تتعرض أسواق الكاكاو لضغوط متزايدة مع مواجهة المتداولين لنقص هائل في الحبوب وقفزات تكاليف تأمين عقود التوريد طويلة الأجل في السوق.
وهوت أسعار العقود الآجلة الأكثر نشاطاً في بورصتي نيويورك ولندن لتسليم الشهر الجاري بأكثر من 25 %، قبل ارتدادها الحاد، في ضوء الصعوبات التي تواجه المزارعين والمشترين حول العالم فيما يتعلق بنقص المعروض.
وتسبب هذا في ارتفاع الأسعار بأكثر من 3,000 دولار أمريكي للطن مقارنة بعقد تسليم بعد سنة، وسط سعي محموم من قِبَل المتداولين لإيجاد مصدر موثوق للحبوب.
وتعد التقلبات الحادة والتباين الشديد في الأسعار مؤشرات على تقلبات وضغوط في السوق، وسط سلسلة متعاقبة من مواسم الحصاد الضعيفة في ساحل العاج وغانا، اللذين يوردان نحو ثلثي المعروض العالمي من الكاكاو.
كما أسفرت المخاوف بشأن المعروض على المدى الطويل عن مسارعة منشآت المعالجة والعملاء إلى تأمين شحنات بأسرع طريقة ممكنة.
ورفعت «إنتركونتيننتال إكستشينج»، وهي السوق الرئيسة، من تكاليف الهوامش على العقود، التي تجعل إبقاء المتداولين على مراكزهم أكثر تكلفة، في محاولة لتهدئة التحركات الحادة.
وعلّق نيكو ديبنهام، مسؤول الاستدامة السابق لدى شركة باري كاليباوت، أكبر منتجة للشوكولاتة: «يمكن أن تحاول البورصة تهدئة الحماس في السوق، لكن لم يمر أحد من قبل بهذا في صناعة الكاكاو.
كما أن التقلبات مذهلة للغاية». وأفاد بأن التحركات اليومية للأسعار كانت متسمة بالتقلب بما يكفي، «وتسببت في إفلاس الكثيرين».
وحلّقت أسعار الكاكاو على مدى العام الماضي، وكان مما فاقم من المشكلات الهيكلية سوء الأحوال الجوية، والأمراض التي ألمّت بالمنطقة الرئيسة للزراعة في غرب أفريقيا، بما في ذلك عدم كفاية الاستثمارات وشيخوخة الأشجار، ما ألقى بظلاله على المحاصيل.
وقفزت أسعار الكاكاو في بورصة نيويورك إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق وتخطت حاجز 12,000 دولار للطن في أبريل، ما يزيد أربعة أضعاف مقارنة بالأسعار قبل عام مضى.
وانخفضت الأسعار هذا الأسبوع إلى ما دون 9,000 دولار للطن، وسط أنباء عن هطول الأمطار في غرب أفريقيا.
ومع ذلك، قال متداولون إن أكبر الضغوط تقع على العقود الآجلة طويلة الأجل بسبب التقلبات، مع ازدياد مخاوفهم من عدم قدرة كل من غانا وساحل العاج على الوفاء بالحبوب التي تعهدت الدولتان بتسليمها.
وفشل البلدان اللذان يحددان الأسعار للمزارعين ثم يبيعان العقود الآجلة للمتداولين لتسليم الحبوب في تسليم طلبيات تُقدّر بمئات الآلاف من الأطنان من الحبوب. وأسفر ذلك عن تردد المتداولين في الإقبال على شراء عقود آجلة جديدة.
وفي علامة على الضغوط الواقعة على السوق، يُتداول العقد الآجل للكاكاو تسليم مايو 2025 عند 6,925 دولاراً للطن، رغم عدم اعتقاد المتداولين في انحسار المشكلات التي تلمّ بعرض صناعة الكاكاو بسهولة.
من جانبه، قال جوناثان باركمان، الرئيس المشارك للزراعة لدى ماركس لتداول السلع: «ثمّة مشكلة كبيرة أخيراً من حيث أوضاع التشبع البيعي لدى كل من ساحل العاج وغانا». وتشير تقديرات باركمان إلى بلوغ النقص الإجمالي في الإنتاج لكلا البلدين ما يساوي نحو 600 مليون دولار.
وفي حين تضمن العقود الآجلة الأسعار، لكن باركمان أشار إلى أنها «تطالب الأطراف المقابلة فعلياً، وهم شركات التداول، بدفع جزء على الأقل من مقابل هذا».
يرى باركمان أن السيولة الآجلة لن تعود إلا بمجرد حل المشكلات بطريقة تتيح للمشترين استئناف التجارة بمزيد من الثقة مع غانا وساحل العاج، لافتاً إلى أن هذا «من شأنه السيطرة على السوق».
وفي خضم المكاسب المحققة بالعام الماضي، ارتفعت العقود المفتوحة التي لم تنفذ بعد، أو عدد العقود الآجلة القائمة، وهي مقياس مهم لعمق السوق، من أقل من 320,000 عقد إلى أكثر من 500,000 عقد. وهوت العقود المفتوحة إلى ما دون 290,000 منذ نهاية يناير هذا العام، أدنى مستوياتها منذ عامين.
ورفع المسؤولون التنظيميون في كل من غانا وساحل العاج، في خضم محاولاتهم لتشجيع المزارعين على الاستثمار في مزارعهم وتعظيم المحاصيل، من الأسعار المحددة التي يدفعونها للمزارعين.
ورفعت ساحل العاج من الأسعار لأول مرة في سبتمبر الماضي للمحاصيل الأساسية، وهي خطوة غير مسبوقة، ثم عاودت زيادتها من جديد بداية هذا الشهر للمحصول الثاني والأصغر حجماً بنسبة 50% إلى 2.48 دولار للكيلوغرام. وأقرت غانا، بعد ثلاثة أيام، زيادات مماثلة، ما دفع بالأسعار إلى 2,481 دولاراً للطن.
أزعجت زيادات الأسعار هذه شركات التداول الدولية. ونوّه مطلعون على الصناعة بخشية المتداولين احتمالية مطالبتهم بدفع أسعار أعلى كثيراً عمّا اتفقوا عليه سابقاً، في ظل احتمالية إرجاء تسليم مئات الآلاف من أطنان الحبوب حتى موسم الحصاد المقبل.
وعلّق ديبنهام: «ستكون غانا وساحل العاج في ورطة إن فعلا، وسيكونان في ورطة إن لم يفعلا»، وتابع: «وإذا ما قالا: حسناً، سندفع للمزارعين أسعاراً أعلى كثيراً، وربما يكون الحل السياسي الوحيد المتاح أمامهما، فمن أين سيحصلان على الأموال لدفع ذلك السعر؟».
قال مارتن بيورن، الرئيس السابق لتداول الكاكاو والشوكولاتة لدى عملاق السلع الزراعية كارغيل حتى 2022، إن ساحل العاج كانت تأمل في تعويض المشترين عن طريق صندوق احتياط كان مخصصاً للتخفيف من المخاطر على الأسعار.
وسلّط بيورن الضوء على عدم وضوح قدر الأموال التي يحتويها صندوق الاحتياط، إذا ما كان يحوي أموالاً من الأساس، مشككاً في إمكانية منح كل المتداولين كامل التعويضات.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن المزارعين أنفسهم غير راضين عن مستوى الأسعار.
ولفت إيسيفو إيساكا، الذي يزرع 11 فداناً في محلية بيبياني أنهوياسو بيكاوي الواقعة شمال غربي غانا، إلى أن الأسعار ما زالت أقل كثيراً «مما نراه متداولاً في البورصات بكل من نيويورك ولندن».
وفي حين يمكن لحفنة من المزارعين مراكمة الكاكاو لديهم، أملاً في ارتفاع الأسعار فيما بعد، فإن التباين بين الأسواق العالمية والأسعار بالمزارع في غانا وساحل العاج يعزز التهريب إلى الدول المجاورة المتمتعة بأسواق حرة، ما يزيد من نقص حبوب الكاكاو.