قرأت هذا الأسبوع أن الموظفين من الجيل زد يساوون بين مكالمات الفيديو والاجتماعات «وجهاً لوجه». فقد نشأ القطاع الأكبر سناً من هذه المجموعة، أي مواليد نهاية تسعينيات القرن الماضي، في ظل الحضور القوي لوسائل التواصل الاجتماعي، وبلغوا سن الرشد في ظل جائحة فيروس كورونا، وغالباً ما تكون لهم آراؤهم الخاصة فيما يتعلق بكثير من جوانب العمل من المكتب، مثل عدم المبالاة بالولاء للشركة، والأهمية الشديدة لخلق توازن بين العمل والحياة الشخصية.

يتوقع هؤلاء بصفة عامة بعض العمل عن بعد، وهو طموح يتعارض مع تفضيل كثير من الشركات والمسؤولين التنفيذيين عمل الموظفين من المكتب. واليوم، توصلت دراسة جديدة إلى أن العمل الهجين، ثلاثة أيام من المكتب ويومين من المنزل، لا يقلل الأداء ولا يعرقل آفاق الترقية، وقد يكون موفراً للمال من خلال رفع مستويات الاحتفاظ بالعاملين.

تقدم الدراسة بعض الأدلة التي تؤثر على المسألة الخلافية المتعلقة بالعمل من المنزل، والتي تحولت إلى ميدان لمعركة أيديولوجية. لقد أظهرت الدراسة بصورة جلية كيف يمكن للنهج العلمي أن يساعد في تقييم تأثير التداخلات الاجتماعية والاقتصادية. وهذا شيء يجب أن يحدث على نطاق أوسع. فالأدلة القوية التي يتم جمعها من تجارب صممت جيداً، يمكنها أن تختبر الفرضيات، وتكشف السياسات السيئة، وتعزز السياسات الفعالة، سواء كان ذلك في إدارة الشركات، أو الصحة أو مكافحة الجريمة أو التعليم.

وأجرى نيكولاس بلوم وروبينغ هان، من جامعة ستانفورد والجامعة الصينية في هونغ كونغ بمنطقة شنجين، تجربة دامت ستة أشهر خلال عام 2021 مع شركة «تريب دوت كوم» التكنولوجية الصينية؛ لاختبار مدى تأثير العمل الهجين على إنتاجية ورضا الموظفين والاحتفاظ بهم. وتبلغ قيمة «تريب دوت كوم» اليوم 33 مليار دولار، وهي وكالة سفر على الإنترنت تملك عدة مواقع إلكترونية للحجز، تشمل «سكاي سكانر».

اختار الباحثان نحو 1,600 موظف، كانوا خريجي جامعات في منتصف الثلاثينيات من العمر، وقسموهم إلى مجموعتين، تعمل إحداهما بالنظام الهجين، والثانية بنظام الدوام الكامل. ووضع المشاركون ذوي أعياد الميلاد بأرقام فردية في مجموعة العمل الهجين، التي تعمل ثلاثة أيام من المكتب ويومين من المنزل. أما أصحاب أعياد الميلاد بأرقام زوجية، فقد وضعوا في المجموعة التي تعمل خمسة أيام أسبوعياً بالمكتب الكائن في شنغهاي.

وقال بلوم وهان الأسبوع الماضي في مجلة «نيتشر» إنه لم يكن هناك تغير في مستويات الأداء أو احتمالات الترقية بالنسبة للموظفين الذين عملوا بالنظام الهجين، خلال مدة الدراسة التي امتدت عامين متتاليين، مقارنة بزملائهم الذين عملوا بدوام كامل من المكتب. وإذا أخذنا مهندسي الكمبيوتر في الشركة مثالاً، فلم يكن هناك اختلاف في إنتاج المجموعتين.

وأفاد الموظفون العاملون بالنظام الهجين أنهم شعروا برضا وظيفي أعلى وكانوا أقل عرضة للاستقالة، خاصة لم يكونوا من المديرين أو الإناث أو ممن يضطرون إلى التنقل لساعات طويلة. وخلص المؤلفان إلى أن «نظام العمل الهجين الذي ينطوي على العمل من المنزل ليومين أسبوعياً لا يضر بالأداء».

إلا أنه يجب التحذير من أن التجربة انحصرت في شركة واحدة كانت ترغب في تجربة العمل الهجين بعد تبني منافسيها الأميركيين للأمر، وربما كانت ترغب فعلياً في نجاح التجربة. لكن من الصعب تعميم التجربة على ثقافات شركات أخرى. ومع ذلك، فإن هذه الدراسة لاقت قبولاً لأنها كانت تجربة عشوائية محكومة، وهي طريقة غالباً ما توصف بأنها «المعيار الذهبي» للحكم على مدى نجاح التدخل. ويهدف هذا النهج إلى اختبار متغير واحد فقط، مثل الدواء، مع الحفاظ على كل شيء آخر، قدر الإمكان، كما هو.

وفي حين كانت الدراسات السابقة تميل إلى التركيز على العمل عن بعد بالكامل في الوظائف الروتينية مثل إدخال البيانات أو استقبال المكالمات، فإن هذه الدراسة فحصت النمط الهجين الأكثر اعتياداً بين الموظفين ذوي المهارات العالية في فرق العمل ذات الأدوار الإبداعية، مثل هندسة البرمجيات والتسويق والتمويل. أما الدراسات الأقدم عن العمل عن بعد بالكامل فقد ارتبطت بتدهور الإنتاجية.

الأهم من ذلك، أن هذه الدراسة غيرت طريقة التفكير. فقد تغيرت تصورات المديرين عن العمل الهجين، من «سلبية» قبل إجراء الدراسة إلى «إيجابية بشكل معتدل» بعدها. وقامت شركة السفر منذ ذلك الحين بجعل العمل الهجين عرضاً دائماً على أساس رفع مستويات الاحتفاظ بالموظفين، إذ تشير حساباتها إلى أن كل موظف تفقده يكلفها 20,000 دولار لقاء التوظيف الجديد والتدريب.

إن جمع أدلة عالية الجودة حول فعالية التدخلات يعد أمراً بالغ الأهمية أيضاً في القطاع العام. هذا التفكير هو الذي قامت عليه ما تعرف بشبكة «ما الذي ينفع» التابعة للحكومة البريطانية، والتي تم إطلاقها عام 2013، حيث يقوم 13 مركزاً تابعاً للشبكة الآن بجمع البيانات وتشغيل برامج تجريبية لتوجيه عملية صنع القرار، مثل قرار تزويد الشرطة في لندن بكاميرات مثبتة على الجسم.

رغم ذلك، وكما أفاد تقرير صادر عن الشبكة في العام الماضي، فإن «الأدلة عالية الجودة حول تأثير سياسات الحكومة لا تزال الاستثناء وليست القاعدة». ونظراً للحاجة الملحة لتحسين الخدمات العامة في أوقات صعبة، يجب على الحكومة البريطانية التالية أن تكون جادة ومنهجية بشأن وضع الأدلة في قلب عملية صنع القرار.