تعلمون كيف تصبح الأسهم أكثر تكلفة حينما يساور المستثمرين القلق حيال أقل القليل من التغير في توقعات الأرباح. ويمكن ملاحظة ذلك في التحركات الحادة للأسهم ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي في الأسابيع الأخيرة، خاصة أفضل الخيارات في القطاع مثل «إنفيديا»، و«إيه إس إم إل»، و«إيه آر إم»، وشركات تصنيع الرقائق الآسيوية وفي الولايات المتحدة.
لنأخذ «إيه إس إم إل» مثالاً على ذلك، فقد أسفر انخفاض الطلبيات لدى شركة تصنيع معدات الرقائق الهولندية، عن تقلبات شديدة في الأسهم ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي حول العالم. وبدا المنطق وراء هذه التحركات متمثلاً في تدهور التوقعات إزاء نمو رقائق الذكاء الاصطناعي، بما أن طلبيات الآلات لأكبر مصنعة لمعدات الرقاقات على مستوى العالم جاءت دون توقعات السوق.
وبالتأكيد، فإن الظروف مُهيأة للتصحيح، إذ ارتفعت الأسعار بسوق أسهم الذكاء الاصطناعي بقوة وبسرعة شديدة. كانت هذه الطفرة تشي بمكاسب غير متكافئة حتى للأسهم التي يستبعد أن تكون من أكبر المستفيدين من النمو المدفوع بالذكاء الاصطناعي. وفي الوقت ذاته، يظل القطاع منكشفاً للغاية على المخاطر الجيوسياسية. وتعد الصين سوقاً مهمة لغالبية الشركات ذات الصلة بالرقائق، بما في ذلك «إنفيديا»، و«إيه إس إم إل»، وفيما يتعلق بالأخيرة، فالصين أكبر سوق لها وشكلت نحو نصف مبيعاتها من الأنظمة في الربع الأول.
ومع ذلك، فالتقلبات الحادة الأخيرة التي اعترت أسهم الذكاء الاصطناعي تسلط الضوء على الحساسية الشديدة للسوق تجاه التحركات الدورية المعتدلة نسبياً أكثر من أي شيء آخر. وفي حقيقة الأمر، يمكن لسوق رقائق الذكاء الاصطناعي أن تواصل نموها سريعاً على الرغم من الضعف البادي في قطاع أشباه الموصلات الأوسع، ويعود هذا إلى أن الرقائق المصنوعة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، رغم النمو الاستثنائي لمبيعاتها في العام الماضي، تظل تشكل نسبة ضئيلة للغاية من المعروض العالمي. وتعد الرقائق ذات النطاق الترددي العريض مثالاً على ذلك، وهي مكون شديد الأهمية لكافة رقائق الذكاء الاصطناعي. ولا يمكن تشغيل رقاقة واحدة من رقائق الذكاء الاصطناعي إلا بواسطة ست رقائق ذاكرة متطورة على شاكلة هذه، بما في ذلك رقائق «إنفيديا».
تشكل هذه الرقاقات حالياً نحو 1% من إجمالي سوق رقاقات الذاكرة، قياساً بحجم المبيعات، وحتى عند القياس بمعدلات نمو اليوم، فلا يمكن لرقاقات الذكاء الاصطناعي تعويض الانخفاض الدوري للسوق الأوسع التي تظل خاضعة لهيمنة رقائق الذاكرة والتخزين والمعالجة التقليدية المستخدمة في الهواتف الذكية والسيارات والأجهزة الإلكترونية.
وفي هذا السياق، تستخدم الشركات حالياً ما لديها من مخزونات فائضة، وهي نتيجة للإنتاج المفرط من المصنعين، ومراكمة شركات تصنيع الأجهزة على إثر النقص الذي أصاب السوق إبان الجائحة. وأدت المخزونات الأعلى من المعتاد إلى تثبيط طلب السوق النهائية، ومن ثم، لم يشعر مصنعو الرقاقات بحاجة ماسة لزيادة السعة الإنتاجية لديهم أو وضع طلبيات جديدة لمعدات تصنيع الرقائق في الأعوام الماضية. وتراجعت أسعار رقائق الذاكرة بما يتخطى 50% منذ 2021، وتستمر انخفاضات الأسعار الفورية هذا الشهر. ويظل تعافي الطلب بطيئاً على وجه الخصوص بين مصنعي السيارات والهواتف الذكية، وهما اثنان من أكبر مستهلكي الرقاقات.
علاوة على ذلك، لم يكن من المعتاد أن تكون التقلبات ربع السنوية التي تعتري طلبيات «إيه إس إم إل» مدعاة للقلق. وتبيع الشركة نحو 100 نظام طباعة حجرية جديد في كل ربع. وتشتري ثلاث شركات غالبية الآلات المتقدمة التي تنتجها الشركة، ما يجعل القراءات ربع السنوية عرضة للتقلبات. ولا يكون تسجيل القراءات لمستويات دون التوقعات في ربع ما دالاً بالضرورة على النتائج التي ستعلن بقية العام.
وعلى النقيض من ذلك، فإن طول أمد انخفاض طلبيات مصنعي الرقائق للمعدات مقارنة بالتقديرات، يعني على الأرجح ارتفاع احتمالات وضع طلبيات أكبر في الأرباع المقبلة. وإذا ما نظرنا إلى بقية العالم، لوجدنا أن دول العالم تعمل على بناء أكثر من 70 مشروعاً جديداً لصناعة الرقائق. ومن المتوقع بدء «تي إس إم سي»، و«سامسونغ» مرحلة الإنتاج الشامل للجيل التالي من الرقائق المزودة بتقنية 2 نانومتر في العام المقبل. وفي هذا الصدد، ستحتاج الشركات إلى وضع طلبيات المعدات الجديدة هذا العام، التي تنتجها «إيه إس إم إل» فقط، من أجل خطوط الإنتاج الجديدة.
وتسهم آخر نتائج «تي إس إم سي» في تأكيد هذا الأمر. وبالرغم من خفضها توقعات نمو سوق الرقائق باستثناء رقائق الذاكرة لهذا العام، لكنها أبقت على خططها بشأن النفقات الرأسمالية للعام دون تغيير، لتظل متراوحة بين 28 مليار دولار و32 مليار دولار. وتعمل الشركة حالياً على بناء مصانع جديدة في بلدان بينها الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، إلى جانب خطط بناء مصانع لبدء إنتاج الرقائق المزودة بتكنولوجيا 1.6 نانومتر شديدة التقدم في 2026.
تجدر الإشارة إلى أن المحركات الأساسية لطفرة أسهم الذكاء الاصطناعي على مدى العامين الماضيين، لم تكن ذات صلة تذكر بالتقلبات الدورية لقطاعات الرقائق والمعدات التقليدية، لكنها كانت شديدة الارتباط بالإمكانات التحويلية لأعمال الذكاء الاصطناعي. وبالنسبة لمن يترقبون ذروة طفرة الذكاء الاصطناعي، فحري بهم التركيز على التفاوت بين حدة التقييمات والوتيرة الأبطأ المتوقعة للتبني الأوسع نطاقاً للذكاء الاصطناعي، وليس العوامل الدورية العادية.