تقود شركات الأدوية والمستثمرون الغربيون طفرة قياسية باتفاقيات الترخيص مع شركات تصنيع أدوية صينية، تفتقر إلى رأس المال اللازم لتمويل عمليات تطوير أدوية في مراحلها الأخيرة وجهود للتوسع العالمي.
وأبرمت شركات «ميرك» و«جي إس كيه» و«أسترازينيكا» اتفاقيات ترخيص وسط موجة من الاستثمارات في مجال التكنولوجيا الحيوية بلغت مستوى قياسياً قدره 44.1 مليار دولار العام الماضي، وفقاً لأبحاث «يو بي إس». واستمر هذا الزخم خلال عام 2024، حيث تم توقيع اتفاقيات ترخيص في مجال التكنولوجيا الحيوية بقيمة 9.8 مليارات دولار في الربع الأول.
وتسعى شركات الأدوية الغربية لتوسيع خطوط إنتاجها في الوقت الذي تواجه فيه معضلة كبيرة تتمثل في قرب انتهاء صلاحية براءات اختراع الأدوية المربحة في السنوات المقبلة، فيما تكافح شركات الأدوية الصينية من جانبها لتوفير التمويل بهدف تطوير الأدوية والتجارب السريرية وسط تراجع سوق الأسهم.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، شهد مؤشر مدرج بسوق هونغ كونغ، يضم 50 من أسهم التكنولوجيا الحيوية «المبتكرة»، انخفاضاً بنسبة 57%. وقالت هيلين تشين، رئيسة شؤون الرعاية الصحية لدى شركة «إل إي كيه كونسلتنغ» في شنغهاي: «منذ أكثر من عقد، بدأت الصين ضخ استثمارات كبيرة بمجال التكنولوجيا الحيوية. والآن، تظهر نتائج هذا الاستثمار بالفعل لكن هناك معوقات أمام التمويل الكافي تعرقل جهود الشركات الصينية».
وأضافت أن شركات الأدوية الصينية تواجه كذلك تحديات في السوق المحلية بعد تعديل نظام التسعير الذي أجبرها على خفض أسعار الأدوية المبتكرة حتى تصبح مؤهلة لمزايا النظام الوطني للتأمين الطبي، ودفعت حملة بكين هذه لخفض الأسعار شركات الأدوية إلى السعي لتحقيق النمو في الخارج.
ويتحدى الاهتمام بصناعة الأدوية الصينية خروجاً لرأس المال الأجنبي من البلاد في وقت يتصاعد فيه التوتر الجيوسياسي كما يتباطأ النمو الاقتصادي، وقد أتاحت أزمة التمويل في الصين الفرصة لشركات صناعة الأدوية الكبرى لتوسيع نطاق خطوط إنتاجها.
وأوضحت تشن تشن، المحللة في قسم الرعاية الصحية لدى «يو بي إس»: «العديد من شركات الأدوية العالمية الكبرى لديها أكوام ضخمة من النقد بعدما حققته خلال فترة الوباء.. وفي الوقت نفسه، تسعى هذه الشركات جاهدة لتوسيع محافظها، خاصة أنه من المقرر انتهاء صلاحية العديد من براءات اختراع الأدوية لديها في السنوات القليلة المقبلة».
وتشمل معظم الصفقات حصول شركات الأدوية الأمريكية أو الأوروبية على تراخيص للأدوية المصنعة في الصين بتكلفة منخفضة، ومن ثم توفر رأس المال اللازم لمزيد من التطوير والتجارب السريرية والتسويق، كما تعطي بعض الاتفاقيات هذه الشركات ترخيصاً بحقوق البيع داخل الصين. وقالت تشن تشن: «إنه شكل من أشكال استثمار رأس المال المغامر».
وفي ديسمبر 2023، قدمت شركة «ميرك» دفعة أولية قدرها 70 مليون دولار مقابل الحقوق الصينية لترخيص علاجات مجموعة «أبيسكو» للتكنولوجيا الحيوية -ومقرها شنغهاي- للأورام الحميدة للمفاصل، وهذا الترخيص مخصص للتسويق في الصين مع خيار التوسع في الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، يدخل مستثمرون جدد هذا القطاع، وقالت هيلين تشين من «إل إي كيه»: «واحد من أهم التطورات هو دخول الأسهم الخاصة، التي تبحث عن الأصول الصينية لتدويل نشاطها على أمل التخارج لصالح شركات الأدوية الكبرى في غضون سنة إلى 3 سنوات».
وخلال الشهر الجاري، أعلنت شركة جيانغسو هنغروي للأدوية، المدرجة في بورصة شنغهاي، أنها باعت ترخيص توزيع مجموعة من أدوية إنقاص الوزن دولياً لصالح شركة «هيركيوليز سي إم نيوكو، وهي شركة تم تشكيلها من قبل مجموعة من المستثمرين، بما في ذلك»باين كابيتال لايف ساينسز«، ذراع صناعة الأدوية التابعة لمجموعة الاستحواذ الأمريكية.
وقامت شركة «هنغروي» بترخيص 3 أدوية مرشحة مقابل 110 ملايين دولار مع مدفوعات لاحقة مشروطة بتحقيق الأهداف التنظيمية وعوائد أخرى حال تم طرح المنتج للجمهور، كما حصلت على حصة قدرها 20% من أسهم «هيركيوليز».
وفي أغسطس، أبرمت هنغروي صفقة بمكاسب اقل لبيع الحقوق العالمية لعلاج الربو للبالغين لشركة «أيولوس بيو»، المعروفة سابقاً باسم «وان بيو»، مقابل دفعة أولية قدرها 21.5 مليون دولار، مع إمكانية دفع قرابة مليار دولار إضافية حال التصديق عليه في الخارج.
بعد ذلك، في أكتوبر، جمعت «أيولوس» 245 مليون دولار من مجموعة من المستثمرين، بما في ذلك «باين كابيتال لايف ساينسز»، وشركات رأس مال مغامر تشمل «أطلس فينتشر»، و«فوربيون»، و«سوفينوفا».
وبعد أشهر، أعلنت شركة «جيه إس كيه» استحواذها على شركة «أيولوس» مقابل دفعة أولية قدرها مليار دولار، مع دفع مبلغ إضافي قدره 400 مليون دولار بعد استيفاء المراحل التنظيمية، كما ستدفع «جيه إس كيه» لشركة «هنغروي» إذا بلغ الدواء مراحل معينة وعائدات حال طرحه تجارياً.
وقد أثارت الصفقة انتقادات داخل صناعة الأدوية الصينية، ما أثار مطالبات قوية بزيادة الدعم الحكومي لتجنب مثل هذه الصفقات.
وتساءل أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة صينية ناشئة بمجال التكنولوجيا الحيوية، باع حقوق ترخيص الأدوية بعد معاناة كبيرة في جمع رأس المال من المستثمرين: لماذا تبيع الصين أدويتها المبتكرة للأجانب بثمن بخس؟ ينبغي لبكين مساعدة الشركات الجيدة على تطوير منتجات واعدة، وعدم السماح ببيعها للشركات الأجنبية.
كما قال أحد المسؤولين التنفيذيين لشركة ناشئة صينية في مجال التكنولوجيا الحيوية، والذي باع حقوق ترخيص الدواء بعد معاناة في جمع رأس المال من المستثمرين. «ينبغي لبكين مساعدة المؤسسات الجيدة على تطوير منتجات واعدة وألا تكتفي ببيعها للشركات الأجنبية».