نشر «رايفايزن بنك إنترناشونال» النمساوي أخيراً عشرات الإعلانات عن وظائف في روسيا، ما يشي بخطط طموحة للنمو في البلاد، في تناقض واضح مع تعهداته الرسمية بالخروج من السوق الروسية.
عثرت «فايننشال تايمز» على العروض بين أكثر من 2,400 إعلان نشرهم المصرف النمساوي في روسيا منذ ديسمبر الفائت، يتعلق ما يقرب من 1,500 منها بوظائف في إدارة المبيعات وخدمة العملاء.
أفاد أحد إعلانات الوظائف، وأصدرته وحدة المصرف للأعمال متوسطة الحجم في روسيا، بأن «الأهداف الأساسية تتمثل في توسّع متعدد لقاعدة العملاء النشطين ونمو مستقر للدخل بمعدل عشري».
وجاء في إعلان آخر لقسم يستهدف الشركات الصغيرة في روسيا، أن «رايفايزن»، «يبحث عن مدير علاقات عملاء سيعمل على اجتذاب العملاء». وأشار إعلان آخر إلى أن الشركة «توسّع قاعدة العملاء من الشركات بفعالية» من أجل خدمات الرواتب.
تتناقض الإعلانات على ما يبدو والبيانات المتكررة من «رايفايزن» حيال اعتزامه تقليص وبيع أعماله في روسيا، بعد قرار الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022. وبعد مضي عامين، يُعد المصرف هو أكبر مقرض غربي من حيث العمليات في روسيا. ويخضع المصرف لتدقيق مسؤولين في وزارة الخزانة الأمريكية، وتعرّض لضغوط من المصرف المركزي الأوروبي للتخارج من روسيا.
وعند التواصل معه طلباً للتعليق، قال «رايفايزن» إن ما عثرت عليه «فايننشال تايمز» تسبب في صدور أمر من يوهان ستروبل، الرئيس التنفيذي، بإجراء تحقيق فوري.
وبحسب تقرير تسلّمه ستروبل من مجلس إدارة التابعة الروسية، فقد نُشِرَت هذه الإعلانات باستخدام صيغة ومعلومات نمطية عن المصرف وطموحاته في روسيا التي، وعن طريق الخطأ، لم تخضع للتحديث منذ ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية.
وأعلن «رايفايزن» في بيان: «سيستمر تقليص حجم الأعمال في روسيا خلال 2024. لقد واصل رايفايزن العمل على صفقة مُحتملة، أو عملية بيع أو فك للأواصر، ما قد يسفر عن انفصال رايفايزن رشا عن المجموعة».
وتابع البيان: «لا تعكس الإعلانات التدابير التي اتخذها «رايفايزن» بنك إنترناشونال الرامية إلى تقليص أعماله في روسيا، ولا تنسجم والخطط المستقبلية للأعمال المُنفذة في روسيا».
من جهته، صرح أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في النمسا بأن الإعلانات «محرجة للغاية»، وأسفرت عن رد فعل مذعور تسبب في سحبها وإعادة صياغتها على الفور.
وأكد المسؤولون التنفيذيون لدى «رايفايزن» أنهم كانوا في وضع حرج ولا مفر منه. وأوضح المسؤولون أن الأرباح التي تُجنى في روسيا لا يمكن إعادتها إلى الشركة الأم، وأن أي بيع للأعمال سيتطلب موافقة الكرملين. وفي الوقت ذاته، يحتاج المصرف إلى أن تظل أعماله في روسيا قائمة لاجتذاب مشتر لها.
قلّص «رايفايزن» من أعمال الإقراض في روسيا، ويعتزم مواصلة السير على ذات الطريق. وتجدر الإشارة هنا إلى تراجع سجل القروض بنسبة 56 % منذ أوائل 2022. كما أنهى المصرف كافة العلاقات المصرفية بالمراسلة مع مصارف روسية أخرى.
لكن ومن بين المصارف الأوروبية التي ما زالت تعمل في روسيا وتكشف أعداد موظفيها، يُعد «رايفايزن» الوحيد الذي عمل على زيادة عدد موظفيه على مدى الفترة ذاتها بنسبة 6.6 % إلى 9,942 موظفاً اعتباراً من ديسمبر 2023. ويأتي «يونيكريديت» باعتباره ثاني أكبر المصارف الغربية في روسيا ويوظف 3,171 بنهاية 2023، مقارنة بـ4,383 قبل عامين.
وذكر مسؤول تنفيذي بارز في مصرف أوروبي منافس يعمل في روسيا أن «رايفايزن» كان يقتنص موظفيه في البلاد من مجموعة من المهام وخطوط الأعمال.
نوّهت عدة إعلانات من الوظائف المنشورة على الإنترنت إلى سعي المصرف نحو استراتيجية نمو في روسيا. وجاء في عرض وظيفة يطلب مدير فرع: «نحتاج فريقاً قوياً ومتحداً من أجل مواصلة النمو».
وبيّن عرض آخر يطلب شخصاً للعمل ضمن فريق تجزئة إقليمي، الحاجة لشخص من أجل «توسيع قاعدة العملاء، واجتذاب عملاء جدد، وزيادة تدفق العملاء»، فيما أشار إعلان آخر إلى خطة «لتنمية العملاء النشطين في منتجات أسواق رأس المال الأساسية».
سلّطت وظيفة أخرى متعلقة بمجال مكافحة غسل الأموال، الضوء على «أهداف طموحة لتنمية الأعمال مع المؤسسات المالية، وكذلك المصارف الأجنبية».
أرجع «رايفايزن» العدد الكبير من الإعلانات إلى مشكلات في استبقاء الموظفين. ويتحتم على المصرف دفع أجور باهظة وعلاوات للإبقاء على موظفيه العاملين في مجال المبيعات المُثقلين بالأعمال حالياً، منوّهاً إلى حاجته لهم مع ذلك ليتمكن من بيع أعماله. وأضاف المصرف أن السوق للحصول على مثل هؤلاء الموظفين تنافسية.
وقال المصرف، الذي يتخذ من فيينا مقراً له، إن زيادة أعداد الموظفين على مدى العامين المنصرمين تُعزى في الأساس إلى توسّع قسم تكنولوجيا المعلومات في التابعة، الذي يعمل على تأسيس بنية حاسوبية مستقلة للمصرف قبل البيع المُحتمل. ومع ذلك، أعلن المصرف انكماش عدد الموظفين العاملين في مجال المبيعات منذ بدء الحرب الأوكرانية، وأن العدد سيواصل انخفاضه.