توجهت البارحة عبر المدينة إلى كلية لندن للاقتصاد، حيث استمعت إلى واحد من أكثر دبلوماسيي المناخ خبرة في العالم وهو يقول شيئاً غير متوقع حيال كيفية تعامل رجال الأعمال والقادة السياسيين مع ظاهرة الاحترار العالمي.
شغل تود ستيرن منصب المبعوث الخاص لتغير المناخ في عهد باراك أوباما، وكبير المفاوضين الأمريكيين في مؤتمر المناخ كوب 21 لعام 2015، والذي أسفر عن اتفاقية باريس.
وكان يلقي أولى المحاضرات التذكارية السنوية لتكريم مسؤول آخر وراء اتفاقية باريس، وهو صديقه بيت بيتس، كبير المفاوضين السابق للاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، الذي توفي في أكتوبر.
فلم يتورع ستيرن عن تحديد أكبر العقبات التي تحول دون إحراز تقدم بشأن المناخ. وقال: «العامل الرئيس هو صناعة الوقود الأحفوري»، موضحاً أن «النفوذ الهائل» للشركات الحكومية والخاصة يمكن أن يؤثر على القادة السياسيين.
لكنه أشار بعد ذلك إلى عقبة أخرى، أقل وضوحاً: يتم عرقلتنا كذلك من قبل أشخاص يعتقدون أنفسهم «ناضجين كبار».
وكان يقصد بهذا الساسة وكبار رجال الأعمال الذين يعترفون بأن الاحترار العالمي واقع، ونعم يجب معالجتها، لكن يزعمون أنه من غير الواقعي خفض انبعاثات الكربون بالمعدل المطلوب الذي يقترحه خبراء المناخ.
لقد جاءت كلماته في الصميم؛ لأنها كانت أحدث شكوى سمعتها هذا العام عن «الكبار في الغرفة» أو «الأشخاص الجادين للغاية» الذين يعرقلون العمل المناخي.
وبشكل من الأشكال، يعد هذا الانتقاد غريباً. فقبل وقت ليس ببعيد، كانت تعول العواصم الغربية على المسؤولين العسكريين والمدنيين المحنكين في إدارة ترامب لتخفيف آثار فترة ولاية الرئيس التي لا يمكن التنبؤ بها. واحتمال فوز ترامب بولاية ثانية في وقت تتفاقم فيه الاضطرابات الجيوسياسية يجعل الآراء التقليدية لتيار الوسط المبجّل تبدو أكثر قيمة من أي وقت مضى.
ومع ذلك، وفقاً لبول كروغمان، الخبير الاقتصادي الأمريكي الذي روج لفكرة«الشخص الجدّي للغاية»، فإن الإيمان الثابت بالتقاليد، بغض النظر عن الأدلة، هو ما يجعل هؤلاء الخبراء آفة.
وقد هاجم المتغير الاقتصادي لهذا النوع من النخب السياسية على كلا الجانبين من المحيط الأطلسي التي دفعت لاتخاذ تدابير التقشف في أعقاب الأزمة المالية عام 2008، على الرغم من التحذيرات حيال المخاطر التي تفرضها هذه التدابير على النمو طويل الأجل.
فالقادة الكبار الذين يعيقون الجهود لخفض انبعاثات غازات الدفيئة ليسوا بالضرورة نفس الأشخاص، لكنهم يشتركون في نفس النزعة إلى الافتقار للأفكار غير التقليدية تماماً.
وقال لي أحد المخضرمين في سياسة المناخ الأمريكية الأسبوع الماضي: «إنهم رموز المؤسسة». وكان يشير إلى أصوات الاعتدال الوسطي التي سمعها من وول ستريت إلى وايت هول، والتي قالت إن الدعوة إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 غير عملية من الناحية المالية، ومستحيلة سياسياً، وساذجة.
وهذه حجة مغرية. فمن الواضح أن غالبية الانبعاثات ناجمة عن الوقود الأحفوري – النفط والغاز والفحم، ولا يزال يمثل %80 من مزيج الطاقة العالمي. ومن الواضح أيضاً أن هذه الأنواع من الوقود تدعم عشرات الآلاف من الوظائف، والتي تمثل قرابة %60 من عائدات التصدير في عشرات الدول.
لذا من الصعب تصور عملية إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي بسرعة، ناهيك عن تحقيقها. ومع ذلك، فإن احتمال استمرار العمل كالمعتاد أمر صعب كذلك – لا سيما في أسبوع تسببت فيه الأمطار الغزيرة بحدوث فوضى داخل أكثر المطارات الدولية ازدحاماً في العالم بمدينة دبي، بينما أظهرت دراسة تفصيلية استثنائية أن الأضرار المناخية يمكن أن تصل إلى 38 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2050.
نحن نعيش في عالم أحر بمقدار 1.1 درجة مئوية على الأقل منذ أواخر القرن الـ 19، حيث تزداد المستويات المقلقة لدرجات الحرارة والجفاف والفيضانات وفقدان الجليد وضوحاً.
وسبق أن أظهر العلماء منذ سنوات أنه من الحكمة الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري عند مستوى 1.5 درجة مئوية، كما هو منصوص عليه في اتفاقية باريس. ولكن هذا يستلزم إزالة الكربون بمعدلات هائلة: فلابد خفض الانبعاثات إلى النصف تقريباً بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. وحتى الآن، لم تنخفض الانبعاثات العالمية، ناهيك عن انخفاضها إلى النصف، ولا يفصلنا عن عام 2030 سوى 6 سنوات.
فهل من الإنصاف إلقاء اللوم كله على الكبار الجادين في الحكومات ومجالس الإدارة المتعاقبة الذين قضوا سنوات دون بذل جهود كافية لحل المشكلة؟ ربما لا. ولكن من الإنصاف أن نطرح عليهم سؤالاً طرحه ستيرن تلك الليلة حول مدى خطورة اتخاذ إجراءات مناخية أكثر جرأة وغير تقليدية: «بالمقارنة مع ماذا؟».
ونحن ندرك أن الإجراءات غير المسبوقة، مثل عمليات الإغلاق الجماعية المفاجئة، يمكن تنفيذها عند مواجهة مشكلة عاجلة تنذر بظهور جائحة عالمية. ومع ذلك، فإن تغير المناخ هو نوع مختلف من الكوارث، فهي كارثة تتحرك ببطء، لكنها كارثة على الرغم من ذلك، ولا يمكن لأي شخص جاد أن يواصل تجاهلها.