تحتاج بريطانيا لمزيد من المال. فقوائم الانتظار في المستشفيات طويلة جداً، والقضايا متراكمة في المحاكم، وقوات الشرطة مضغوطة.
وطلبات الإنفاق المستقبلية ترتفع أيضاً. تعداد السكان يشيخ، والمعدات الدفاعية تحتاج لتحديث، ويتطلب الانتقال الأخضر مزيداً من رأس المال.
ورغم كل هذا، فالمالية العامة تقف على أرضية هشة. ويتعلق تحقيق استقرار مسار ديون المملكة المتحدة على استقطاعات غير واقعية من الإنفاق على الخدمات العامة بعد انتخابات هذا العام. وأياً من كان سيفوز بهذه الانتخابات فإنه سيحتاج إلى إيجاد سبيل لتعزيز الإيرادات.
على المدى القريب، لا يمكن الاعتماد على النمو الاقتصادي الأقوى لتعزيز حصيلة ضريبية أعلى. فآخر توقعات صندوق النقد الدولي لاقتصاد المملكة المتحدة، الصادرة الثلاثاء، تشير إلى متوسط معدل نمو سنوي يزيد طفيفاً على 1 % حتى 2026.
وهناك ضرورة لاتخاذ إجراءات لزيادة الإنتاجية، مثل إصلاح التخطيط وتحديث البنية التحتية ورفع مستوى المهارات، لكنها ستستغرق وقتاً لتؤتي ثمارها.
وهذا يعني أنه من المرجح أن ترتفع معدلات الضرائب، على الأقل لفترة مؤقتة، لتحريك ماليات البلاد وخدماتها العامة لتقف على أرض أكثر صلابة. لكن كيفية تحديد هذه الزيادات الضريبية أمر مهم.
فقد ألغى وزير الخزانة المحافظ جيريمي هانت في موازنته المعلنة الشهر الماضي نظام «ضرائب غير المقيمين» ليختطف أحد أبرز التدابير التي كان حزب العمال ينظر في اتخاذها.
ما مكن الأفراد الذين يعيشون في المملكة المتحدة لكن موطنهم الدائم في الخارج، تفادي دفع الضريبة البريطانية على دخلهم الأجنبي وأرباحهم لمدة 15 عاماً.
وقال هانت إن التغيير سيساعد في تحصيل نحو 2.7 مليار جنيه إسترليني سنوياً، فيما اشتمل الإلغاء على تسهيلات صممت لتسهيل الانتقال إلى نظام بدون ضرائب على غير المقيمين.
وفي الأسبوع الماضي، اقترحت راشيل ريفز وزيرة الخزانة في حكومة الظل إزالة بعض الثغرات فيها.
ويقول خبراء إن التغييرات التي أجراها هانت بالفعل أضرت بجاذبية المملكة المتحدة، لكن اتخاذ تدابير إضافية قد يحفز الأثرياء على مغادرة البلاد.
وبينما يتنافس الحزبان على زيادة الإيرادات، فلابد أن تكون هذه الحادثة بمثابة تذكير بأنه لا يوجد شيء اسمه ضريبة «بلا ضحية».
لكن المقترحات تحتاج إلى الموازنة بين الحاجة إلى جمع المال مع حماية تنافسية المملكة المتحدة التي تضررت أخيراً.
وقد تسبب «بريكست» بالفعل في أفول بريق مدينة لندن بعض الشيء. ورفع حزب المحافظين معدل الضرائب على الشركات من 19 % إلى 25 %، وإن كان لا يزال أقل من بعض الدول الأخرى.
ويأتي قرار ريفز الأسبوع الماضي بعد مقترح بجمع نحو 500 مليون جنيه إسترليني عن طريق سد ثغرة «الفائدة المحمولة» الضريبية التي تسمح بفرض ضريبة قدرها 28 % على أرباح رأس المال على المسؤولين التنفيذيين لشركات الأسهم الخاصة.
ولطالما كان الوقت مناسباً لإجراء إصلاحات على ضريبة غير المقيمين والفائدة المحمولة، التي ينظر كثيرون إليهما على أنهما مواتيتان للأثرياء على نحو غير عادل.
لكن على الساسة أن يأخذوا بعين الاعتبار الأعباء التراكمية لممارسة الأعمال في بريطانيا، والرسائل الأوسع نطاقاً التي تبعث بها.
يتمتع الأثرياء بكونهم غير مُقيدين، وهناك دول أخرى لديها أنظمة ضريبية أكثر سخاءً مستعدة لاستضافتهم. مارس ضغطاً أكثر من اللازم وستنخفض القاعدة الضريبية في البلاد.
النقاشات عن تفاصيل النظام الضريبي للمملكة المتحدة محلّ ترحاب، لكن التعديلات التي يتكالب كلا الحزبين على تنفيذها تافهة مقارنة بحجم تحديات المالية العامة التي تواجه الحكومات المستقبلية.
والمملكة المتحدة تحتاج إلى خطة نمو واضحة، وليس إعانات الدعم الصناعية المبعثرة المعمول بها حالياً. يجب بعد ذلك إخضاع القرارات الضريبية للهيكلة في ضوء هذه الرؤية.
وإذا ما كان للضرائب أن ترتفع، فإن إعلان خطة بشأن توقيت وكيفية فعل هذا ستكون أكثر ملاءمة لتخطيط الأعمال والاستثمارات.
وتبني خطاب عام أكثر صدقاً حيال الضرائب يصب في صالح البلاد أيضاً.
فعلى سبيل المثال، ستكون تطلعات هانت إلى التخلي عن جزء من التأمين الوطني، الذي يعود على الخزانة بأكثر من 150 مليار إسترليني سنوياً، قرار غير مسؤول دون أن يكون مصحوباً بخطة واقعية بشأن الإنفاق.
ليس بوسع بريطانيا أن تَعِد بتوفير المستويات الأوروبية للخدمات العامة، مع مستويات الضرائب الأمريكية، وخاصة في ضوء ضعف معدل النمو الحالي الذي تعيشه البلاد. وإذا ما واصلت بريطانيا تجاهل هذا الواقع، فلن تزداد مشكلاتها إلا تراكماً.