يقوم المضاربون بنماذج الكمبيوتر في قطاع الاستثمار الكمي بالصين، البالغ 250 مليار دولار، بتعديل استراتيجياتهم استجابة لتشديد الإجراءات التنظيمية، ما يهدد بكبح نمو الصناعة وعوائدها بعد عقد من المكاسب.

وعمدت صناديق، ومن بينها «لينغجون إنفستمنت» و«هاي فلاير كابيتال مانجمنت» التي أدار كل منها 60 مليار يوان صيني (8.3 مليارات دولار) في ذروة أعمالهما، إلى تغيير خوارزميات التداول المعقدة الخاصة بهما؛ امتثالاً للقيود التي فرضت على المضاربات المالية، بعد أن شددت بكين قبضتها على الأسواق الصينية بعد عمليات بيع كثيفة.

وجاء هذا بعد إلقاء السلطات الصينية اللوم على أنماط التداول الكمي شديدة السرعة في زيادة تراجع سوق الأسهم خلال يناير، عندما انخفض مؤشر «سي إس آي 300» بنسبة 6% إلى أدنى مستوياته منذ خمسة أعوام.

ويمكن أن يؤدي تركيز الجهات المنظمة على «النزاهة والعدالة» إلى ضرب صناعة شهدت نمواً سريعاً على مدار العقد الماضي، وتعرضت خلاله لانتقادات متكررة بسبب استغلالها للمستثمرين الأفراد الأقل وعياً والأقل تقدماً من الناحية التكنولوجية.

ويتوقع بعض المسؤولين التنفيذيين أن القيود المفروضة على رهانات المضاربة ستعني نهاية العوائد الضخمة والأصول المتزايدة باستمرار تحت الإدارة.

وقال وانغ تشي، كبير مسؤولي الاستثمار لإدارة الثروات لدى «يو أو بي كاي هيان» في هونغ كونغ: إن «مستخدمي استراتيجيات المضاربة الكمية، بصفة عامة، يحققون أرباحهم من استغلال أوجه الشذوذ في الأسواق». وتابع: «ما نحتاج للمزيد منه في سوق الأسهم الصينية هو حوكمة أفضل للشركات، ومزيد من الثقة، واستثمار على المدى الطويل»، وقال متعجباً: «لا أرى كيف يسهم المضاربون الكميون في ذلك».

وعلى المدى القصير، اضطر كثيرون لإجراء إصلاحات فورية على استراتيجيات وخوارزميات التداول لديهم.

وتبنت لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية وجهة نظر تتمثل في أن الدور الذي لعبته بعض الصناديق الكمية أسهم في استمرار تآكل ثقة المستثمرين، بحسب شخص على اطلاع بطريقة تفكير اللجنة. ولم تستجب اللجنة على الفور لطلب التعليق. وأكد وو تشينغ، الرئيس الجديد للجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية الشهر الماضي على وجوب «إيلاء المسؤولين التنظيميين انتباهاً كبيراً لمسألة العدالة».

رغم ذلك، أصدرت اللجنة أوامر بفحص كل أنشطة الصناديق التي تعتمد على استراتيجيات التداول الآلي المعقدة عن كثب، بموجب مخطط جديد للمراقبة.

وفرض المنظمون على مديري الاستثمار الكمي مشاركة الخوارزميات التي تدعم الصناديق المؤسسة حديثاً، وحددوا لهم كمية الأسهم التي يمكنهم بيعها خلال مدة قصيرة كما وضعوا قيوداً على حجم الأموال التي يمكن للمستثمرين اقتراضها من الوسطاء لتعزيز رهاناتهم عن طريق المشتقات المعروفة باسم مبادلات «آلية الوصول المباشر إلى الأسواق المالية».

وسلطت السلطات الضوء على «لينغجون»، ومنعتها من التداول لثلاثة أيام بسبب بيعها السريع لأسهم بـ356 مليون دولار خلال دقيقة واحدة في فبراير. واعتذر الصندوق لاحقاً لتسببه في تأثير سلبي على السوق. ويعدل نموذجه لتقليل المبيعات اليومية للأسهم. أما «هاي فلاير»، فكبحت آلية الوصول المباشر للمشتقات في الأسواق المالية، بحسب مصادر.

وبالنسبة للبعض، فمن المرجح أن يكون لهذه التحركات تأثير مهدئ على الصناعة. وقال أحد مديري الصناديق الكمية في بكين: «إنها مرحلة نموذجية للعمل بطريقة اقتل الدجاج لإخافة القرود». وتابع: «إذا لم تستطع بعض الصناديق الكمية الرائدة تفادي العقوبة بسبب المبيعات السريعة في يوم أو دقيقة واحدة، فما بالك بما ستفعله بقية الصناديق بعد؟».

وركّزت السلطات خصوصاً على الرافعة المالية المقدمة من خلال آلية الوصول المباشر للسوق، وهو مسار حيوي للمتداولين الكميين. وفي السنوات الثلاث الماضية، تضاعف حجم هذا القطاع وحقق أرباحاً هائلة العام الماضي من استراتيجيات الرافعة المالية التي تضمنت المراهنة على أسهم ذات رأس مال صغير وتحوط مراكزهم بعقود الآجل على المؤشرات.

ووفقاً للبيانات التي جمعها لي مينغ، الباحث لدى «تشانغجيانغ فيوتشرز»، حقق أكثر من 1,300 صندوق كمي في الصين مكاسب في 2023. من بينها، حصل 227 صندوقاً تتداول في مؤشر «سي إس آي 1000»، المكون من أسهم ذات رأس مال صغير في سوقي شنغهاي وشنتشن، على عائد سنوي بنسبة 8.57% في المتوسط. في حين خسر مؤشر «سي إس آي 300» القياسي للأسهم ذات القيمة السوقية الكبيرة 11.4% في العام الماضي.

لكن هذه الاستراتيجية واجهت صعوبات في فبراير، حينما دفعت الصين الصناديق التي تديرها الدولة والمؤسسات المالية، التي يُطلق عليها «الفريق الوطني»، لشراء الصناديق المُتداولة في البورصة التي تتعقب أسهم الرسملة الكبيرة، وإعادة الاستقرار للسوق.

وتسبب حجم المُشتريات في سحب السيولة من السوق، وأدى ارتفاع أسهم الرسملة الكبيرة إلى رفع مؤشر الأسهم الأصغر، ما كبّد بعض الصناديق خسائر فادحة. وفقدت بعض الصناديق الكمية نحو 30% في فبراير وكانت على شفا الإغلاق، بحسب «تشانغجيانغ فيوتشرز».

واضطرت بعض الصناديق الكمية للتدخل يدوياً في أنظمتها لبيع الأسهم ذات رأس المال الصغير بينما كانت السوق مغلقة احتفاء بالعام الصيني الجديد، وفق أناس على اطلاع على التحركات. وهي خطوة نادرة الحدوث في عالم الصناديق الكمية التي عادة ما يُسمح فيها للأنظمة بمواصلة التداول في خضم مُختَلف ظروف السوق.

لكن هذا التدخل في حدّ ذاته فاقم تقلبات السوق، ما أسفر عن انخفاض كبير لمؤشر «سي إس آي 300» في أولى الجلسات بعد عودة العمل في الأسواق.

وهكذا بدأت قرارات لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية إحداث بعض التأثير. وتمكنت العديد من صناديق الاستثمار الكمي في الصين التي تتعرض لضغوط من وقف الخسائر، لكن وفقاً ليو جينغ وتشانغ جيانغوي، المحللين في شركة سولينك للأوراق المالية، فقد انخفض حجم الأصول التي يديرها القطاع بسبب خسائر الأداء وعمليات الاسترداد التي قامت بها المؤسسات الاستثمارية منذ فبراير.

وقال هوانغ سيميندي نائب رئيس صندوق «يانفو إنفستمنتس» الكمي للمستثمرين، خلال بث على الإنترنت، إن السوق صار أقل تنافسية وأقل ازدحاماً بعد الانخفاض الحاد للمراكز الممولة بالاقتراض.

لكن بالنسبة لآخرين، فقد حان الوقت للإذعان لنسخة السلطات من المنافسة المتكافئة.

«لم يأبه فريق التداول الكمي لدينا بالمعنويات، فقد كانوا يمنحون الأولوية لتحقيق فائض في العوائد على حساب استقرار السوق، ما أقلق المنظمين»، وفقاً لمسؤول تنفيذي لأحد أبرز الصناديق الكمية التي كانت بين من غيروا اتجاه محافظهم في فبراير. وأضاف: «لقد تعلمنا الدرس، وسنتخطى جميعنا هذه الصعوبات معاً».