شرعت الحكومة البريطانية في صياغة تشريعات جديدة لتنظيم الذكاء الاصطناعي، بعد أشهر من تعهد رئيس الوزراء «بعدم التسرع» في وضع قواعد لهذه التكنولوجيا سريعة النمو.

من المحتمل أن تفرض هذه التشريعات قيوداً على إنتاج نماذج لغوية كبيرة، وهي تقنية عامة الأغراض تعتمد عليها منتجات الذكاء الاصطناعي، مثل: تشات جي بي تي من شركة أوبن إيه أي، وفقاً لمصدرين مطلعين على الأمر.

وقال المصدران إنه لم يتحدد بعد ما يغطيه هذا التشريع، أو متى يتم إصداره، وأشارا إلى أنه لن يتم طرح أي شيء قريباً، لكن أحدهما قال إنه من المحتمل أن يلزم التشريع الجديد الشركات المطورة للنماذج الأكثر تقدماً بمشاركة خوارزمياتها مع الحكومة، وتقديم أدلة على أنها أجرت اختبارات السلامة.

تأتي هذه الخطط في الوقت الذي أصبح فيه المنظمون، بما في ذلك هيئة مراقبة المنافسة في المملكة المتحدة، أكثر قلقاً حيال الأضرار المحتملة، وتتراوح هذه المخاطر من احتمال أن تؤدي التكنولوجيا إلى تحيزات تؤثر على فئات معينة من السكان، إلى الاستخدام المحتمل للنماذج العامة لإنشاء مواد ضارة.

وقال أحد المطلعين على الأمر: «يبحث المسؤولون المضي قدماً في تنظيم أقوى لنماذج الذكاء الاصطناعي»، مضيفاً أن وزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا «تحدث تفكيرها» حيال الشكل الذي قد تبدو عليه تشريعات الذكاء الاصطناعي.

وقال المصدر الآخر إن القواعد ستنطبق على نماذج اللغات الكبيرة التي تقف وراء منتجات الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي، وليس على التطبيقات نفسها.

وحذرت سارة كارديل، الرئيسة التنفيذية لهيئة المنافسة والأسواق البريطانية، الأسبوع الماضي من أنها تشعر «بمخاوف حقيقية» من أن عدداً قليلاً من شركات التكنولوجيا التي تخلق نماذج أساسية للذكاء الاصطناعي «قد تمتلك القدرة والحافز على تشكيل هذه الأسواق لصالحها الخاص».

وحددت الهيئة التنظيمية «شبكة مترابطة» تضم أكثر من 90 شراكة واستثماراً استراتيجياً تشارك فيها نفس الشركات: غوغل وآبل ومايكروسوفت وميتا وأمازون وإنفيديا.

كانت المملكة المتحدة مترددة في الضغط من أجل تدخلات قانونية في تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي، خشية أن تؤدي القوانين الصارمة إلى إعاقة نمو الصناعة، وبدلاً من ذلك، اعتمدت على اتفاقيات طوعية مع الحكومات والشركات، مستبعدة التشريعات على المدى القصير.

في نوفمبر الماضي، قال اللورد جوناثان كامروز، وزير الذكاء الاصطناعي، إنه لن يكون هناك قانون بريطاني بشأن الذكاء الاصطناعي «على المدى القصير».

وكان ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، قد صرح قبل شهر من ذلك «إن إجابة المملكة المتحدة هي عدم التسرع في التنظيم».

وقال سوناك في أكتوبر: «هذه مسألة مبدأ، نحن نؤمن بالابتكار، كيف يمكننا وضع قوانين منطقية لشيء لم نفهمه بعد بشكل كامل؟».

اتخذ الاتحاد الأوروبي نهجاً أكثر صرامة، ووافق البرلمان الأوروبي الشهر الماضي على بعض من القواعد الأولى والأكثر صرامة، لتنظيم هذه التكنولوجيا، من خلال قانون الذكاء الاصطناعي.

وانتقدت شركات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي قواعد الاتحاد الأوروبي، التي يرونها إفراطاً في التنظيم يمكن أن يعوق الابتكار.

وقد دفعت هذه التشريعات الصارمة دول أخرى، مثل كندا والإمارات العربية المتحدة، إلى التدخل ومحاولة جذب بعض شركات التكنولوجيا الأوروبية الواعدة للانتقال إلى مقارٍ جديدة.

حتى الآن، فوضت المملكة المتحدة المسؤولية إلى الجهات التنظيمية القائمة لتوضيح التشريعات الحالية التي تنطبق على الذكاء الاصطناعي، وقد طلب من هذه الجهات الرقابية تقديم ملفات بحلول نهاية الشهر الحالي توضح كيفية اعتزامها تنظيم الذكاء الاصطناعي في مجالات عملها.

تبحث هيئة تنظيم وسائل الإعلام أوفكوم التي نشرت نهجها، في كيفية تغطية الذكاء الاصطناعي التوليدي من خلال قانون السلامة على الإنترنت، الذي تم إقراره في أكتوبر، لحماية الأطفال والبالغين على الإنترنت.

وحدد المسؤولون الحكوميون ما يسمى بنماذج الذكاء الاصطناعي «للأغراض العامة» - تلك التي تتمتع بدرجة عالية من الذكاء وقابلة للتكيف للاستخدام في مجموعة واسعة من المهام - كأهداف محتملة لمزيد من التدخلات القانونية والتنظيمية في استجابة تشاورية حديثة.

وانتقدت شركات التكنولوجيا هذا النهج الذي يستهدف النماذج حسب الحجم، مثل «الأغراض العامة» أو «النماذج الحدودية» التي تستخدم غالباً لوصف نماذج اللغة الكبيرة التي تستند عليها تشات جي بي تي أو جيميناي من غوغل.

وقال نيك كليغ، رئيس الشؤون العالمية في ميتا الثلاثاء الماضي: «في الوقت الحالي، يعمل المنظمون على قاعدة بديهية إلى حد ما، إذا كانت النماذج المستقبلية ذات حجم معين أو تتجاوز حجماً معيناً، لذلك يجب أن يكون ثمة قدر أكبر من الإفصاح».

وأضاف: «لا أعتقد أن أي شخص يفكر أن هذه هي الطريقة الأكثر عقلانية للتعامل مع الأمور بمرور الوقت، لأنه في المستقبل سيكون لديك نماذج أصغر حجماً تم ضبطها بدقة لأغراض معينة يمكن القول إنها تستحق تدقيقاً أكبر من النماذج الضخمة جداً، أو الكبيرة جداً متعددة الأغراض، والتي قد تكون أقل إثارة للقلق».

وقال متحدث باسم الحكومة: «كما قلنا سابقاً، ستحتاج جميع البلدان في النهاية إلى إدخال شكل من أشكال تشريعات الذكاء الاصطناعي، لكننا لن نتسرع في القيام بذلك حتى يكون هناك فهم واضح للمخاطر».

«هذا لأنه سيؤدي في النهاية إلى إجراءات ستصبح بسرعة غير فعالة وعفا عليها الزمن».