تبدأ مدينة البندقية يوم 25 أبريل ولأول مرة في تاريخها الممتد على مدار 1600 عام، في تطبيق رسوم على دخول الزائرين لها، فباعتبارها متحفاً مفتوحاً سيتعين على أي شخص يزور المدينة خلال الفترة بين الساعة الثامنة والنصف صباحاً حتى الرابعة عصراً، ولا يريد المبيت فيها، أن يدفع خمسة يورو.

تنهي المدينة الساحلية بذلك خلافاً طويلاً للغاية بين أهل البندقية، وتبدأ تجربة فريدة من نوعها في العالم ستحظى بمتابعة فضولية من مقاصد سياحية أخرى تعاني أيضاً من تدفق مفرط للسائحين.

السياحة المفرطة - كما يسميها الخبراء - تتسبب الآن في أضرار جسيمة في مدن مثل أمستردام وبرشلونة ودوبروفنيك، وذلك على مستوى الشوارع والمباني والمجتمع ككل. الضجيج المستمر وارتفاع الأسعار يجعل الكثير من أهل هذه المدن يغادرونها للأبد.

هذا الاتجاه كان واضحاً في البندقية منذ فترة طويلة، لم يعد يتجاوز عدد المقيمين بشكل دائم في المدينة التاريخية نحو 50 ألف نسمة، بعد أن كان عددهم يزيد على 175 ألف نسمة قبل بضعة عقود. في المقابل يوجد في المدينة أكثر من 50 ألف سرير للزائرين. والآن - حتى قبل بدء موسم الذروة بفترة طويلة - يصعب بشدة السير عبر الحارات الضيقة المحيطة بساحة سان ماركو وجسر ريالتو.

وفي بعض الأيام تعج المدينة بأكثر من مئة ألف سائح. وبوجه عام بلغت تقديرات عدد السائحين الذين زاروا المدينة خلال العام الماضي نحو 15 مليون سائح. يُجرى رصد تدفق الزوار على جدار ضخم من الشاشات في أحد مراكز التحكم بمحطة قطار جزيرة ترونكيتو.

الآن سيتعين على الزائرين الذين يفدون إلى المدينة في زيارة مقتضبة دفع خمسة يورو كرسم دخول. ستكون اللائحة الجديدة مخصصة للأيام التي تكون فيها البندقية مزدحمة بشكل تقليدي، هذا يعني أنها ستُطبق مبدئياً في 29 يوماً، من 25 أبريل حتى 5 مايو على نحو شامل، وبعد ذلك - باستثناء واحد (هو 2/3 يونيو) - في جميع عطلات نهاية الأسبوع حتى منتصف يوليو. وعند دفع رسم الخمسة يورو سيحصل السائح على رمز استجابة سريع «آر كيو - كود» على هاتفه عبر الإنترنت. وإذا لم يسدد الزائر الرسم ستُفرض عليه غرامة تتراوح بين 50 إلى 300 يورو. وستتحقق السلطات المعنية من تسديد الرسوم على وجه الخصوص في محطة القطار وفي أهم مراسي القوارب، مثل ساحة سان ماركو. وسيُعفى السكان المحليون والعمال والموظفون الذين يترددون على المدينة بشكل يومي والأطفال دون سن 14 عاماً من هذا الرسم.

وسيحتاج أيضاً الزائرون الذين سيبيتون في المدينة إلى رمز الاستجابة السريعة، لكنهم سيحصلون عليه مجاناً من الفندق أو مؤجِّر نزل المبيت. ولا تحظى هذه الرسوم بترحاب كبير بين أصحاب الفنادق في البندقية لأنها تزيد من أعباء العمل. وحاول رجال أعمال ومبادرات أهلية على مدار السنوات الماضية إيقاف المشروع لأسباب متباينة للغاية، لكن لم تُجدِ محاولاتهم نفعاً بعد أن وافق مجلس المدينة بأغلبية واضحة في الخريف الماضي على تطبيق الرسوم مدفوعاً بمخاوف من أن اليونسكو كان على وشك أن يضع البندقية على القائمة الحمراء لـ«التراث الثقافي العالمي المهدد».

ويشكك العديد من الخبراء فيما إذا كانت «تذكرة البندقية» ستفيد بأي شيء. فكيف سيكون رسم الخمسة يورو رادعاً لأي شخص يزور المدينة التي تتسم بأسعار جنونية في بعض الأحيان؟ في مقهى «كافيه فلويان» بساحة سان ماركو تبلغ تكلفة الكابتشينو الآن 12 يورو، بينما تبلغ تعريفة ركوب الجندول لمدة نصف ساعة مساء 110 يورو. يقول السائح الألماني روني بروير 44 عاماً: «هذه المدينة تجعلني فقيراً بالفعل. خمسة يورو لم تعد ذات أهمية».

هل ستكون الرسوم حقاً غير مؤثرة؟ على سبيل المثال عائلة بروير - الزوجة والابن والحماة - من بين الأشخاص الذين استأجروا شقة في البر الرئيسي لمدة أسبوع. ثلاثة بالغين: هذا يعني خمسة يورو لكل منهم على مدار سبعة أيام - ومع اللائحة الجديدة سيعني هذا إجمالي رسوم 105 يورو. ورغم ذلك لا يزال بروير - الذي يعمل نجارا - يرى الأمر على ما يرام. يقول بروير: «تحتاج المدينة بالتأكيد إلى صيانة».

 

كمية هائلة من البيانات

رسمياً كل شيء مجرد تجربة حتى الآن: لا توجد تواريخ يتسم فيها التدفق السياحي بالذروة بعد يوم 14 يوليو، لكن لا يتوقع أحد في الوقت نفسه أن يتم إلغاء الرسوم بعد فترة قصيرة من تطبيقها. ومن المرجح أن يتم تمديد العمل على نحو مرن يتوافق مع أعباء التدفق السياحي على المدينة. إضافة إلى ذلك ستتمكن المدينة من تتبع مسار الزوار في أرجائها على نحو مفصل إذا قام الجميع بتسجيل الدخول عبر هواتفهم المحمولة. وفي مركز التحكم في جزيرة ترونكيتو من الممكن بالفعل اليوم تحديد الجنسيات التي تشكل الأغلبية عند جسر ريالتو. وفي المستقبل سيُتاح لمركز التحكم خيارات بيانات مختلفة تماماً.