قبل 20 عاماً، انضمت إلى الاتحاد الأوروبي 10 دول، 8 منها كانت جزءاً من الكتلة الشيوعية، في توسع يشبه الانفجار العظيم. ورغم بعض الشكوك الغربية حينها، كان ذلك إنجازاً ذا أهمية تاريخية.. مشروع لإنشاء «أوروبا واحدة وحرة»، ورعاية الحرية والازدهار في الأجزاء الوسطى والشرقية منها، والتي لطالما رزحت غالبيتها تحت هيمنة إمبراطوريات وقوى أجنبية. ومن شأن هذا النجاح شحذ همة الاتحاد الأوروبي في صراعه مع حتمية قبول موجة جديدة من الأعضاء، بما في ذلك أوكرانيا التي مزقتها الحرب.
لقد نجحت عضوية الاتحاد الأوروبي على وجه العموم في ترسيخ الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية الشاملة التي حفّزتها مسألة الانضمام قبل 2004. وأثبتت العضوية أنها عامل قوي للتقارب الاقتصادي، من خلال أموال الاتحاد الأوروبي والاستثمارات الأجنبية التي ساعدت الكثير من الأعضاء الجدد على أن يصبحوا مراكز قوية في التصنيع والتصدير. وعند اقتران ذلك بالحماية التي يوفرها حلف «ناتو»، وهو الوجه الآخر للعملة، فقد نجح ذلك في خلق الظروف الملائمة لتمكين البلدان من تحقيق أقصى استفادة من سيادتها المستعادة، أو المكتسبة حديثاً، من أجل بناء ديمقراطيات السوق السريعة النمو.
رغم ذلك، كانت هناك عواقب لا مفر منها. فقد نشأت توترات بين التمتع بالسيادة والحاجة إلى التخلي عن قدر منها لصالح الاتحاد الأوروبي. وقاومت بعض أجزاء المجتمع تبني القيم الليبرالية الاجتماعية، التي شعروا أنها تخطت الميول المحلية. وتشعر بعض الدوائر السياسية وفي مجال الأعمال بأن البلدان تخلّت عن قطاع كبير من اقتصادها وصار في أيدٍ أجنبية. وبالنسبة لحرية تنقل الأفراد، وإن كان يُنظر لها باعتبارها مكافأة للعضوية، فقد تسببت في هجرة الأدمغة وتدفق السكان إلى خارج البلاد، والتي يتم عكسها الآن جزئياً. وأججت هذه العوامل نيران القومية الشعبوية التي أسفرت عن انحسار الديمقراطية، بين الحين والآخر.
لقد أسهمت الهجرة من الشرق إلى الغرب في بروز أحزاب قومية في بعض من الدول الغربية بالاتحاد الأوروبي. وكان هذا أحد عوامل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، لتنفصل دولة ذات ثقل عن التكتل. ومع ذلك، فإن توسع التكتل ليضم 27 دولة اليوم عزز الدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي باعتباره واحداً من القوى العالمية الثلاث، إلى جانب الولايات المتحدة والصين.
وبخلاف المنضمين إلى التكتل في 2004، ورومانيا وبلغاريا وكرواتيا، التي انضمت في وقت لاحق، فقد كان التقدم السياسي والاقتصادي في بلدان الكتلة الشيوعية سابقاً أكثر تباطؤاً إلى حد التوقف. وأصبحت هذه البلدان «منطقة رمادية»، وعُرضة لصراع على النفوذ مع روسيا الجديدة والمحدثة.
هنا تكمن أهمية التوسع التالي. وسيكون هذا التوسع الجديد صعباً دونما شك. لكن هناك تساؤلات جادة بشأن مدى استعداد والتزام بعض الدول المتقدمة للعضوية. وتشكّل أوكرانيا، التي كانت مُثقلة بالفساد وضعف سيادة القانون وانخفاض الإنتاجية حتى قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تحدياً كبيراً على وجه الخصوص. لكن بالمعايير الاقتصادية، ذكر معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية أن أوكرانيا لا تختلف كثيراً عن المنضمين قبل عقدين. وسيكون قبول عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي اليوم بمثابة توسّع لإنتاج التكتل وتعداده السكاني على نحو مشابه للإسهام البولندي في 2004.
إن الاتحاد الأوروبي يتعين عليه ضمان أن تسمح عملية التوسع للأعضاء المرشحين بالحصول على مكافآت الإصلاح على مراحل، عوضاً عن حصولهم على كل الميزات بعد انتهاء عملية الإصلاحات. وتحتاج حوكمة الاتحاد الأوروبي للتحديث أيضاً، ضماناً لاستمرار فاعلية التكتل مع احتضانه ما يزيد على 35 دولة عضواً، بما في ذلك توسيع التصويت بالأغلبية والسماح لـ «تحالف الراغبين» بالمضي قدماً في تكامل أعمق. ولن يكون أي من هذا سهلاً. لكن المخاطر الجيوسياسية اليوم تفوق تلك التي شهدها عام 2004. وإن كان المضي قدماً بجرأة في التوسع التالي هو أفضل الطرق لحماية مُنجزات التوسع الأخير للاتحاد الأوروبي.