صادف الاثنين الماضي يوم الأرض، وهو تذكير سنوي بواجبنا في الاعتناء بالمناخ والبيئة من أجل الأجيال القادمة، لكن تقرير حالة المناخ الأوروبي، الصادر هذا الأسبوع، رسم صورة لقارة نقعت في مياه الفيضانات وخبزت بموجات الحرارة.
واستناداً إلى البيانات المنشورة، فقد كان عام 2023 إما الأكثر حرارة أو ثاني أكثر الأعوام حرارة وفقاً للسجلات الأوروبية. ولفت التقرير إلى ارتفاع منسوب الأنهار على نحو استثنائي، وصُنِّفَت موجة الحر البحرية التي ضربت المملكة المتحدة وإيرلندا بأنها «تخطت الحدود القصوى»، فيما ازدادت حالات الوفيات ذات الصلة بالحرارة.
يأتي ذلك بعد تحليل منفصل صدر الأسبوع الماضي، وأظهر بجلاء كيف تسبب التغير المناخي في انكماش الاقتصاد العالمي. ووفقاً لباحثين في ألمانيا، فيتوقع أن ينخفض الدخل العالمي بحلول 2050 بنحو الخُمس، أي ما يعادل 38 تريليون دولار، مقارنة بما لو كان عليه الحال لو لم يكن الاحتباس الحراري موجوداً. وهذه الأضرار المتفاقمة بفضل مستويات الانبعاثات التاريخية، تنبع من تأثير ارتفاع درجات الحرارة على عوامل متصلة بالنمو الاقتصادي، مثل البنية التحتية والمحاصيل الزراعية والإنتاجية العمالية. ويستثني الرقم السالف ذكره الخسائر الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة مثل العواصف، وحرائق الغابات.
والآن، ورغم أن متوسط درجة الحرارة العالمية السنوي في عام 2023 بلغ 1.45 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل الثورة الصناعية، أي أقل بقليل من حد 1.5 درجة مئوية الموصى به في اتفاق باريس للمناخ، يبدو أن هناك تردداً في دعم صافي الانبعاثات الصفري، فقد بدأ الساسة والمستثمرون يخففون معارضتهم للوقود الأحفوري، وهو النهج الذي وصف بأنه «براغماتية الطاقة».
لكن «البراغماتية» توصيف غاية في اللطف. عوضاً عن ذلك، ينبغي اعتبار هؤلاء من يثبطون جهود الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية «أنصار الأرض الساخنة»، المدافعين عن وضع قائم عفا عليه الزمن، ويمكن مقارنتهم في رفضهم للواقع بأنصار الأرض المسطحة الذين يقاومون مفهوم انحناء الأرض.
وتُعد البيانات الأوروبية عن عام 2023، التي جمعتها خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، حجة مقنعة أخرى لإزالة الكربون. وأوروبا هي أسرع القارات احتراراً، فقد شهدت العام الماضي درجات حرارة تخطت المتوسط طوال العام باستثناء شهر واحد. كما شهدت القارة في سبتمبر أعلى درجة حرارة على الإطلاق. وفي بعض المناطق كانت درجة حرارة سطح البحر 5 درجات مئوية فوق المتوسط.
وفقدت الأنهار الجليدية في جبال الألب عُشر حجمها خلال العامين الماضيين. وارتفعت الوفيات ذات الصلة بالحرارة بنسبة 30% خلال العقدين الماضييْن. أما العواصف والفيضانات وحرائق الغابات، فقد حلت بخسائرها البشرية والاقتصادية الخاصة. وقالت سيليستي ساولو، أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «قد تبدو تكلفة العمل المناخي مرتفعة، لكن تكلفة التقاعس أكثر ارتفاعاً». وكشف تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن آسيا، القارة الأكثر ثراء، تسارع المؤشرات المناخية الرئيسية، بما في ذلك حرارة السطح وارتفاع مستوى سطح البحر.
وبالنظر إلى أن الغلاف الجوي الأكثر دفئاً يحمل المزيد من بخار الماء، فقد أصبحت الفيضانات من المظاهر الشائعة للمناخ المتغير. وقد أثرت الفيضانات على 1.6 مليون شخص في أوروبا العام الماضي وشكلت أكثر من أربعة أخماس جميع الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالمناخ في المنطقة. وبشكل منفصل، قالت شركة التأمين ميونخ ري، إن نحو 76% من الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالكوارث في عام 2023 تتعلق بالأحداث المناخية الكبرى (كما أدت الزلازل في تركيا وسوريا إلى خسائر كبيرة).
وتهيمن الأصول عالية القيمة المؤمن عليها في الدول الثرية على الإحصاءات، لكن حتى في هذه المناطق المرنة اقتصاديا، هناك عواقب تراكمية أصغر نطاقاً وأصعب قياساً، مثل سلاسل التوريد المقطوعة والإنتاجية المفقودة وتعطل التعليم والآثار المترتبة على الصحة البدنية والعقلية.
ووفق الباحثة ليوني فينز وزملائها في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا، فإلى جانب رقم الـ38 تريليون دولار المنشور في مجلة «نيتشر» الأسبوع الماضي، فإن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التغير المناخي لن تكون موزعة بالتساوي. وأفاد الباحثون، بأن المناطق القريبة من خط الاستواء هي الأكثر عرضة للتأثر، وهي التي تشهد أيضاً أعلى درجات الحرارة. وأوضح خبراء الاقتصاد المناخي بجامعتي ستانفورد وكاليفورنيا ديفيس، والذين لم يشاركوا في الدراسة، لوكالة أسوشيتد برس، أنهم استفسروا عن بعض الحسابات الفنية التي استخدمها باحثو بوتسدام، إلا أن الصورة الأشمل صائبة وتنطوي على أن معالجة التغير المناخي على نحو عاجل مسألة لا تحتاج إلى تفكير من الناحية الاقتصادية.
إن الانجراف إلى ما يقرب من عتبة 1.5 درجة مئوية ليس بالحصيف. ومن شأن ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمقدار درجتين مئويتين أن يدفع به نحو منطقة حارة وحرجة، وسيكون الأمر كارثياً. وسيُفضي تلف المحاصيل إلى ارتفاع أسعار الغذاء وسيغرس بذور المجاعة، ما يؤدي إلى نشوب نزاعات على الموارد الآخذة في النقصان. وسيهاجر الذين يفقدون أراضيهم وسبل عيشهم، ما يسفر عن مزيد من عدم الاستقرار الجيوسياسي، وبذلك، يخاطر براغماتيو اليوم بالتسبب في فشل سياسي غداً.