يشكل الطلاب الذين يسلّمون تفكيرهم إلى أدوات الذكاء الاصطناعي خطراً على أرباب العمل في المستقبل، بل وأكثر من ذلك. فقد التقيت منذ بضعة أيام بأكاديمي بريطاني ذكر شيئاً عن الذكاء الاصطناعي أصابني بالذهول.

أوضح هذا الأكاديمي أن عدد الطلاب الذين يعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي مثل «شات جي بي تي» لكتابة الأبحاث، يمثل مشكلة أكبر بكثير مما قيل على الملأ.

وأصبح الغش باستخدام الذكاء الاصطناعي داخل مؤسساتهم شائعاً لدرجة فصل عدد هائل من الطلاب؛ بسبب سوء السلوك الأكاديمي – حتى أن بعض المساقات فقدت معظم أعداد الملتحقين سنوياً. وقال لي الأكاديمي: «لقد سمعت أرقاماً مماثلة من جامعات عدة».

وقد يكون من السهل اكتشاف الأبحاث المشكوك فيها؛ لأنه عندما يتم سؤال الطلاب حول سبب قيامهم بإدراج مصطلحات أو مصادر بيانات معينة لم تُذكر في المساقات، حينها يبدون في حيرة من أمرهم. «من الواضح أنهم لم يسمعوا حتى عن بعض المصطلحات التي تتناولها أبحاثهم».

ومع ذلك، يمثل الاكتشاف فقط نصف المعركة. وقد يكون إقناع المسؤولين بمعالجة المشكلة أمراً معقداً، خاصة عندما يكون الجناة طلاباً دوليين يدفعون رسوماً دراسية أعلى من الطلاب المحليين. ولأن الجامعات تعتمد بدرجة كبيرة على تلك الرسوم، لا يوافق بعض المسؤولين على المحاولات المبذولة لكشف المشكلة. أو كما وصفه هذا الشخص: «إن كشف التجاوزات يهدد الحياة المهنية».

والحقيقة أن الأمر ينطوي على مخاطر أكثر من مجرد الإجحاف المتمثل في حصول الطلاب الغشاشين على أفضلية على الطلاب النزيهين. ولنتأمل في احتمالية تخريج الخبراء المزعومين إلى العالم، وتعيينهم في منظمات، سواء في قطاع الخدمات الصحية أو العسكرية، حيث يتبوؤون مناصب لا يتمتعون بالمؤهلات اللازمة لها.

إذاً، ما مدى انتشار مشكلة الغش؟

ظهرت المخاوف حيال إحداث «شات جي بي تي» تحول في المشهد التعليمي فور إطلاق الأداة خلال شهر نوفمبر 2022، ومنذ ذلك الحين، استمرت التقنية في التقدم. وبينما أكتب هذه الكلمات، أفاد زملائي في صحيفة فايننشال تايمز أن شركة «أوبن إيه آي»، التي طوّرت «شات جي بي تي»، وشركة «ميتا» على وشك إطلاق نماذج ذكاء اصطناعي محسنة قادرة على التفكير والتخطيط.

إلا أن الأثر الحقيقي للذكاء الاصطناعي على الفصول الدراسية غير واضح.

ففي الولايات المتحدة، قال باحثون من جامعة ستانفورد العالم الماضي، إنه لا يبدو أن معدلات الغش تأثرت بالذكاء الاصطناعي. فقد اعترف نحو 70 % من طلاب المدارس الثانوية منذ فترة طويلة بالتورط في شكل من أشكال غش، وبعد مرور عام تقريباً من إطلاق «شات جي بي تي» ظلت هذه النسبة دون تغيير.

وفي الجامعات، تشير الأبحاث إلى أن نصف الطلاب من مستخدمي تقنيات الذكاء الاصطناعي بانتظام ـ وليس بالضرورة للغش ـ غير أن قرابة 12 % يستخدمونها يومياً.

وعندما يتعلق الأمر بعدد أبحاث الطلاب المكتوبة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، يبدو أن المعدلات ثابتة نسبياً، وفقاً لـ«تورنيتين»، وهي عبارة عن مجموعة برامج للكشف عن عمليات الاحتيال ولديها أداة للتحقق من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وأفادت أنه على مدار الـ12 شهراً الماضية، قدّم الطلاب أكثر من 22 مليون ورقة بحثية ساعدت أدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة في 11 % من إجمالي الأوراق التي تم مراجعتها. وفي أكثر من 6 ملايين ورقة بحثية، أو 3 % من الإجمالي، تضمنت ما لا يقل عن 80 % من المحتوى المكتوب بواسطة الذكاء الاصطناعي.

ويمثل ذلك عدداً كبيراً من الأوراق البحثية. ومع ذلك، فإن النسبة المئوية للأبحاث المكتوبة بمساعدة الذكاء الاصطناعي تكاد تكون مماثلة لما وجدته «تورنيتين» العام الماضي عندما أجرت تقييماً مماثلاً.

وقال كريس كارين، الرئيس التنفيذي لـ«تورنيتين»: «كانت معدلات استخدام الذكاء الاصطناعي ثابتة»، وكما أخبرني الأسبوع الماضي، فإن مجرد استخدامك «شات جي بي تي» لا يعني بالضرورة أنك تغش.

وأوضح قائلاً: «يسمح بعض المعلمين وأعضاء هيئة التدريس بقدر معين من المساعدة بالذكاء الاصطناعي في كتابة الأبحاث، لكنهم يحتاجون أيضاً إلى الإسناد الصحيح». وأضاف: «يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي مفيداً للغاية في إجراء الأبحاث وتبادل الأفكار».

أنا متأكدة من صحة ذلك. ويجب أن نعترف أن أعضاء هيئة التدريس بالجامعات يستخدمون بشكل متزايد الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم في كتابة الخطط الدراسية، وأعرف بعض الأشخاص الذين حاولوا استخدامه لتصحيح المقالات – ولكن بلا جدوى.

ومع ذلك، ما زلت أجد الأمر مقلقاً عند التفكير بأن عدداً كبيراً من الطلاب يستخدمون أدوات مثل «شات جي بي تي» بطريقة يمكن أن تنطوي على مخاطر محتملة بالنسبة لأرباب العمل، والمجتمع ككل.

إضافة إلى ذلك، تعمل بعض الجامعات على تكثيف التقييمات وجهاً لوجه، لكشف وردع عمليات الغش المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. وأنا على يقين من استمرار ذلك، لكن سيكون من المفيد أيضاً تشجيع الأكاديميين على كشف المشكلة وعدم قمع محاولات حلها. وكما قال الأكاديمي الذي تحدثت معه، فإن الهدف من الذهاب إلى الجامعة هو معرفة كيفية التعلم. ويُفترض أن تعلمك هذه المؤسسة كيفية التفكير بنفسك وتقييم الأدلة، وليس مجرد سرد الحقائق والأرقام.

فأي شخص يسلم تفكيره إلى أداة سينتهي به الأمر إلى إيذاء نفسه أكثر من غيره.