التسعير الديناميكي هو نهج اعتاد عليه أي شخص يستخدم خدمات مشاركة الركوب بانتظام. ولتجرب الاتصال بشركة «أوبر» أو شركة «ليفت» في يوم مطير خلال وقت العشاء، أو عند حلول مواعيد اصطحاب أو توصيل الأطفال للمدارس، وستجد نفسك مضطراً لأن تدفع أكثر من المعدل المعتاد، وفي بعض الأحيان أكثر بكثير.

على الرغم من تقبل المستهلكين للنماذج التجارية الشائعة عبر الإنترنت، إلا أنهم قد يثورون عندما يواجهون تطبيق «التسعير الديناميكي» في المتاجر الواقعية.

لنأخذ على سبيل المثال ردة فعل المستهلكين الأخيرة بعد أن أعلنت سلسلة الوجبات السريعة الأمريكية «وينديز» في مؤتمرات إعلان الأرباح عن نيتها زيادة سعر شطائر البرغر خلال أوقات ذروة الطلب، مشيرة إلى أنها استثمرت 20 مليون دولار في أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة للقيام بذلك.

كانت أولى التغريدات التي تلت الإعلان مسلية، حيث سخر العملاء من فكرة «استغلال فوارق الأسعار» في وجبة الغداء. لكن خلال أسبوعين فقط، أصبحت تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي سيئة وقبيحة، وبدأ السياسيون، مثل السيناتور إليزابيث وارين، في مهاجمة الشركة بسبب «التلاعب بالأسعار». ولذلك، سرعان ما تراجعت «وينديز» عن الفكرة.

وقد حدثت الظاهرة نفسها في دور السينما التي حاولت رفع سعر التذاكر خلال فترات ارتفاع الطلب (على الرغم من أن شركات الطيران والفنادق تفعل ذلك عبر الإنترنت طوال الوقت ومعظم أماكن الترفيه تقدم خصومات بانتظام في الأيام التي يكون فيها عدد الزوار قليلاً). والأهم من ذلك، فإن التسعير الديناميكي ليس التكتيك الخوارزمي الوحيد الذي يتعرض للانتقاد عندما يتحول إلى الشركات غير الرقمية.

فبعد العديد من الشكاوى من جمعيات المستأجرين، اتخذت اللجنة الفيدرالية للتجارة ووزارة العدل مؤخراً إجراءات مشتركة لمكافحة التواطؤ الخوارزمي في سوق العقارات السكنية، إذ يستخدم الملاك باستمرار برامج لرفع الإيجارات لإبقاء الأسعار أعلى مما قد تكون عليه في ظروف السوق العادية لعشرات الملايين من الشقق في جميع أنحاء البلاد.

ولفتت لجنة التجارة في إحاطة حول الإجراءات، إلى أن قطاع الإسكان ليس وحده الذي يستخدم خوارزميات تحدد أسعاراً تواطئية محتملة غير قانونية. وقد سبق لوزارة العدل أن حصلت على اعتراف بالذنب يتعلق باستخدام خوارزميات التسعير لتثبيت الأسعار عند إعادة بيع البضائع عبر الإنترنت؛ وثمّة قضية قائمة ضد استخدام التواطؤ الخوارزمي من قِبَل مصنعي منتجات اللحوم.

في الوقت نفسه، هناك عدة قضايا خاصة مرفوعة ضد الفنادق بسبب تثبيت الأسعار عبر الإنترنت. إضافة إلى ذلك، طوّرت شركات تكنولوجيا منصّات أو أتقنت أساليب، مثل التسعير الديناميكي، مع تقديم العطاءات في الوقت الفعلي، وتتبع البيانات، والإعلانات التفضيلية، وجميع الحيل الأخرى المتعلقة برأسمالية المراقبة.

لكن السلوك الذي نعتبره من المسلمات على الإنترنت يصبح بطريقة ما أكثر إشكالية كبيرة عندما يتم استخدام هذه الطرق في العالم الحقيقي، فالناس يشعرون بالغضب من ارتفاع سعر البرغر أو الإيجارات، لكنهم لا يترددون عندما يتعلق الأمر بتكلفة انتقالاتهم - خاصة عند حجزها عبر تطبيق ما.

فيما أنه ما يُعد غير قانوني في العالم الحقيقي يجب أن يكون كذلك في العالم الافتراضي. وأظن أن جزءاً من ذلك يعود إلى توقعنا بأننا سنعامل جميعاً على قدم المساواة - أو على الأقل دفع أسعار محددة في سوق عادلة - عندما ننخرط في عملية تجارية فعلية. وتاريخياً، فقد راقبت الجهات التنظيمية هذه الفرضية بشكل كافٍ إلى حد ما.

وعند دخولك إلى متجر تجزئة في العالم الحقيقي، لا يمكن فرض سعر مختلف عليك، أو عرض منتجات، أو إعلانات مختلفة بسبب دخلك أو لون بشرتك. ومع ذلك، ففي عالم الإنترنت، يعد هذا التمييز شائعاً، ليس فقط من قبل المنصات الكبرى، ولكن من قبل شركات عديدة. وبما أن البيانات باتت بمثابة مكانة النفط في عالم الاقتصاد الرقمي، فقد أصبحنا جميعاً أدوات مراقبة، وبدأت الجهات التنظيمية في التصدّي لعالم التسعير الخوارزمي الفوضوي.

على سبيل المثال، ادعت اللجنة الفيدرالية للتجارة في قضية حديثة ضد شركة «أمازون» بأن شركة التجزئة القائمة على الإنترنت حققت مليار دولار من استخدام خوارزمية تسعير سرية أبقت الأسواق عند مستويات مرتفعة بشكل مفتعل فيما يتعلق بمختلف المنتجات.

وترى أمازون أن هذا تشويه صارخ لصورتها، وتقول إنها توقفت عن استخدام هذه الوسيلة منذ سنوات. وأياً كانت الحقيقة، تستغرق مثل هذه الجهود سنوات للنظر فيها أمام القضاء.

وبطريقة ما، أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة استنفاد الطاقة بشأن اللوائح المنظمة للتكنولوجيا التي تعكس سنوات من المكاسب التي فشلت في إضفاء المزيد من الشفافية على الأسواق الرقمية كافة. وربما يغير من ذلك قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، الذي دخل حيّز التنفيذ الأسبوع الماضي.

ودون شك فقد أدّى إلى بعض التغييرات السلوكية من جانب شركات المنصات العملاقة، حيث يضطرها إلى منح المستخدمين مزيداً من التحكم في بياناتهم وفتح منصاتها أكثر للمنافسين.

لكن أظن أن المزيد من التغيير - والمزيد من المطالب بتشديد اللوائح وتوضيحها أكثر - سيتحقق مع دخول نماذج الأعمال التجارية عبر الإنترنت إلى الأعمال التقليدية، حيث الناس معتادون على قواعد أكثر وضوحاً.

ومع تزايد وعي المستهلكين بكيفية استخدام حيل رأسمالية المراقبة في الشركات التي استخدموها في البداية في العالم الحقيقي، قد يلفت ذلك الانتباه إلى الحاجة إلى وضع قواعد واضحة وبسيطة - كتطبيق القوانين الحالية للعالم الحقيقي لحماية العملاء عبر الإنترنت.

وأتمنى أن أرى مثلاً، لجنة التجارة الفيدرالية تستخدم بحصافة سلطتها في وضع قواعد ينص عليها قانون «عدم التمييز» الذي يجعل من غير القانوني فرض أسعار مختلفة على السلع المختلفة، بغض النظر عن كيفية ومكان شرائها.

فما يُعدّ غير قانوني في العالم الحقيقي، يجب أن يكون كذلك في العالم الافتراضي. وهذا سيضع على عاتق الشركات إثبات أنها لا تسبب أي ضرر، بدلاً من إجبار الجهات التنظيمية على خلق نظام خاص أكثر تعقيداً لصناعة معينة.