عندما نسف المنظمون الصينيون عملية إدراج مجموعة «آنت جروب» بقيمة 37 مليار دولار عام 2020، لكبح جماح الإمبراطورية المالية لرجل الأعمال الملياردير جاك ما، أصبح مستقبل أعماله في الإقراض والمدفوعات محل شك.
لاحقاً، بعد 4 سنوات، تخلى جاك ما عن سيطرته على مجموعة «آنت» بعد أن أمرت بكين بعملية إعادة هيكلة مؤلمة لشركة التكنولوجيا المالية التابعة لشركة «علي بابا»، وفرضت عليها غرامة 7.12 مليارات رنمينبي، لتنخفض قيمة «آنت» بنحو 40% عن سعر الإدراج المقترح، وفقاً للسعر المعروض في عملية إعادة شراء الأسهم العام الماضي.
وبعد سنوات من الاختفاء عن الأنظار، بدأت «آنت» حملة توسع دولية مع قرب انتهائها من «حملة تصحيح» شاملة لأعمالها. وقدمت عرضاً غير متوقع لشراء وحدة الأوراق المالية الصينية التابعة لـ«كريدي سويس» في فبراير. كما تعمل على توسيع أعمالها بسرعة في المدفوعات الدولية بحثاً عن فرص للنمو في حقبة ما بعد جاك ما.
وقالت تيلي زانغ، المحللة في شركة «جافيكال دراجونوميكس» للأبحاث: «قد تحاول آنت توسيع أعمالها المالية مرة أخرى، ففي نهاية المطاف، التمويل متأصل بداخلها. وطالما أن هناك طريقاً أمامك، فمن الطبيعي أن تكون على استعداد للمحاولة».
وحالياً تعمل «آنت» في بيئة مختلفة تماماً عن عام 2020، عندما قامت 35 شركة صينية بجمع 13.8 مليار دولار من اكتتابات عامة أولية في أمريكا، بحسب شركة «ديلويت». وكان مشهوداً لها بأنها لاعب مستعد لإحداث ثورة في قطاع البنوك الصيني، وكانت تستفيد من زيادة المبيعات عبر الإنترنت لشركتها الأم «علي بابا»، التي كانت وقتها أكبر شركة تجارة إلكترونية في الصين.
منذ ذلك الحين، توترت العلاقات الجيوسياسية بين واشنطن وبكين، وشنت السلطات الصينية حملة على شركات التكنولوجيا لتفكيك مشهد الأعمال الاحتكاري الذي تهيمن عليه منصات الإنترنت.
ولم تعد «علي بابا» شركة التجارة الإلكترونية الأعلى قيمة في الصين، وأعادت هيكلة أعمالها لمواكبة منافسيها مثل «بيندودو»، في حين تخضع «آنت» والشركات التابعة لها لتنظيم مالي أشد صرامة.
وقالت زيرلينا زينغ، كبيرة محللي الائتمان في «كريديت سايتس»: «لقد تغيرت الظروف جذرياً، لقد تم كبح توسع آنت في قطاع الخدمات المالية التقليدية». وأضافت: «من الآن فصاعداً، ستكون منصات الخدمات المالية عبر الإنترنت هذه، بما في ذلك شركة آنت، جزءاً مكملاً لصناعة الخدمات المصرفية والمالية».
وبحسب الأرقام الواردة في نشرة إدراج «آنت» عام 2020، فإن غالبية إيراداتها البالغة 72.5 مليار رنمينبي في النصف الأول من تلك السنة، جاءت من أعمال التكنولوجيا المالية، وعلى رأسها القروض الاستهلاكية عبر الإنترنت. وقد خضع نشاط الإقراض لمزيد من التنظيم منذ ذلك الحين، بينما قلصت شركة «آنت» انكشافها الكلي على هذه الأعمال، ما أدى لانخفاض كبير في الأرباح.
ولا يزال «أليباي»، تطبيق المدفوعات الشهير في الصين، والذي كان ثاني أكبر مساهم في إيرادات شركة «آنت» خلال عام 2020، جزءاً من المجموعة.
ورغم أن شركة «آنت» لا تنشر بياناتها المالية، فقد انخفضت أرباحها السنوية بأكثر من النصف إلى 30.9 مليار رنمينبي عام 2022 بعد الحملة التنظيمية، بحسب حسابات صحيفة فاينانشال تايمز استناداً إلى تقارير أرباح «علي بابا» التي تمتلك 33% من أسهم الشركة. ومؤخراً، تراجعت أرباح «آنت» في الربع الثالث من 2023 بأكثر من 90% على أساس سنوي إلى 240 مليون رنمينبي. ورغم انخفاض الأرباح، فإن «آنت» لا تزال تحقق أرباحاً أكبر من بعض البنوك الإقليمية.
وبحثاً عن سبل للنمو، اتجهت «آنت» نحو قسم المدفوعات الدولية التابع لها، الذي كان يمثل أقل من 1% من حجم مدفوعات «أليباي» في البر الرئيسي للصين قبل 4 سنوات. ويتيح التطبيق للمستخدمين الصينيين أو الدوليين دفع ثمن البضائع التي يعرضها التجار ضمن شبكة «آنت» العالمية بالعملة المحلية.
وقام إيريك جينغ، الذي تم تعيينه رئيساً تنفيذياً لشركة «آنت» للمرة الثانية عام 2021 للإشراف على الإصلاح التنظيمي، بجولة عالمية للترويج للشركة. وفي 19 مارس، وقع على تغيير هيكلي لأعمال الدفع بالخارج، ما يسمح للشركة العمل باستقلالية، ومنح الموظفين برنامج حوافز للأسهم، وفقاً لبريد إلكتروني داخلي اطلعت عليه صحيفة فاينانشال تايمز.
وأشار محللون إلى أن جينغ ظهر في بكين في الشهر السابق على رحلته الترويجية، للمشاركة في حدث نظمه بنك الشعب الصيني لمناقشة خدمات الدفع الرقمية المصممة للسياح الأجانب، ما يشير إلى كيفية محاولة الشركة للتعاون مع حكومة تأمل في إحياء السياحة. وفي الغالب يعاني الزوار الأجانب عند الدفع؛ لأن التجار يقبلون فقط التطبيقات الصينية.
وقال جينغ خلال حدث في سنغافورة بشهر نوفمبر: «عند الذهاب إلى سوق جديدة، فالأمر لا يتعلق بتحقيق أرباح سريعة أو سحب الأموال. بالنسبة لنا، الأمر يتعلق دائماً بالالتزام والمساهمة المستمرة في الاقتصاد المحلي».
وفي وثيقة تتضمن تفاصيل عن التقدم المحرز صدرت في يناير، ذكرت «آنت» أن شبكتها للدفع تربط الآن أكثر من 88 مليون تاجر بـ1.5 مليار حساب استهلاكي على أكثر من 25 تطبيقاً في 57 دولة ومنطقة، لكنها لم تعلن هدفاً للنمو. ولم تستجب «آنت» لطلب التعليق.
وقال ليو مينغ، المحلل في شركة «فوريستر» للاستشارات: «التوسع العالمي هو الأولوية القصوى لشركة «آنت» هذا العام، والمحرك الوحيد لنمو أرباحها المستقبلية، لكن يجب على «آنت» ونظرائها الصينيين تقديم منتج أفضل بكثير للاستحواذ على حصة في الساحة العالمية لبرمجيات التكنولوجيا المالية».
وأحد الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها إجابة هو كيف يمكن أن تعمل «آنت» دون «جاك ما» بصفته حامل أسهم مسيطر وصانع القرار. ورغم أن رحيله خفف التوتر مع بكين، إلا أنه من المحتمل أن يترك الشركة أيضاً دون رؤية استراتيجية واضحة.
وقال دونغ شيمياو، كبير الباحثين في اتحاد التجار للتمويل الاستهلاكي: «أصبحت الحوكمة في «آنت» الآن أكثر توازناً وكفاءة، لكن بالطبع لها عيوب أيضاً، فقد تفقد المجموعة كفاءتها وقد يتم الاستحواذ عليها بسهولة من مؤسسات أخرى أو أفراد».
وثمّة سؤال آخر حول كيفية قيام «آنت» بتمويل عملية انتقال نموذجها التجاري بعد أن أضرت الحملة التنظيمية بأرباحها. ومن المقرر أن تقع كل شركات الإقراض الاستهلاكي تحت ضغوط مشابهة بعد أن فرضت الإدارة الوطنية للتنظيم المالي متطلبات رأسمالية صارمة على الجميع.
وقالت مصادر مطلعة إن أعمال القروض الاستهلاكية لشركة «آنت»، التي كانت في السابق الوحدة الأكثر ربحية في المجموعة، انخفضت إلى النصف تقريباً من ذروة محفظة القروض البالغة 2.2 تريليون رنمينبي، ومن المقرر أن تتقلص أكثر. وسيضغط على حجم الشركة وأرباحها سقف الرافعة المالية الذي فرضه المنظمون في 2021.
واعتمدت الوحدة على تحصيل الرسوم من طريق جذب العملاء الشباب عبر الإنترنت للحصول على قروض من البنوك الصينية الصغيرة. لكن لا تزال بعض هذه البنوك مجبرة من قبل الجهات التنظيمية على تقليل تعرضها لشركة «آنت» ومنصات الإنترنت الأخرى، وفقاً لاثنين من مديري البنوك.