يا له من مثال للتوقيت السيئ! ففي بداية الأسبوع الفائت، لاقى أمين ناصر رئيس أكبر شركة نفط في العالم، «أرامكو السعودية»، ترحيباً حين أعلن في مؤتمر «سيراويك» للطاقة في هيوستن أنه حان الوقت «للتخلي عن وهم الاستغناء التدريجي عن النفط والغاز». وقال أمين ناصر إنه بدلاً من ذلك يحتاج العالم إلى الاستثمار في الوقود الأحفوري؛ لتلبية الطلب في وقت تعاني فيه عملية التحول إلى الطاقة النظيفة «من فشل ذريع على عدة أصعدة».

وفي اليوم التالي، لم تحظ رئيسة المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة «سيليست ياولو»، بأي تصفيق بعد إصدار تقرير كشف أنه لم يتم تحطيم الأرقام القياسية للمناخ فحسب، بل تم تجاوزها خلال عام 2023، وهو العام الأحر على الإطلاق. فقد تعرضت أكثر من 90% من محيطات العالم لموجات حارة، وفقدت الأنهار الجليدية أكبر قدر من الجليد على الإطلاق، وتراجع حجم الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية إلى أدنى مستوياته المسجلة على الإطلاق.

فمن السهل الاعتقاد بأننا سبق أن واجهنا هذا الوضع من قبل. فقد قضى المسؤولون التنفيذيون بقطاع النفط والغاز والفحم سنوات يصرّون على ضرورة تلبية الطلب على الوقود الأحفوري، الذي لا يزال يشكل محرك الاقتصاد العالمي. حتى إن شركات النفط الأوروبية ذات التوجه الفكري الأخضر قلّصت أخيراً أهدافها المناخية عقب ارتفاع أسعار الطاقة، كما سحب كبار المستثمرين دعمهم لمبادرات العمل المناخي التي انضموا إليها أخيراً. أما الوكالات الأممية فحذّرت باستمرار من أن هذه الأنواع من الوقود هي السبب الرئيس لظاهرة الاحتباس الحراري التي تزداد خطورة.

ومع ذلك، حينما يتعلق الأمر بالحالة الحالية للمناخ، فإننا لم نواجه وضعاً مثل هذا من قبل. وهناك جوانب لم تحظ بفهم كافٍ، فدرجات حرارة العالم ترتفع الآن بوتيرة لم يتوقعها العلماء، وما يثير القلق أنهم لم يتعرّفوا عليها بشكل كامل بعد. وخلال مؤتمر عقدته صحيفة فاينانشال تايمز هذا الشهر، قال رئيس اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، جيم سكيا، إنّ الارتفاع في درجات الحرارة العام الماضي كان «أسرع مما كنا نتوقع جميعاً». وتابع: «كان الأمر مفاجئاً.. وصلت درجات حرارة المحيطات إلى مستويات تجاوزت السجلات التاريخية.. لقد كانت فوق العادة وما زلنا بحاجة إلى المزيد من العمل لفهمها وتفسيرها بشكل أفضل».

وقد جرى إيضاح الآثار المخيفة المترتبة على هذه النتائج من قبل غافين شميدت، مدير معهد جودارد لدراسات الفضاء التابع لناسا في نيويورك. وفي مقال نُشر بمجلة نيتشر، حذّر شميدت من أن البيانات قد تشير إلى أن احترار الكوكب يسبب تغييرات جذرية في كيفية عمل النظام المناخي. وأضاف إنّ الارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة عام 2023 «كان غير متوقع»، وكشف عن «فجوة معرفية غير مسبوقة» تم التفكير فيها للمرة الأولى منذ أن بدأت بيانات الأقمار الصناعية إعطاء العلماء رؤية لحظية للنظام المناخي قبل نحو 40 عاماً. وقد تعني هذه الفجوة أن لدينا فهماً متأرجحاً لما ينتظرنا في المستقبل - وهو ما يثير القلق عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بمعدلات الجفاف وهطول الأمطار، التي تؤدي إلى تفاقم نقص الغذاء. في حين تتنوع النظريات حول الارتفاع غير المتوقع في درجات الحرارة بين زيادة النشاط الشمسي قبل ذروة النشاط الشمسي المتوقعة، إلى قواعد جديدة بشأن وقود الشحن النظيف، الذي يهدف إلى خفض انبعاثات الكبريت. ولدى مركبات الكبريت تأثير تبريد على الغلاف الجوي.

إلا أنّ تقديم تفسير وافٍ لا يزال هدفاً بعيد المنال، ويبرز ذلك انعكاساً قوياً للتاريخ. فقد شغل منصب شميدت في ناسا ذات يوم عالم آخر هو جيمس هانسن، الذي أدلى بشهادته أمام الكونغرس الأمريكي في عام 1988 محذّراً العالم من أن ظاهرة الاحتباس الحراري قد بدأت.

ولم يتغاض العالم تماماً عن تحذيرات «هانسن» في السنوات الـ36 التي تلت ذلك، ولكنه لم يأخذها على محمل الجد بالقدر الكافي. وقد يفضل رؤساء شركات النفط الحثّ على بقاء الأمور على حالها. لكن لن يتمكنوا أو أي شخص آخر من تجاهل ما يظهره لنا العلم مرة أخرى حيال التهديدات المناخية التي تسير في طريق مجهول.

هيئة التحرير