهلاً بعد، قد يكسب نحو 30,000 إسترليني في لندن، وهو ما يتخطى حد الرواتب الحالي للحصول على تأشيرة، لكنه يقل عن المستوى الجديد المُحتمل. وحتى المهندسين المعماريين ذوي الخبرة الذين يأتون إلى المملكة المتحدة، ويتقاضون رواتب منخفضة في بادئ الأمر، لكنهم يحصلون على اعتماد محلي.
وقالت كارين فيليبس مديرة الموارد البشرية لدى «بيلدنغ ديزاين بارتنرشيب»، وهي شركة تتخذ من لندن مقراً لها، وتمتلك 10 استوديوهات حول العالم، إن الطبيعة العالمية للقوى العاملة، جلبت «تنوعاً للفكر في التصميم»، وكذلك مهارات لغوية وفنية.
أما أووليفر لوري الشريك المؤسس لشركة «أكرويد لوري»، التي وظفت مهندسين معماريين اثنين بتأشيرات عمالة ماهرة في العام الماضي، فقد شكك في مزايا سياسة لن تخفض صافي الهجرة إلا بمقدار 15,000 شخص سنوياً، حسب تقديرات وزارة الداخلية، حيث سيؤثّر هذا بالكاد في صافي الهجرة الإجمالي، الذي بلغ 672,000 بالعام المنتهي في يونيو، لكنه مع ذلك يساوي قرابة ربع تأشيرات العمالة الماهرة الصادرة في العام الماضي، خارج قطاعي الصحة والرعاية. وأضاف لوري: «لندن واحدة من عواصم التصميم العالمية... فنحن جاذبون للمواهب»، وأسهب: «نحن نصدّر المهارات، وتشكّل أفضل الممارسات ثلث الإيرادات من الخارج. إن النظام البيئي الحالي جيد، لذلك، لا أرى جدوى من عرقلة الأمور».