تتعرض «أبل» لانتقادات من «ميتا» و«مايكروسوفت»، حيث تقول الشركات إن خطط «أبل» لفتح برمجياتها للهواتف المحمولة، امتثالاً لقانون تاريخي أصدره الاتحاد الأوروبي، فشلت في المضي قدماً بما يكفي، في الوقت الذي ستواجه فيه الشركة المصنعة لهواتف «آيفون» تحديات تنظيمية غير مسبوقة من بروكسل خلال الشهر المقبل.

أما بالنسبة للمنظمين في الاتحاد الأوروبي، الذين يتأهبون لفرض غرامة على عملاق التكنولوجيا قيمتها 500 مليون يورو في مارس، لتفضيلها تطبيقها الخاص للأغاني على منافسين مثل «سبوتيفاي»، فيتعرضون أيضاً للضغط ليرفضوا مقترحات «أبل»؛ بالامتثال لقانون الأسواق الرقمية الذي أصدره التكتل.

ويأتي رد الفعل المتزايد ضد «أبل»، في الوقت الذي تضطر فيه الشركة إلى إجراء بعض من أكبر التغييرات على نموذجها للأعمال منذ أعوام، عقب مخاوف بشأن هيمنة متجرها للتطبيقات، والذي يشكل حصة كبيرة من أعمال الخدمات التي تقدمها الشركة، والبالغ 85 مليار دولار سنوياً.

وأعلنت «أبل» الشهر الماضي إجراء تغييرات على نظام تشغيل «آي أو إس» في أوروبا، مثل السماح للمستخدمين بتحميل تطبيقات من مصادر أخرى، والوصول إلى أنظمة دفع بديلة.

وتم تقديم هذه الخدمات قبل الموعد النهائي الذي حدده الاتحاد الأوروبي في 7 مارس، كي تعلن الشركات عن كيفية التزامها بقانون الأسواق الرقمية، الذي يهدف إلى مواجهة القوة السوقية لمجموعات التكنولوجيا الكبيرة. لكن مقترح «أبل» يضع المطورين في ورطة، فإما التمسك بالنظام البيئي والرسوم الحالية لشركة «أبل»، أو التخلي عن هذا كله إلى الأبد ومواجهة شروط جديدة.

وبالنسبة لمن اختاروا بناء تطبيقات في متاجر بديلة، قالت «أبل» إنها ستخفض أعلى مبلغ تدفعه الشركات لقاء استخدام متجر التطبيقات الخاص بها لبيع السلع والخدمات الرقمية من 30% إلى 17%.

إلا أن «أبل» أضافت مجموعة رسوم جديدة، تشمل «رسوم التكنولوجيا الأساسية» بقيمة 50 سنتاً على كل عملية تحميل أو تحديث للتطبيقات بعد الوصول لمليون عملية تنزيل. كما ستفرض «أبل» رسوماً إضافية بنسبة 3% على مطوري التطبيقات الذين يستخدمون نظام الدفع الخاص بها. وسيتم تطبيق رسوم الـ 50 سنتاً فوراً على عمليات التحميل من متاجر التطبيقات البديلة.

وأكد النقاد أن التغييرات ستؤدي إلى فرض رسوم على التطبيقات الناجحة أكثر بكثير من الذي تدفعه حالياً، مع إزالة أي حافز للمنافسين ليصنعوا متاجر تطبيقات بديلة.

وقال فيل سبنسر، رئيس قسم الألعاب لدى «مايكروسوفت»: «إن الخطوات المبدئية للامتثال لقانون الأسواق الرقمية التي اتخذتها أبل تثبطنا بشكل كبير عن صنع بديل ذي مغزى للمتجر الوحيد المتوفر على أكبر منصات الألعاب على مستوى العالم، وهي الهواتف المحمولة»، وتابع، في تعليقات لـ «فايننشال تايمز»: «لذا، سنواصل العمل مع المنظمين لفتح هذا الأمر».

كما رفض مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، مقترحات «أبل»، واصفاً إياها بأنها «شاقة» و«متعارضة» مع ما ترمي إليه اللوائح التنظيمية للاتحاد الأوروبي، معرباً عن أنه سيتفاجأ «إذا اختار أي مطور الاتجاه إلى المتاجر البديلة للتطبيقات».

وبعد إعلان «أبل»، قال دامين غيرادين، محامي المطورين المنتقدين للشركة «استغرق الأمر ساعة تقريباً حتى أدرك مطورو التطبيقات أنهم في ورطة».

وأضاف «سيلتزم الجميع تقريباً بالشروط القديمة، ولن يحدث قانون الأسواق الرقمية أي فارق فعلياً».

وأضاف غيرادين «ما تقوله المفوضية الأوروبية للناس هو: أرجوكم ساعدونا، وأعطونا أمثلة على مكامن الخلل»، ويعتبر غيرادين الموعد النهائي المحدد في مارس بمثابة بداية لجولة جديدة من الشد والجذب بين الاتحاد الأوروبي و«أبل».

وذكرت «أبل» أنها قضت «أشهراً في المفاوضات مع المفوضية الأوروبية» بشأن قانون الأسواق الرقمية، وأن خطتها تعكس عمل «مئات الأعضاء في فريق «أبل» من الذين قضوا عشرات آلاف الساعات» للتوصل إلى حل.

وتشير تقديرات الشركة إلى أن 99% من المطورين سيشهدون تراجعاً في الرسوم التي يدفعونها أو ستظل ثابتة بموجب النظام الجديد. وتعتقد «أبل» أن التطبيقات الكبيرة فحسب ستضطر إلى دفع رسوم التكنولوجيا الأساسية، وأن 88% من المطورين النشطين على متجر التطبيقات في الاتحاد الأوروبي لا يدفعون أي عمولات بالفعل.

وأضافت «أبل» إنها عقدت المئات من الاجتماعات الفردية مع المطورين منذ إعلان الشروط الجديدة، وتقديمها مساعدة فنية أيضاً للمطورين المهتمين ببناء متاجر بديلة للتطبيقات.

إلا أن ردود الفعل السلبية المتزايدة تركت المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، في معضلة تقرير ما إذا كانت الأعوام التي قضتها في العمل على التشريع الجديد الذي يستهدف «حراس البوابات» كان لها تأثيرها المطلوب على «أبل»، وما إذا كان بإمكانها فرض عقوبات على الشركة لفشلها في الامتثال.

وأوضح الاتحاد الأوروبي أن التكتل بإمكانه إطلاق إجراءات عدم الامتثال ضد أي شركة تخضع لأحكام قانون الأسواق الرقمية بمجرد انتهاء المهلة النهائية في مارس. ويتيح القانون للاتحاد الأوروبي توقيع غرامات على الشركات بما يصل إلى 10% من إيراداتها السنوية، على أن تزيد النسبة إلى 20% في الحالات المتكررة.

وقال تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، هذا الشهر، إنه «من الصعب للغاية» تحديد تأثير التغييرات المتصلة بقانون الأسواق الرقمية على إجمالي أرباح الشركة.

وتضررت «ميتا» و«مايكروسوفت» إثر قانون الأسواق الرقمية إلا أنهما اكتشفتا فرصة للاستيلاء على حصة أكبر من الـ 27 مليار دولار التي جنتها «أبل» عام 2023 من مبيعات متجرها للتطبيقات، بحسب بيانات من «سنسور تاور». وجاءت 7% من هذه الإيرادات من أوروبا.

وتسعى الشركات لتحدي «أبل» بطرق أخرى. قبل عامين، زادت «أبل» رسوم عمولتها، بحيث تجني 30% إضافية من المسوقين الذين يدفعون أموالاً للمزيد من إبراز إعلاناتهم في تطبيقات مثل «إنستغرام».

وخلال الأسبوع الماضي أعلنت «ميتا» أنها ستمرر هذه الـ 30% إلى المعلنين مباشرة، ما يجعل الوصول إلى مستخدمي أجهزة «أبل» أكثر تكلفة.

وقال نيكولاس روديلي، رئيس قسم البحوث القانونية لدى «سي إف آر إيه ريسيرش»، إن خطوة «ميتا» كانت «تحدياً مباشراً» لسياسات «أبل»، حيث بدأت شركات التكنولوجيا الآن «في الهجوم» لاستغلال الثغرات التنظيمية الجديدة لصانعة «آيفون».

وذهبت كل من «سبوتيفاي» و«إيبك غيمز»، وكلاهما تنتقدان «أبل» منذ أمد طويل، إلى أن مقترحاتها ترقى إلى سوء النية. أما غاري سويدلر، رئيس «ماتش غروب» المالكة لتطبيق «تيندر»، فقال إن قبول الاتحاد الأوروبي لخطة «أبل» أمر «بعيد تمام البعد عن أن يكون مؤكداً».

وقال المحلل المستقل إريك سيوفرت إن «أبل» كانت «تتلمّس ما سيسمح لها القيام به بموجب قانون الأسواق الرقمية» وأضاف إن «السؤال هو ما إذا كانت المفوضية الأوروبية ستقبل بهذا، وأنا أعتقد أنها لن تقبل به».