تواجه بنوك وول ستريت دائماً أزمات عدة، وعادة ما يتعلق الأمر بشيء أكثر إثارة من مجرد مسمى وظيفي. لكن الأمر لم يكن كذلك الأسبوع الماضي، بعدما كُشف النقاب عن مصرفي كبير ادّعى حصوله على لقب وظيفي كبير مزيف عندما انضم إلى «مورغان ستانلي» في فرانكفورت قبل ثلاث سنوات، وذلك فقط لخداع الجهات التنظيمية الأوروبية وجعلها تعتقد أن البنك كان يلتزم بقواعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومنذ أن غادرت المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، حث المنظمون البنوك العالمية الكبرى على إدارة عملياتها في الاتحاد الأوروبي بموظفين محليين بدلاً من المديرين المقيمين في لندن، وقد تم تعيين هذا المصرفي «رئيساً لإدارة القروض» لكنه خلال استئنافه ضد فصله من بنك مورجان ستانلي، أخبر المحكمة أن رئيسه أوضح أن اللقب «موجود فقط على الورق» وقد تم إنشاؤه للتوافق مع متطلبات هيئات الرقابة المالية.
وقد اعترض «مورجان ستانلي» على ادعاءات المصرفي في جلسة الاستماع ونفى منحه لقباً وهمياً، لكن هذه القضية كانت بمثابة تذكير قوي بأن مسألة المسمى الوظيفي، التي تبدو تافهة على ما يبدو، يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر.
بالطبع، ثمّة الكثير فيما يتعلق بالمسميات الوظيفية يعتبر تافهاً للغاية، نحن نعيش في عالم يطلق فيه الرؤساء على أنفسهم أسماء مثل قائد الرحلات إلى القمر (أسترو تيلر من غوغل)، ورئيس قسم الملابس الداخلية (مؤسس جو بوكسر، نيك غراهام) وأخيراً ملك التكنولوجيا في تسلا (إيلون ماسك).
صحيح أيضاً، أن الشركات الكبرى تستمر في ابتكار عناوين وظيفية غامضة تماماً، فقد أعلنت شركة برايس ووترهاوس كوبرز العام الماضي عن وظيفة مدير أول للهوية اللفظية للعلامة التجارية العالمية، وهي وظيفة قالت إنها تنطوي على «تطوير ممارسات الهوية اللفظية» و«العمل بفعالية مع فرق متعددة التخصصات وعبر اللغات المتعددة للوصول إلى علامة تجارية واحدة». ولقد سألت الشركة في بداية الأسبوع الماضي عما إذا كان بإمكانها أن تشرح بدقة ماهية هذا الدور بالضبط، وما زلت أنتظر الإجابة.
ليس ثمّة أيضاً حاجة لإعادة النظر في الإدمان المؤسسي غير القابل للتغيير على جعل نصف القوى العاملة «نائباً للرئيس»، ولا كثرة الألقاب التي تحتوي على كلمة «رئيس» كذا وكذا. ولكن سأقول فقط إنه عندما سألت موقع لينكد إن عن مدى انتشار مثل هذه الألقاب، عادوا بأخبار مثيرة للاهتمام مفادها أن أكبر نمو في الوظائف التي تحمل لقب «رئيس» في المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة كان «الرئيس التنفيذي للنمو».
على أية حال، فإن الحقيقة هي أنه بالنسبة للعديد من العمال لم يكن هناك أي شيء تافه أبداً بشأن المسميات الوظيفية، ومن المؤسف أن هناك دلائل على أن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً.
ولقد رأيت أكثر من مرة أشخاصاً أصيبوا بغضب شديد بعد أن علموا أن مكانتهم في تسلسل الرتب في العمل قد تراجعت لأن منافساً أو موظفاً جديداً حصل على مسمى وظيفي أكثر بريقاً. ولا يهم ما إذا مُنح هذا المسمى الرنان بدلاً من زيادة في الراتب أو راتب بداية أعلى، وتزداد المأساة تفاقماً فقط إذا كانت وظيفتهم الفعلية أكثر تواضعاً مما يوحي به لقبهم الرفيع.
الأمر المؤسف أن بعض شركات البحث عن الكفاءات تقول إن تضخم المسميات الوظيفية هذا قد نما بشكل كبير منذ الوباء لدرجة أنه تجاوز التضخم الفعلي الذي اجتاح العالم.
وتقول مجموعة روبرت والترز البريطانية للتوظيف، إن بيانات السوق الخاصة بها تُظهر أنه خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، كانت هناك زيادة بنسبة 46 % في عدد إعلانات الوظائف في المملكة المتحدة وأيرلندا التي تحتوي على كلمتي «كبير» أو «مدير» في العنوان، بينما هي لا تتطلب أكثر من عامين من الخبرة.
وقال دانييل هاريس، مدير «روبرت والترز»، إن ذلك يرجع جزئياً إلى أن الشركات الناشئة في قطاعات مثل العملات المشفرة والتكنولوجيا المالية أسهمت في تأجيج المنافسة بين الموظفين الذين استخدموا بدورهم قوتهم السوقية للتفاوض بشأن الألقاب التي يختارونها.
لكنه أخبرني أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية بسهولة، وليس فقط مجرد إثارة حفيظة الزملاء، إذ قد يواجه محامٍ صاعد تمكن من الحصول على لقب مستشار عام في شركة ناشئة صعوبة في الانتقال إلى شركة أكبر إذا علم صاحب العمل المحتمل بحقيقة دوره الفعلي.
وبالمثل، فإن الأشخاص الذين تمكنوا من أن يصبحوا رؤساء «عالميين» لشيء ما، بغض النظر عن مدى محلية الدور، يقومون في بعض الأحيان بحذف الكلمة من سيرتهم الذاتية لأن أصحاب العمل المحتملين يفترضون أنهم أكثر كفاءة من اللازم لشغل وظيفة ما.
ورغم ذلك، لا أعتقد أن مشكلة تضخم الألقاب الوظيفية ستختفي قريباً. فمنذ وقت ليس ببعيد، كان هاريس يعمل مع شركة صغيرة كانت حريصة على توظيف رجل أصر على أن يُلقب بـ«المستشار العام العالمي»، ولشعورها بسعادة غامرة لنجاحها في التعيين دون الحصول على راتب أعلى، وافقت الشركة بسرعة، وأخبرت هاريس أنه «يمكن أن يطلق عليه (إمبراطور العالم) إذا رغب في ذلك».