إلى أي مدى يجب أن يذهب المنظمون في إملاء التصميمات الأساسية لبعض المنتجات والخدمات التقنية الأكثر استخداماً؟
إن تبنّي قانون الاتحاد الأوروبي للأسواق الرقمية، الذي دخل حيز التنفيذ هذا الأسبوع، يرقى إلى تجربة عملاقة في الإدارة الحكومية التفصيلية لكل شيء، من متجر تطبيقات «أبل»، مروراً بمحرك البحث «غوغل»، إلى خدمات «فيسبوك» و«إنستغرام» من شركة «ميتا».
ومن أجل الامتثال للقانون، الذي يهدف إلى فتح منصات التكنولوجيا الأكثر استخداماً، وفرض خيارات أكبر أمام المستخدمين، توصلت شركات التكنولوجيا الكبرى إلى مجموعة تغييرات تقنية كبيرة، يقولون إنها ستفي بالقواعد الجديدة. والأمر متروك حالياً إلى المنظمين الأوروبيين للتدقيق فيها، وإجبار الشركات على تنفيذ المزيد من التغييرات، إذا اقتضت الضرورة.
من الصعب المبالغة في حجم هذه المهمة. فقد استغرق حل قضايا سابقة أعواماً لحلها، مثل شكوى الاتحاد الأوروبي ضد «غوغل»، بسبب التسوق المقارن، وخاض الجانبان مساومات خشنة حول حلول تقنية. وكان هذا حول ميزة صغيرة يوفرها محرك البحث «غوغل». وعلى النقيض، يشمل قانون الأسواق الرقمية بعضاً من أبرز الخدمات الرقمية المستخدمة اليوم.
قوبل هذا القانون بقلق عميق في سيليكون فالي. وينظر إليه على أنه محاولة حكومية لإلغاء أعوام من التصميمات والقرارات التقنية التي اتخذها مديرو المنتجات والمهندسون. وقد يبدو تمتع المستخدمين باختيارات أكبر، أمراً جيداً من الناحية النظرية، لكن الأمر سيشكل تحدياً لكيفية عمل الجوانب الأساسية في الخدمات.
وإلى حد ما، يعكس هذا مناشدة خاصة من شركات التكنولوجيا. فقد تم تصميم منتجاتهم جزئياً، بهدف المصلحة الذاتية، المتمثل في تعظيم إيراداتهم في المقام الأول. لذا، فإن إجبار هذه الشركات على العودة إلى لوحة التصميم، قد يكون هو الطريقة الوحيدة لزيادة التنافسية، لكن هذا لا يقلل التأثير المحتمل.
بالنسبة لشركة «أبل»، فإن منح المستخدمين القدرة على اختيار متاجر تطبيقات ومقدمي خدمات دفع آخرين على نظام تشغيل «آي أو إس»، يعكس اضطرار الشركة إلى إلغاء مجموعة واسعة من الروابط التقنية بين الخدمات، وكذلك نشر 600 واجهة برمجيات جديدة، أو ما يعرف بخطافات البرمجة، لمنح المطورين وصولاً أكبر إلى منصة هواتفها المحمولة.
وقال ستيفن سينوفسكي مسؤول تنفيذي سابق في «مايكروسوفت»، الذي عاصر بصفته رئيساً لوحدة نظام «ويندوز»، تحدي بروكسل لشركة تقنية كبيرة، إن هذا سيؤدي إلى تنازلات تقنية لن ترضي الجميع. وأوضح أن كل منتجات التكنولوجيا تنطوي على مقايضات.
وفي حالة «أبل»، فإن ذلك يعني اتخاذ قرار مبكر بشأن ما إن كان يجب إعطاء الأولوية للأمن والخصوصية على الـ «آيفون»، أم السماح بانفتاح أكبر على الخدمات الخارجية. وأضاف أن قول المنظمين الآن إنهم يرغبون في ما يرقى إلى الاختيار الثالث، شيء تتوفر فيه كل عوامل الأمان، إضافة إلى كل الخيارات، هو طلب لا يمكن تلبيته.
ووفقاً لـ «أبل»، فقد طلبت عدد من الوكالات الحكومية في أوروبا بالفعل، خاصة التي تعمل في الدفاع والصيرفة، ضمانات بأنها ستكون قادرة على منع موظفيها من تنزيل تطبيقات من خارج متجر «أبل»، وهي علامة على أن بعض العملاء المنشغلين بالأمن يتخوفون من المخاطر.
وبالنسبة لشركة «غوغل» حالياً، فإن الامتثال إلى قانون الأسواق الرقمية، يعني التقليل من أهمية بعض خصائص البحث «الرأسي»، مثل صندوق البحث عن رحلات الطيران، وتوجيه المستخدمين إلى وسطاء آخرين، مثل مواقع شركات السفر ومحركات التسوق المقارن. وغالباً ما يعني ذلك بالنسبة للمستخدمين، اتخاذ خطوة إضافية للوصول إلى النتيجة النهائية.
يضع هذا الأمر شركات التكنولوجيا في موقف لا تحسد عليه، والتي تشتكي من أن قانون الأسواق الرقمية، إما يضعف أمن منتجاتها، أو يهبط بمستوى تجربة عملائها، بينما تحاول في الوقت ذاته ألا تقوض عروض مبيعاتها.
والحملة التسويقية الجديدة لشركة «أبل»، بعد تحليل عميق لتأثير قانون الأسواق الرقمية، تقول: لم تعد منتجاتنا في أوروبا بالجودة ذاتها كما في السابق، لكنها على الأقل لا تزال أفضل من البقية.
يظل حجم الفائدة التي يرى المستخدمون أنهم حصلوا عليها من الخيارات الإضافية، سؤالاً مفتوحاً. وسيكون إحدى نتائج قانون الأسواق الرقمية، هو كثرة شاشات الاختيار وصناديق الموافقة، وهي أشياء تقدم للمستخدمين خيارات حول ما هو المتصفح الذي يريدون استخدامه، على سبيل المثال. ومن المرجح أن العديد من المستخدمين سيتجاوزونها بقليل من الاهتمام.
ربما كان من الممكن أن تمنع مثل هذه القرارات، إذا تم تبنيها في مرحلة مبكرة، عمالقة التكنولوجيا من ترسيخ مثل هذا المركز المهيمن في المقام الأول. لكن الآن، وقد ترسخت بالفعل، يبدو من غير المرجح أنها ستتنحى بعيداً عن هذه الهيمنة بما فيه الكفاية.
ليست هذه سوى الخطوة الأولى في محاولة كاسحة من الاتحاد الأوروبي، لفتح منصات كبرى شركات التكنولوجيا. ومن الصعب تحديد ما ستنتهي إليه هذه المحاولة، حيث تمحص الجهات التنظيمية التصميمات الأساسية لبعض أكثر المنتجات والخدمات التكنولوجية شيوعاً. ومن المرجح أنها ستكون معركة طويلة وشاقة.