ينضح عالم المساعدة الذاتية باقتباسات محفزة، تتحدث عن قوة التفكير الإيجابي، وأهمية إعادة تشكيل الجانب السلبي، ولدينا مثال وهو: «ستبدأ الحصول على نتائج إيجابية، بمجرد استعاضتك عن الأفكار السلبية بأخرى إيجابية»، وثمّة أيضاً: «التفكير الإيجابي ليس مجرد شعار»، وهناك كذلك: «ليس ثمة أمر جيد وسيئ، ولكن تفكيرنا هو ما يجعله كذلك»، وهذا الاقتباس الأخير من ويليام شكسبير، من مسرحية هاملت، ولكن حينما يتعلق الأمر بالطريقة التي نفكر ونتحدث بها عن العالم الخارجي، وعن مستقبله على وجه الخصوص، فليس من المعتاد أن تكون اللهجة بعيدة عن القتامة الشديدة، ويبدو أن الكثيرين قد قرروا تبني إحساس من التشاؤم الساحق للروح الذي لا هوادة فيه، وستبدو في أعين الناس غير عابئ بكل المعاناة في العالم إذا تفوهت بأمر متفائل، بل ستجد نفسك مفتقداً الوقار ومذموماً بدرجة كبيرة.
وعلى مر السنين، كثيراً ما كنت استغرب لدى سؤالي أحد الأصدقاء أو المعارف عن أحوالهم، فكانوا يجيبوني بشيء على غرار «أنت تعلمين، ليست الأمور رائعة، فالعالم سيئ للغاية حالياً»، فكنت أميل إلى الإيماء برأسي، ولكن لست دائماً متأكدة من الجانب السيئ من العالم الذي أومئ برأسي موافقة عليه، فهناك عدد هائل من الأمور المريعة التي ربما كانوا يشيرون إليها في أي وقت، سواء كانت غزة أو التغير المناخي أو حتى الذكاء الاصطناعي، فمن السهل إيجاد أمور يمكن للمرء أن يتشاءم بخصوصها، ولكن أين هؤلاء من الكثير من الأمور التي يمكن التفاؤل بسببها، ولا أقصد بيانها كلها هنا، ولكن على سبيل المثال، وصل معدل وفيات الرضع إلى مستوى قياسي منخفض في العام الماضي، وتوصل العالم إلى تقدم كبير في علاج الزهايمر، كما وافقت السلطات على علاج ناجع ورخيص ضد الملاريا، وسجل عدد طيور النسر الذهبي أرقاماً قياسية في أسكتلندا بعد مشروع للحفاظ عليها.
وقد نظن أننا أذكياء عند تبنينا نظرة متشائمة، ولكن البحوث تفيد بخلاف ذلك، إذ خَلُصَت دراسة أجرتها «إبسوس موري» في سنة 2017 وشملت 28 دولة إلى أن المستجيبين الأقل معرفة بمدى التقدم البشري كانوا الأكثر تشاؤماً إزاء المستقبل، وفي حين أخطأ 52% من المستجيبين بصفة عامة باعتقادهم بأن الفقر المدقع إنما يزداد سوءاً (في ضوء نجاح نحو 100,000 شخص يومياً في الخروج من هوة الفقر المدقع)، ولكن الأشخاص الذين يعيشون في بلدان أفقر كانوا أكثر دراية بهذا وأكثر تفاؤلاً بالمستقبل، وبينما اتفق نحو 41% من المستجيبين الصينيين على أن «العالم يتحسن»، فقد اتفق 4% من البريطانيين و6% من الأمريكيين على الأمر ذاته، وكان الفرنسيون هم «البؤساء» أكثر فاتفق 3% منهم فقط على هذا الأمر.
وبعبارة أخرى، غالباً ما يكون التشاؤم في غير محله، كما أنه يمكن أن يكون ضاراً تماماً، وقد يظن المتشائمون بأن تشاؤمهم وكآبتهم مفيدة في تحفيز الآخرين على التحرك، ولكن الكثير من الدراسات أظهرت أن النقيض هو الصحيح.
وفي دراسة منشورة في حوليات الأكاديمية الأمريكية للسياسة والعلوم الاجتماعية لسنة 2015، اختبر الباحثون فرضية تذهب إلى أن إطلاع الناس على كيفية مساعدة هندسة المناخ على تقليص الانبعاثات الكربونية قد يجعلهم مطمئنين أكثر في ما يتعلق بالتغير المناخي، ولكن لم يحدث ذلك، إذ وجد الباحثون أن الناس يصبحون أكثر قلقاً في شأن التغير المناخي عند إطلاعهم على الحلول العملية الممكنة.
وقال مارتن بودري، الفيلسوف لدى جامعة غنت: «يظن الناس التشاؤم محفزاً على التحرك، أو طريقة لإبعاد الناس عن شعورهم بالرضا عن الذات واللامبالاة، أو أنك إن أخبرتهم بأن العالم يقترب من نهايته فإنهم سيهمّون إلى العمل ويحتجون في الطرقات ويصوّتون للحزب الصحيح، ولكن كلما كنت متشائماً، أظهرت للناس فكرة مفادها أن نافذة الأمل قد أوصدت ولم يعد ثمة ما يمكن فعله»، وقد توصلت ورقة بحثية نُشرت في العام الماضي في مجلة الفلسفة والشؤون العامة إلى النتيجة ذاتها، إذ وجدت أن «التشاؤم مثبط وليس داعماً لمسألة تخفيف حدة الأخطار الوجودية».
وينطوي التشاؤم المُبالغ فيه على خطر كبير، يتمثل في خلق مشكلة إطلاق الاستغاثات الكاذبة، ما يعمّق الشعور بالارتياب في مصادر من المُفترض كونها جديرة بالثقة، عند إثبات كون التحذيرات في شأن كارثة ما إنما كانت مُبالغاً فيها، وكانت ألكساندرا أوكاسيو-كورتيز، عضوة مجلس النواب الأمريكي تنبأت في سنة 2019، بأن «نهاية العالم ستقع في غضون 12 عاماً إذا لم نواجه التغير المناخي»، فهل يعني ذلك أننا نبعد سبعة أعوام فقط عن الاندثار؟!
كثيراً ما يُقال إن «الأمل هو ما سيقتلك»، ولكن في حقيقة الأمر غيابه هو القاتل، فقد أكدت الدراسات أن الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب تكون مرتفعة بصفة خاصة في صفوف المتشائمين، ويأتي التشاؤم مخلّفاً وراءه كل أنواع الظواهر السيئة والخطرة، مثل الفوضى والعدمية. وفي المقابل، فإن ما يثير الخوف بالقدر هو ذاته ذلك النوع من التفاؤل المتهور والمتوهم بأنه لن يحدث خطب سيئ، وهو الأمر الذي شدد عليه مارك أندرسن في «مانيفستو التفاؤل إزاء التكنولوجيا».
علينا إذن العثور على طريقة تضمن لنا ألا يصبح التشاؤم نبوءة ذاتية التحقق، وعلينا أن نجعل من التشاؤم أمراً مذموماً بقوة من جديد.