ما عدد الأشخاص الذين تعتقد أنهم سيكونون على استعداد للتخلي عن 1 % من دخلهم الأسري كل شهر لمكافحة الاحتباس الحراري؟
هل تعلم أن هذه النسبة ليست 20 % أو 40 % من سكان العالم، بل تصل إلى 69 %، وفقاً لدراسة مذهلة أجراها أربعة خبراء اقتصاديين أوروبيين نُشرت الأسبوع الماضي. أقول «مذهلة» لأن التحليل الذي شمل 130 ألف شخص في 125 دولة يظهر أيضاً أن معظمهم ليس لديهم أدنى فكرة عن أن النسبة تصل إلى 69 %، في المتوسط، بل يعتقدون أن النسبة بحدود 43 %. علاوة على ذلك، يرغب 89% منهم في أن تقوم الحكومات ببذل المزيد من الجهود لمكافحة الاحتباس الحراري.
وعلى حد تعبير تيودورا بونيفا، المشاركة في تأليف الدراسة: «تريد معظم شعوب العالم مكافحة تغير المناخ، لكن هذه الأغلبية تعتقد أنها الأقلية. من الضروري هنا أن نتوقف عند أهمية هذا التصور الخاطئ، فمن غير المرجح أن يتصرف الناس لصالح الصالح العام إذا كانوا يعتقدون أن الجميع يتصرفون بأنانية، وكما تقول بونيفا: «ستتساءل لماذا يجب أن تكون أنت الأحمق الوحيد الذي يتوقف عن السفر جواً إلى مايوركا».
أدرك أنه من الأسهل بكثير أن تخبر أحد الباحثين أنك تهتم بالمناخ بدلاً من شراء سيارة كهربائية، لكن هذه الدراسة التي خضعت لمراجعة النظراء لا تزال مثالاً مرحباً به على المعرفة اللازمة لمعالجة واحدة من أصعب أسئلة السياسة المناخية اليوم: هل يمكن خفض انبعاثات الكربون في ظل تصاعد عدم المساواة والشعبوية التي تغذي نبرة العداء ضد التحول الأخضر؟ تبدو الإجابة صعبة في بداية عام انتخابي هائل، حيث من المقرر أن يدلي نحو نصف سكان العالم البالغين بأصواتهم.
وقبل انتخابات الاتحاد الأوروبي المقرر إجراؤها في يونيو، دفع غضب الناخبين، الزعماء من بروكسل إلى برلين إلى تخفيف الإجراءات الرامية إلى خفض الانبعاثات من المزارع والتدفئة المنزلية وغير ذلك. من ناحية أخرى، من الممكن أن يكون الرئيس الأمريكي القادم هو دونالد ترامب، الذي هاجم بشدة «البيئيين المجانين».
ويواجه الناخبون البريطانيون حكومة محافظة قلصت مراراً وتكراراً أهداف الحياد الكربوني، ومعارضة عمالية خفضت الأسبوع الماضي خطة إنفاق خضراء مميزة بقيمة 28 مليار جنيه إسترليني، في اليوم نفسه الذي أكد فيه العلماء أن الاحتباس الحراري قد دخل منطقة جديدة بعد تجاوزه 1.5 درجة مئوية خلال الـ12 شهراً الماضية.
إذن، لا عجب إذا كان الناخبون المعنيون بالمناخ يعتقدون أنهم أقلية كبيرة، ومع ذلك تشير الأبحاث العالمية إلى خلاف ذلك. وعلى سبيل المثال، يعتقد البريطانيون أنهم يعيشون في بلد حيث يمكن أن يخصص 37 % فقط من السكان 1 % من دخلهم لمكافحة المناخ، لكن الدراسة تشير إلى أن الرقم الحقيقي هو 48 %، فيما تزداد فجوة الإدراك هذه في الولايات المتحدة.
وهناك موقع على الإنترنت يمكنك من خلاله أن ترى موقع بلدك في هذا السياق. وتعد كل من الورقة البحثية والموقع الإلكتروني مثالين لطرق ذكية لإيصال رسالة عامة في وقت يتسابق فيه القادة اليمينيون المتطرفون ليجادلوا بأن تغير المناخ هو فقط مصدر قلق مبالغ فيه للنخب الحضرية المتميزة.
واليمين المتطرف ليس وحده، فقد يدافع السياسيون عن الوظائف الخضراء الموثوقة ذات الأجور الجيدة، لكن التقارير الإخبارية في الولايات المتحدة تشير إلى أن الواقع قد يبدو أقرب إلى ساعات العمل الطويلة والأجر المتوسط الذي يتقاضاه سائق «أوبر».
وهذه التقارير يحتويها كتاب حديث لاذع بعنوان «إلى أين ذهب جميع الديمقراطيين؟»، من تأليف جون جوديس وروي تيكسييرا، وهما محللان سياسيان أمريكيان ذوا ميول يسارية. وهما يعتقدان أن الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة خسر تأييداً مهماً من الطبقة العاملة باعتبارها «حزب ظل» من المتطرفين الثقافيين الذين دفعوا باتجاه سياسات متطرفة بشأن العرق، والهجرة، والجنس والمناخ.
وإذ يعربان عن يأسهما من «العداء المتعصب» التي يبديه الراديكاليون المناخيون تجاه الوقود الأحفوري، يدعو المؤلفان إلى اتباع نهج وسطي أكثر تدرجاً لمواجهة مشكلة المناخ التي يقولان إنها «لا يمكن حلها إلا على مدى عقود». لكن من المؤسف أن العلم يظهر أن الحكومات ظلت مترددة لفترة طويلة بالفعل، وهذا يعني أن التدابير المناخية العادلة والمصممة بعناية والمعلن عنها أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى.
لكن لحسن الحظ، بدأت مثل هذه الإجراءات في الظهور. وعلى سبيل المثال، صُمم قانون خفض التضخم الأمريكي لعام 2022 لتقديم إعفاءات ضريبية أعلى لأصحاب العمل في مجال الطاقة النظيفة الذين يدفعون مستوى معيناً من الأجور.
كما أظهر بحث حديث أنه ما أن قامت الحكومة الإسبانية، بعد جهود تفاوضية مضنية، بوضع سياسة لإغلاق مناجم الفحم في شمال البلاد، فقد ارتفعت نسبة التصويت لصالح الحكومة في هذه المناطق مقارنة بالمناطق الأخرى. ما زالت الطريق طويلة، كما أن كثيراً من الناشطين المناخيين يبدون قدراً كبيراً من الانزعاج تجاه الافتقار إلى «الإرادة السياسية» وكأن هذا الأمر يمكن عبر سحر ما وضعه في زجاجة واستحضاره بسرعة، فيما أن واقع الأمر يقول إن سياسات المناخ في القرن الحادي والعشرين هي أمر صعب وشائع، في ظل ما تواجهه من تحديات وعداء. كما أننا لم نحاول قط من قبل إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي بمثل هذه السرعة.
إن السياسيين يتعلمون من خلال التجربة. وفيما يبدو أن العمل المناخي مشحون على نحو مستحيل، يتضح تدريجياً أنه ليس كذلك.