يتعين على السياسيين الاستعداد للاندماج في الصناعات الحساسة
عبارة «عملاق اقتصادي، لكنه قزم سياسي»، التي غالباً ما تستخدم لوصف اليابان وألمانيا، باتت تنطبق على الاتحاد الأوروبي أيضاً. ويدرك العديد من قادته التحديات المتمثلة في إيجاد النفوذ السياسي الذي يتماشى مع الثقل الاقتصادي للكتلة.
ولكن، حتى على الصعيد الاقتصادي، لا يرقى الاتحاد الأوروبي إلى مستوى إمكاناته. وكان هذا هو جوهر التحذير الذي أصدره الأسبوع الماضي اثنان من رؤساء وزراء إيطاليا السابقين: إنريكو ليتا، الذي قدم تقريره حول السوق الموحدة، وماريو دراغي، الذي قدم في خطابه أول تلميحاته عن تقريره المرتقب عن القدرة التنافسية الأوروبية.
ويؤكد كلاهما أن المؤسسات الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي أُنشئت لعالم مختلف، يتسم بقدر أقل من الترابط الدولي والتهديدات الجيوسياسية. وباتت أنماط التكامل التي اعتمدت في الثمانينيات والتسعينيات غير كافية، بل ربما تتحول إلى عائق للنمو.
وتواصل أوروبا الإخفاق في الاستفادة الكافية من حجمها. وكما يشير ليتا إلى أنه تم إقصاء بعض القطاعات خارج السوق الموحدة لأسباب سياسية؛ وتم تجاهل قطاعات أخرى - الخدمات والبيانات خصوصاً - لأنها كانت جزءاً أقل أهمية للتجارة العابرة للحدود عما صارت عليه لاحقاً.
ونتيجة لذلك، تظل بعض أهم القطاعات في حقيقة الأمر وطنية، وهي صغيرة إلى حد ميئوس منه مع أن المنافسين يتمتعون بأسواق بحجم القارة في الولايات المتحدة والصين. ويركّز ليتا ودراغي على الدفاع والاتصالات والبنية التحتية للطاقة كقطاعات تحتاج لتتطور إلى أسواق أوروبية حقيقية. فالعديد من الصناعات الأخرى ليست «موحدة» كما هو مفترض. وتعاني جميع القطاعات من عدم وجود سوق مصرفية ورأسمالية موحدة.
فما العمل؟ أحد أقوى مقترحات ليتا هو إنشاء «نظام 28» في قانون الشركات، وهو عبارة عن قانون تجاري على مستوى الاتحاد الأوروبي يمكن للشركات الأوروبية الانضمام إليه، ويجعل من السهل التوسع وجذب المستثمرين من جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي (وخارجه)، من دون التنقل عبر 27 مجموعة مختلفة من القواعد تغطي كل شيء بدءاً من التراخيص إلى حقوق الدائنين.
ويمكن أن تكون هذه هي السياسة النادرة التي تقدم تغييراً جذرياً مع تجنب التشابك السياسي المرتبط بتوحيد القواعد الوطنية. ويمكن أن يؤدي وجود قانون تجاري في الاتحاد الأوروبي يتسم بالتصميم الجيد والحد الأدنى من البيروقراطية إلى تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لقدرة الشركات الصغيرة والشركات الناشئة على التوسع بسرعة.
وتتضمن المقترحات الأخرى تقديم «الحرية الخامسة» (بالإضافة إلى تلك المتعلقة بالأشخاص والسلع والخدمات ورأس المال) للتعليم والابتكار والبحث لتسهيل، على سبيل المثال، معالجة البيانات على نطاق أوروبي، مع توفير حماية قوية للمستهلك. كما يدعو ليتا إلى قطاع صحي أوروبي أكثر تكاملاً.
وبالإضافة إلى السياسات المحددة، تبرز السياسة. ومن أجل تحقيق إمكانات السوق الموحدة، لا مفر من تعزيز الحوكمة على مستوى الاتحاد الأوروبي.
ويوصي ليتا بزيادة الاستفادة من القواعد التنظيمية (التي تكون موحدة للجميع، على عكس التعليمات، التي تنفذها الدول الأعضاء وفق ما يرونه مناسباً) والهيئات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي الأكثر قوة. فهو يسعى حقاً لزيادة فعالية إنفاذ قواعد السوق الموحدة.
كما لا يمكن تجنب إدارة المزيد من الإنفاق العام بشكل مشترك، من خلال المشتريات المشتركة، وأنظمة الدعم الموحدة، أو المزيد من الديون المشتركة لتحقيق منفعة عامة مشتركة. ويوازي ذلك في الأهمية تسخير رأس المال الخاص.
ويستهدف ليتا مسألة حساسة لا يجوز المساس بها داخل الاتحاد الأوروبي -فائضه التجاري الهيكلي- من خلال امتعاضه من «التحويل السنوي لقرابة 300 مليار يورو من مدخرات الأسر الأوروبية.. إلى الاقتصاد الأمريكي في المقام الأول».
ويعتمد الحل الذي اقترحه على إنشاء «اتحاد الادخار والاستثمار»، حيث يمكن للأسر الاستثمار بسهولة في شركات الاتحاد الأوروبي الواعدة.
ويتعين على السياسيين الاستعداد للاندماج في الصناعات الحساسة، بداية من الاتصالات (حيث يقدر دراغي ما لا يقل عن 34 شركة مقابل حفنة قليلة من الولايات المتحدة والصين) إلى التمويل والنقل بالسكك الحديدية، والمرافق.
لكن ينبغي الحرص على عدم التضحية بتكافؤ الفرص في أوروبا أثناء معالجة الانقسام. وبلا شك، قد يكون لدى أوروبا عدد أقل من شركات الاتصالات، لكن يجب منح المستهلكين في أي بلد القدرة الحقيقية على اختيار مزود الخدمة.
وكل هذا يتطلب جهداً سياسياً، وقد تراجع القادة الأسبوع الماضي عن مواجهة هذا التحدي.
لكن الرسالة الرئيسة من ليتا هي ضرورة النظر إلى شيئين كوجهين لنفس العملة: من جهة، تعميق السوق الموحدة، ومن جهة أخرى، الأهداف الاستراتيجية للتحول الأخضر والرقمي في أوروبا وتأمين الكتلة من التبعية للخصوم الجيوسياسيين. فتعزيز التكامل الاقتصادي شرط أساسي لتحقيق أي أهداف أخرى.
هذا الارتباط نادر الحدوث. فتعميق السوق الموحدة يواجه خطر الموت بسبب فقدان رونقه – وهي مسألة فنية ذات مكاسب سياسية قليلة. كما يفتقر إلى إثارة الصخب الشعبي، والعديد من المصالح الخاصة حريصة على الحفاظ على مزاياه المحدودة.
ومع ذلك، كان الأمر نفسه ينطبق على البرنامج الأصلي للسوق الموحدة. وتطلب الأمر كافة الجهود السياسية من قبل قادة أقوياء ومتنوعين، مثل جاك ديلور ومارجريت تاتشر، لجعله حقيقة واقعة. ويتعين على القادة الذي استمعوا إلى ليتا الأسبوع الماضي إثبات قدرتهم على القيام بالمثل.