في عام 2016، فاجأت شركة الاتصالات الفرنسية «أورانج» السوق بشراء حصة أغلبية في أحد البنوك، بهدف الدخول بقوة في القطاع المالي الأوروبي. لكن بعد خمس سنوات، حدث العكس في أستراليا، حيث استحوذ أكبر بنك في البلاد على حصة في شركة اتصالات أخرى تحمل علامة تجارية مرتبطة بالفواكه، وهي شركة تانجرين وشقيقتها مور تيليكوم.
لم يحقق بنك أورانج النتائج المرجوة في أوروبا - فقد أكمل خروجه من الخدمات المالية هذا العام، بعد أن تكبد خسائر بلغت مليار يورو. لكن تحرك بنك كومنولث الأسترالي (CBA) الأكثر تحفظاً نحو قطاع الاتصالات الأسترالي أثبت فعاليته بشكل أكبر، ودفع شركة الاتصالات الصغيرة التي دعمها إلى نمو.
قام بنك كومنولث الأسترالي بشراء حصة 25% في شركة الاتصالات الناشئة تانجرين ومور تيليكوم في عام 2021، كجزء من استراتيجيته للتوسع «خارج نطاق الخدمات المصرفية». وشكلت الاتصالات عنصراً رئيسياً في هذه الاستراتيجية؛ حيث استحوذ البنك أيضاً على حصص في شركة الطاقة أمبير، وشركة التجزئة ليتل بيردي، ومزود خدمة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» السويدي كلارنا.
ويقول أندرو برانسون، الرئيس التنفيذي لشركة مور تيليكوم، إن دعم بنك كومنولث الأسترالي ساعدنا بشكل خاص على تحقيق نمو مذهل، حيث احتلت الشركة المرتبة 259 في آخر تصنيف سنوي لصحيفة فاينانشيال تايمز لأسرع 500 شركة نمواً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 46.8% من عام 2019 إلى عام 2022. وأضاف برانسون: «أن تحقق شركة ناضجة معدلات نمو كهذه، هذا أصعب من الأيام الأولى».
وتأسست شركتا مور تيليكوم وتانجرين عام 2013 بعد أن باع الأخوان أندرو وريتشارد برانسون شركة اتصالات سابقة، وذلك تزامناً مع إطلاق شبكة النطاق العريض الوطنية (إن بي إن) في البلاد - وهي الشبكة المملوكة للحكومة والتي تستخدمها جميع شركات تقديم خدمات الاتصالات في البلاد.
وانتقل الأخوان برانسون، من مقاطعة سومرست في جنوب غرب إنجلترا، إلى أستراليا بعد تحديد فرصة في سوق الاتصالات. وحققت الشركتان نمواً سريعاً، وأصبحت تانجرين الآن واحدة من الشركات المنافسة المعروفة ضد اللاعبين الكبار تيلسترا وأوبتوس وتي بي جي/فودافون. لكن صفقة بنك كومنولث الأسترالي أدت إلى نمو مور تيليكوم بشكل أسرع، حيث كان عملاء العلامة التجارية في البداية هم الشركات الصغيرة، إلا أنها توسعت إلى سوق المستهلكين من خلال الشراكة مع البنك، ما حولها إلى واحدة من أسرع الشركات نمواً في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
وتتوقع الشركة، التي لديها 400 موظف ودخلت مجال الهاتف المحمول قبل 18 شهراً، أن تمتلك 3% من سوق شبكة النطاق العريض الوطنية الأسترالية بحلول يونيو، وهو ما يعادل 300,000 عميل. وتتوقع زيادة حصتها إلى 4% بحلول عام 2025. وقد جاء ما يقرب من نصف هذا الزخم في العملاء من خلال بنك كومنولث الأسترالي.
ويستخدم بنك كومنولث الأسترالي خدمات مور تيليكوم بشكل مشابه لبرنامج ولاء لملايين عملائه، حيث يقدم خصومات على النطاق العريض لمن يقدمون على رهن عقاري عبر البنك. كما يمكن للمستخدمين التحقق من بياناتهم ودفع الفواتير عبر تطبيق.
وقال بن مورجان، رئيس قسم الاستثمارات والتحول في بنك كومنولث الأسترالي، إنه تم تكليفه بدخول أسواق مثل الاتصالات والطاقة قبل بضع سنوات، حيث كان البنك يدرس طرقاً للحماية من صعود مؤسسات غير مصرفية تقدم خدمات مالية. وأدى نجاح الشراكة مع مور تيليكوم إلى زيادة حصة البنك في السوق إلى 30% العام الماضي.
وأكد مورجان أن الاختلاف يكمن في أن بنك كومنولث الأسترالي استحوذ على حصة مباشرة في شركة الاتصالات وشغل مقعداً في مجلس إدارتها. وهذا يعني أن الشركتين ترتبطان بشكل أعمق مقارنة بالنموذج التقليدي المتمثل في إبرام اتفاقية إعادة بيع، حيث تميل هذه الاتفاقيات إلى أن تستند إلى تعاقدات وعمولات وأهداف أداء قد لا يتم تحقيقها أبداً. ويقول «لقد ربطنا أنفسنا معاً. وهذا داخلياً يجعل من السهل دفع عملية التكامل».
ويؤكد أن بنك كومنولث الأسترالي ليس لديه أي خطط ليصبح شركة اتصالات: «نريد أن تكون مستقلة. نريد أن يتصل بها العملاء، وليس بنا، إذا كانت لديهم مشكلة في النطاق العريض». ولهذا الغرض، بدأت شركة مور تيليكوم في تركيب أكشاك في بعض فروع بنك كومنولث الأسترالي، مع وجود موظفين لمساعدة العملاء.
ويقول برانسون إن مفتاح الحفاظ على نمو كل من مور تيليكوم وتانجرين هو الحفاظ على كفاءتهما، حيث من المتوقع أن تحقق العلامتان التجاريتان إيرادات تقدر بنحو 250 مليون دولار أسترالي (164 مليون دولار) هذا العام.
ومع ذلك، فهذا النموذج ليس وحيداً، فهناك علامات تجارية منافسة أخرى في أستراليا، مثل شركة «أوسي براودباند» و«سوبرلوب»، التي استحوذت عليها شركة الطاقة «أوريجين» في وقت سابق من هذا الشهر لدعم طموحاتها الخاصة.
وتسيطر شركات تشغيل الشبكات الكبرى على أسواق الاتصالات حول العالم، ما يثير المخاوف بشأن المنافسة والأسعار المرتفعة. ولكن في أستراليا، يقول برانسون إن المستقبل لا يزال مشرقاً أمام شركات الاتصالات الصغيرة: «نحن نحافظ على نزاهة الشركات الكبرى ونكسب حصة سوقية منها».