سألني العم تريفور: «أليس هذا غشاً؟»، كان يعلق مندهشاً بعدما تمكنت من التعرف على طائر الصفصاف المغرد باستخدام تطبيق على هاتفي خلال رحلة عائلية إلى جزيرة أران في اسكتلندا.

كان معترضاً بشدة، خصوصاً بعدما أحدث تطبيق «ميرلين» الذي يشغله الذكاء الاصطناعي ثورة في طريقة رصدي للطيور. ما عليك سوى الإمساك بهاتفك، وسيلتقط التطبيق في غضون ثوانٍ النغمة التي يغرد بها أي طائر تسمعه وسيتعرف عليه بدقة مذهلة.

لقد غير التطبيق أيضاً وجهة نظري حيال الذكاء الاصطناعي. بإمكانك تسميتها «لحظة ميرلين» التي انتابتني، فقد فتح التطبيق طريقاً أمام منافع جعلتني أكثر انفتاحاً بشأن إمكانات تحسين الحياة التي قد يأتي بها الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، بدلاً من الخوف من أن الروبوتات ستحل مكاننا وستشغل وظائفنا.

وتؤكد الصفقة التي أبرمتها «أبل» منذ أيام مع «أوبن إيه آي» لدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في ملايين الهواتف الذكية، مدى السرعة التي ستكون عليها هذه التكنولوجيا القوية التي ستصبح جزءاً من حياتنا اليومية، وتحوي إمكانات لا نعرفها بعد. وبعيداً عن رصد الطيور، فقد نطرح سؤالاً على «سيري»، مفاده: «ما الأسهم التي يمكننا الاستثمار فيها؟».

نشر زميلي في «فاينانشال تايمز»، روبرت أرمسترونغ، عن تجربة استثمارية رائعة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي منذ أيام، فقد استخدمت كلية إدارة الأعمال في جامعة شيكاغو نموذج «تشات جي بي تي» في تحليل البيانات المالية التي وفرتها الشركات الأمريكية لسوق الأسهم من أجل توقع الأرباح المستقبلية للشركات، ثم استخدام هذه الرؤى لبناء محفظة استثمارية. وتشي النتائج الأولية بأن الحواسيب كانت أفضل في انتقاء أسهم تفوق أداء السوق أكثر من العديد من المحللين من البشر.

وأكد الأكاديميون الذين أجروا الدراسة أن هذه التكنولوجيا تبقى في مراحلها الأولى، فيما تثير ملحوظات روبرت الكثير من التساؤلات والتحذيرات. لكن دفعني الأمر إلى التفكير بشأن كيف سيكون الذكاء الاصطناعي مصدراً قوياً وأكثر يسراً من حيث التكلفة في حصول المستثمرين الأفراد على عوائد متميزة.

وأشار تقرير المشورة الصادر عن «بورينغ موني» إلى أن اثنين من كل خمسة مستثمرين من غير الحاصلين على المشورة وتبلغ قيمة أصولهم 250.000 دولار أمريكي أو أكثر، أوضحوا أنهم سيشعرون بالارتياح تجاه الحصول على توصية استثمارية بفضل استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وذكر العدد ذاته أنهم سيشعرون بالارتياح تجاه الحصول على مساعدة مستشار مالي يستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتقديم خدمة أفضل وأيسر تكلفة. أجد الأمر مدهشاً، عند الوضع في الاعتبار المخاوف بشأن الثقة التي تساور الكثيرين فيما يتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

لكنني تأملت بعد ذلك كيفية تغيير «ميرلين» لعاداتي في رصد الطيور. ويبدو أن معرفة نوع الطائر المغرد ليست سوى البداية. ولو كنت أعرف بوجود طائر نقشارة يغرد أعلى المظلة، وهو طائر نادراً ما تسمعه في لندن، لقضيت وقتاً أطول وجهداً أكبر في البحث عنه بواسطة منظاري مقارنة بما سأفعله في حالة طائر الحسون الظالم على سبيل المثال.

بمرور الوقت، ازدادت ثقتي في «ميرلين»، بعدما كانت التطبيقات الأولى للتعرف على الطيور متفاوتة في دقتها. ومع ذلك، فإن الجمع بين ما يدلي به من معلومات والخبرة التي راكمتها على مر العقود جعلاني راصدة أفضل للطيور. وبالمثل، لا يساورني شك في أن الذكاء الاصطناعي سيجعلني مستثمرة أفضل.

ومستقبلاً، من شأن النماذج التي يشغلها الذكاء الاصطناعي أن تأتي بأفكار استثمارية أقل شيوعاً لكن لافتة للنظر وجديرة بأن نسبر أغوارها. وبالرغم من أن التساؤلات الكبيرة عن الثقة والمخاطر والمسؤولية ما زالت قائمة، فإن أخذ التوصيات من الحاسوب بمثابة طريقة للالتفاف على التحيزات العاطفية التي يواجه المستثمرون من البشر صعوبة في التغلب عليها.

وترى هولي ماكاي، مؤسسة «بورينغ موني»، أن الثقة هي العائق الأكبر أمام تبني التكنولوجيا. وقالت: «لا يزال أغلب العملاء يرغبون في مشاركة بشرية في عملية اتخاذ القرار المالي»، لكنها تلفت إلى الضغوط العاطفية التي تصاحب اتخاذ غالبية القرارات المالية.

ومع ذلك، فقد أعربت عن مخاوفها من أن تنحسر شهية المخاطرة مع خضوع التوصيات لتدقيق أكبر. وقالت: أعتقد أننا سنشهد تخطي الحد الأدنى في الكثير من شركات المشورة مستوى 100.000 جنيه استرليني من الأصول لكل عميل، مما سيتسبب في توسيع فجوة التوصيات بصورة أكبر.

وبناءً على المعطيات الحالية، تشير التقديرات إلى وجود 12.4 مليون بالغ في المملكة المتحدة لديهم أموال للاستثمار لكنهم لا يتحملون تكلفة الحصول على توصيات مالية تقليدية أو لا يرغبون فيها. فهل بإمكان الرؤى المدعومة بالذكاء الاصطناعي رأب هذه الفجوة بطريقة أكثر يسراً من حيث التكلفة وأسهل في الوصول إليها؟

بادئ ذي بدء، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدفعنا إلى بدء الاستثمار في مرحلة مبكرة. وهناك بالفعل الكثير من تطبيقات الصيرفة المفتوحة بالفعل التي يمكنها استخدام بياناتنا المالية من أجل تحديد أفضل للأهداف واتخاذ أفضل للقرارات.

بإمكان الذكاء الاصطناعي مساعدتنا في تنقيح الخيارات الاستثمارية، ومنحنا طريقة أفضل لمقارنة الرسوم ومكونات الصناديق المتشابهة وأدائها، بدلاً من الدخول إلى مستندات كثيرة تحوي معلومات لا فائدة منها.