تواجه الشركة حالياً المزيد من التدقيق بعد هدنة طويلة مع الجهات التنظيمية في بروكسل

تتعرض شركة التكنولوجيا مايكروسوفت، لضغوطات في أوروبا مع تزايد تدقيق الجهات التنظيمية في صفقاتها وممارساتها التجارية، فقد خاضت عملاقة البرمجيات معارك تنظيمية عدة في أوروبا بعد هدنة طويلة، مع دخولها قطاع الذكاء الاصطناعي والمجالات المتنامية الأخرى، بما في ذلك الحوسبة السحابية والألعاب ونظام مؤتمرات الفيديو.

وخلال العام الماضي، خاضت مايكروسوفت معركة مع الجهات التنظيمية بشأن استحواذها على شركة «أكتيفيجن»، صانعة الألعاب الشهيرة مثل لعبة «كول أوف ديوتي»، بقيمة 69 مليار دولار.

وفي البداية، قامت هيئة مراقبة المنافسة في المملكة المتحدة، بمنع إتمام الصفقة، ما أثار انتقادات حادة من نائب رئيس مايكروسوفت ورئيسها براد سميث، الذي قال إن القرار زعزع الثقة في ممارسة الأعمال التجارية بالمملكة المتحدة. وفي النهاية، فازت مايكروسوفت في تلك المعركة عندما تمت الموافقة على الصفقة.

وفي بروكسل، تواجه مايكروسوفت بعض أشد التحقيقات المتعلقة بمكافحة الاحتكار منذ معاركها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إذ يشعر بعض المنافسين والجهات التنظيمية بالقلق من أن عملاقة التكنولوجيا تستغل هيمنتها على السوق لإقصاء المنافسين الأضعف في بعض القطاعات المهمة. ومن المتوقع أن يصدر محققو مكافحة الاحتكار قريباً، اتهامات جديدة ضد مايكروسوفت بسبب مخاوف من أن شركة التكنولوجيا تحد وصول المنافسين إلى تطبيق مؤتمرات الفيديو «تيمز»، عن طريق دمجه في برامجها مثل «أوفيس 365»، وقدمت مايكروسوفت تنازلات بتمديد خطة لفصل «تيمز» عن برامج أخرى مثل «وورد»، ليس فقط في أوروبا، بل على مستوى العالم.

ومع ذلك، يرى المنافسون أن هذه الحلول غير كافية.

وقال خبير في مكافحة الاحتكار في بروكسل: «ألاعيب مايكروسوفت المتعلقة بدمج المنتجات في «أوفيس» و«ويندوز» لم تتغير.. لقد فعلوا ذلك من قبل وهم يفعلون الشيء نفسه الآن ولكن بابتسامة».

كما تتصدى مايكروسوفت لشكوى حيال ما يدعيه بعض المنافسين من اتفاقيات ترخيص غير عادلة للحوسبة السحابية. وأجرت الشركة تعديلات على شروط التراخيص لتهدئة المخاوف المتعلقة بالمنافسة. كما اقترحت الشركة دفع ملايين اليورو لمقدمي خدمات البنية التحتية السحابية في أوروبا، وهي جماعة ضغط تدعمها أمازون، في محاولة لتجنب إجراء تحقيق شامل، وفقاً لمصادر مطلعة على الأمر.

على نحو منفصل، يجري الاتحاد الأوروبي تحقيقاً مع شركة مايكروسوفت فيما يتعلق باتفاقية الشراكة مع «أوبن إيه آي» بقيمة 13 مليار دولار، ولم تقرر الجهات التنظيمية بعد ما إذا كانت ستجري تحقيقاً شاملاً. وكجزء من تدقيق أوسع حول الاستثمارات المماثلة من قبل شركات التكنولوجيا الأخرى، مثل أمازون، يبحث المنظمون في جميع أنحاء العالم فيما إذا كانت هذه الصفقات قد تضر بالمنافسة.

وفي استجابة للضغوط من جبهات مختلفة، تتبنى مايكروسوفت نهجاً توفيقياً هذه الأيام، مؤكدة أنها تبذل كل ما في وسعها للامتثال للقانون. وعينت أخيراً نيكولاس باناسيفيتش، وهو مسؤول سابق في الاتحاد الأوروبي لعب دوراً محورياً في التحقيقات المتعلقة بشركة مايكروسوفت، وتهدف هذه الخطوة إلى مساعدة الشركة في إيجاد أساليب جديدة لمواجهة مخاوفها، وفق ما قال مصدر مطلع على توظيف باناسيفيتش.

وخلال مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز في بروكسل، قال براد سميث: «نحن في عصر يتسم بمزيد من التدقيق، لكننا سنلتزم بنهجنا الأساسي في محاولة أن نكون استباقيين ومتعاونين ومسؤولين».

وأشار سميث إلى أن التدقيق أمر طبيعي نظراً لتطور الذكاء الاصطناعي، قائلاً: «سيكون من غير المعتاد عدم وجود تدقيق.. بالنسبة لنا المسألة الكبرى تتمثل في التعامل معه بطريقة تتسم بالاحترام والاستباقية».

وأضاف: «الانتظار والمراقبة والأمل ومحاولة محاربة كل شيء ليس هو النهج المناسب لنا.. لقد سلكت بعض الشركات الأخرى هذا الطريق في العقد الماضي، لكننا لم نفعل ذلك».

لم تكن الظروف كافة مجحفة بالنسبة لمايكروسوفت على الصعيد التنظيمي.

وخلال فبراير الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية، أن بعض خدمات الشركة بما في ذلك محرك البحث «بينغ» لن تقع تحت طائلة قانون الأسواق الرقمية، الذي يقدم لوائح جديدة تهدف إلى ضمان المنافسة داخل الكتلة.

ومايكروسوفت ليست شركة التكنولوجيا الوحيدة التي تواجه تدقيقاً مكثفاً، حيث تواجه أبل، على سبيل المثال، ضغوطاً لمكافحة الاحتكار بالقدر نفسه، إن لم تكن أكثر حدة، في بروكسل وواشنطن.

وتخضع الشركة، التي يقع مقرها في كوبرتينو، للتحقيق في الاتحاد الأوروبي بدعوى عدم امتثالها لقانون الأسواق الرقمية. كما أطلق الاتحاد الأوروبي ما يسمى بتحقيقات عدم الامتثال ضد غوغل وميتا.

لكن وفقاً للمحللين، يعكس التدقيق المحيط بأنشطة مايكروسوفت التجارية، خصوصاً في الذكاء الاصطناعي، مخاوف أوسع بين الجهات التنظيمية بشأن النفوذ الاقتصادي المتنامي لعمالقة التكنولوجيا. وتعرض مايكروسوفت لمزيد من التدقيق لا يدل فقط على مدى براعتها في المضي قدماً نحو التحول إلى الذكاء الاصطناعي، ولكن إلى جودة أدائها في مجالات أخرى.