تستند الضجة الإعلامية الصاخبة حيال الذكاء الاصطناعي إلى سلسلة من التصريحات المبهرة التي تتجاوز المعايير والمقاييس المقبولة. وخلال شهر أبريل، جسدت شركة «زايرا» الناشئة، ومقرها سان فرانسيسكو، هذا الاتجاه، بعد أن أعلنت جمع مليار دولار في واحدة من أهم عمليات الإطلاق في صناعة التكنولوجيا الحيوية حتى الآن.
تروج «زايرا» لفكرة مفادها أن عمليات تطوير الأدوية تستعد لثورة كبيرة من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وهي ليست وحدها في هذا الاعتقاد. ويقول ديمس هاسابيس، المؤسس المشارك لشركة «غوغل ديب مايند»، المشهور بإيجاد حل للتحدي العلمي المتعلق بالتنبؤ بشكل البروتين وهو التحدي الذي يعود تاريخه إلى 50 عاماً، مؤكداً أن علم الأحياء قد يكون «مثالياً» للذكاء الاصطناعي؛ نظراً لطبيعته المتأصلة كنظام لمعالجة المعلومات.
ويرأس هاسابيس شركة «إيزومورفيك لابس»، المتخصصة في تطوير الأدوية اعتماداً على الذكاء الاصطناعي والتابعة لشركة ألفابت، وهي التي وافقت على إقامة شراكات مع «إيلي ليلي» و«نوفارتس» تصل قيمتها إلى 3 مليارات دولار، وتهدف إلى تقليص الجدول الزمني لمرحلة اكتشاف العقاقير إلى عامين فقط.
ويجري بالفعل العمل على تطوير مجموعة متزايدة من المركبات المستمدة من الذكاء الاصطناعي، واعترفت منظمة الصحة العالمية بوجود ما لا يقل عن 73 مركباً، على الرغم من عدم المصادقة على أي منها للاستخدام البشري حتى الآن.
لكن يبدو أن بعض الشركات تقترب من تحقيق ذلك، حيث كانت شركة «إنسيليكو ميديسن»، التي تقدمت أخيراً بطلب للاكتتاب العام الأولي في هونغ كونغ، أول من قدم عقاراً مصمماً وفق تقنيات الذكاء الاصطناعي للمرحلة الثانية من التجارب السريرية.
ومع ذلك، لا يعد الذكاء الاصطناعي بديلاً عن التجارب التي ترتكز إلى فهم طبيعة المرض. فقد سبق أن واجه القطاع صعوبات كبيرة، وفي يوم إطلاق شركة «زيرا»، أعلنت «بينيفولنت إيه آي» عن تسريح عدد كبير من العمال، وكانت الشركة التي يقع مقرها في لندن تهدف إلى الجمع بين الذكاء البشري والآلي، لكن أسهمها فقدت 94 % من قيمتها منذ طرحها للاكتتاب العام بتقييم يبلغ 1.5 مليار يورو في ديسمبر 2021، وذلك بعد الاندماج مع شركة استحواذ ذات غرض خاص.
إن تطوير أدوية جديدة مبتكرة أمر مكلف للغاية، وصناعة الأدوية لا تعاني من عجز في التمويل أو الدافع لتعزيز معدلات نجاح اكتشاف الأدوية من خلال الذكاء الاصطناعي. وحسب ما ذكرته مجموعة بوسطن الاستشارية، حصلت قرابة 200 شركة في قطاع التكنولوجيا الحيوية التي تعتمد نهج «الذكاء الاصطناعي أولا» على تمويل يتجاوز 18 مليار دولار في العقد المنتهي عام 2023.
لكن ثمّة تفاوت بين استخدام الذكاء الاصطناعي ونسب نجاحه، فاستخدام الحوسبة في تطوير الأدوية ليس جديداً، بل يعود إلى السبعينيات، وتكمن جودة المعلومات في مدى جودة البيانات المستخدمة لتدريب النماذج.
والتنبؤ بسمية العقاقير المرشحة يعرقله ندرة أو ملاءمة المعلومات المتاحة للجمهور، ورغم وجود الكثير من البيانات المتعلقة بمجالات بحثية مربحة ومطلوبة، مثل تلك المتعلقة بمرض السرطان، فثمّة نقص في البيانات المتعلقة بمجالات مهملة نسبياً، مثل الصحة العقلية أو الأمراض المعدية.
والذكاء الاصطناعي ليس بمثابة حل سحري لهذه المشاكل، حيث يمكنه ملء فجوة البيانات من خلال التجارب، لكن ذلك يتطلب وقتاً أطول وموارد مالية طائلة.