عفريت الغيرة أخضر العينين، الذي كتب عنه شكسبير، يترصد كبرى الشركات العامة بالمملكة المتحدة وأوروبا.

حيث ينظر كبار المسؤولين التنفيذيين عبر الأطلسي لنظرائهم الأمريكيين الذين يحصلون على أجور أعلى من أي وقت مضى، فيشعرون بغيرة صريحة.

يتعلق قدر من هذا بالحجم، فأكبر الشركات الأمريكية تجني إيرادات وأرباحاً ليس بوسع غالبية المجموعات الأوروبية إلا أن يحلموا بها، لكن الأمر كذلك ينطوي على عنصر ثقافي قوي.

عندما أجرى المستشارون لدى «ديلويت» مؤخراً مقارنة بين أجور كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات متماثلة الحجم، توصلوا إلى تساوي الشركات في المملكة المتحدة مع الواقعة غرب أوروبا، في حين كان متوسط الأجور في الشركات الأمريكية أعلى كثيراً.

لكن شركات العالم القديم تقلق من ثورة المساهمين عندما تقترب حزمة الراتب من 10 ملايين إسترليني. في الوقت نفسه، كانت هناك مقاومة ضعيفة عندما تلقى الرؤساء التنفيذون الأعلى أجراً في أمريكا أكثر من 40 مليون دولار.

وزاد اتساع هذه الفجوة في المملكة المتحدة انخفاض الإسترليني الذي لم يتعافَ كلياً بعد من هبوطه الناجم عن التصويت على «بريكست» في 2016. واليوم تقل رواتب المسؤولين التنفيذيين في المملكة المتحدة كثيراً عند قياسها بالدولار.

ويمكن لحزم الرواتب الكبيرة مفاقمة انعدام المساواة وتأجيج الاستياء الشعبي، لكن يتحتم على الشركات العالمية أن تتنافس فيما بينها للاستئثار بالمواهب في العالم الحقيقي لا في مجتمع مثالي، لكن الأمر لا يتعلق بجشع الرؤساء التنفيذيين فحسب.

تثبيت الأجور الأعلى يضغط على الرواتب الأدنى، ما يدفع بالطموحين لأماكن أخرى. وتعاني المملكة المتحدة من ارتفاع معدل انتقال المديرين الماليين، ولا يمكنها تحمل انتشار هذه المشكلة. وتبلورت المخاوف من تأثير الأجور على التنافسية في الشركات التي لديها أقسام كبيرة في أمريكا أو تتنافس مع منافسين هناك.

وفقدت الشركة المصنعة للأجهزة الطبية «سميث آند نيفيو» رئيسها التنفيذي السابق نامال ناوانا عام 2019 لرغبته في راتب أعلى، ومر على الشركة أربعة رؤساء تنفيذيين خلال خمسة أعوام.

وحالياً يطلب مجلس إدارة الشركة من المستثمرين الموافقة على تعزيز حزمة رواتب المسؤولين التنفيذيين لعملياتها في الولايات المتحدة، بما في ذلك الرئيس التنفيذي، ديباك ناث، الذي سيرتفع الحد الأقصى لراتبه نحو 30% إلى 11.79 مليون دولار.

«سميث آند نيفيو» ليست الوحيدة في ذلك، فقد واجه بنك «سانتاندير» الإسباني، وشركة «أسترازينيكا» لصناعة الأدوية، المدرجة في المملكة المتحدة، تمرداً من المساهمين مؤخراً، لزيادة أجور كبار المديرين التنفيذيين. كما أن الزيادة التي أقرتها مجموعة بورصة لندن للأوراق المالية بنسبة 76% لرئيسها التنفيذي ستخضع للتصويت الأسبوع المقبل.

وحسب بحوث «ديلويت» تسعى 9 من كل 16 شركة مدرجة على مؤشر «فوتسي 100»، إلى اقتراح سياسات جديدة لتقديم زيادات كبيرة في الأجور، وذلك ارتفاعاً من 4 بين كل 29 شركة العام الماضي. وقال الشريك ميتول شاه: «أصبحت مجالس الإدارة أكثر شجاعة، إذ أدركت أن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله».

لن أتمادى في الأمر، لكن هناك وجهة نظر يجدر الانتباه لها في تعليقات روبرت سومرز، رئيس مجلس إدارة «سميث آند نيفيو»، الذي قال إن الموقف التاريخي النبيل للمملكة المتحدة بشأن الأجور المرتفعة «ليس مستداماً في الواقع».

لكن إن كانت الشركات البريطانية والأوروبية ستدفع أجوراً أعلى فهي إذا بحاجة إلى أن تفعل ذلك بطريقة ذكية، فربط الأجر بالأداء أمر مسلم به، لكن يجب التفكير فيه بعناية.

فكما دفع القطاع المصرفي ثمن ما تعلمه في 2008، يمكن أن تتسبب جاذبية يوم دفع الراتب الكبير في رؤية ضيقة وسوء تصرف صحيح، ما يؤدي لاتخاذ قرارات تعزز العوائد على المدى القصير، لكنها تراكم المشكلات إلى وقت لاحق.

وتجبر الجهات التنظيمية حالياً المصارف على توزيع مدفوعات الحوافز على سنوات عدة، وتوقيع عقود عمل تسمح لهم باسترداد الأجور، أو إمساك المكافآت المؤجلة إذا زادت الخسائر في السنوات الأخيرة.

وتدعي كثير من الشركات الأخرى أن خططها للحوافز طويلة الأجل تتضمن بنود الاسترداد وسوء الأداء، لكن ليس من الواضح أنها تعمل حقاً، فقد استردت «ريو تينتو» 2.7 مليون إسترليني من مكافأة الرئيس التنفيذي السابق، جون سيباستيان جاك في 2020، بعد إجباره على الاستقالة، بسبب تدمير موقع مقدس للسكان الأصليين في أستراليا.

رغم ذلك، ارتفع راتبه بنسبة 20% عن هذا العام، لأن مجلس الإدارة توصل إلى أنه ليس بالإمكان حجب المبلغ أكثر من ذلك بموجب القانون.

هناك أيضاً مخاوف متزايدة من خطط الأجور التي تشمل معايير الاستدامة والتنوع إضافة إلى الأهداف المالية. وفي حين أن النية الظاهرية جديرة بالاحترام، إلا أنها يمكن أن تكون، وحسب ما أفاد مستثمر بارز: «غير موضوعية وهشة ويمكن التلاعب بها».

ويسهم هذا في زيادة الشكوك بالولايات المتحدة بشأن الأجور العالية. وفي العام الماضي، كان عدد الشركات الأمريكية التي عارض فيها عدد كبير من المساهمين خطة الأجور صغيراً، لكنه قفز بنسبة 40%.

وبالنسبة للمسؤولين التنفيذيين في الشركات الذين يسيل لعابهم على احتمالية حصولهم على أجور على الطريقة الأمريكية مقابل الأداء، فعليهم في الوقت نفسه أن يوفوا بالمستهدفات. وربما يكون الأمر أكثر صعوبة للشركات التي تفتقد الرياح التي تدفع سفينة الاقتصاد الأمريكي الذي ما زال يفاجئنا بمرونته. في النهاية، زيادة الأجر لقاء نتائج فائقة أمر، ومكافأة الأداء الرديء أمر مختلف كلياً.