في خضم موجة من إجراءات المحكمة العليا في الولايات المتحدة، بما في ذلك قرارها منح الرئيس السابق دونالد ترامب حصانة جزئية عن أفعاله التي ارتكبها أثناء وجوده في المنصب، يبدو أن قرار المحكمة العليا حيال من يجب أن يدفع للمراقبين الحكوميين فيما يخص قضية قوارب صيد الرنجة، يمر مرور الكرام وكأن لا أهمية له تقريباً.
والواقع أن المدّعين، الذين جادلوا بنجاح بأن الحكومة هي من يتعين عليها تحمل التكاليف وليس شركات الصيد، حققوا فوزاً مهماً: إبطال مبدأ قانوني عمره 40 عاماً يُعرف باسم «احترام مبدأ شيفرون». ويعني إبطال المبدأ، مع الانقسام بين القضاة بنسبة 6 إلى 3 على أسس حزبية، أن آراء العلماء والخبراء التقنيين في الوكالات الفيدرالية الأمريكية لن تتمتع بالغلبة عندما يتعلق الأمر بتفسير النقاط القانونية المبهمة.
وبالنسبة للشركات المثقلة بالأعباء التنظيمية، سيكون هذا الحكم موضع ترحيب فهو يزيل نظاماً تكنوقراطياً غير منتخب وغير خاضع للمساءلة، كما أنه يكبح التجاوزات التنظيمية المبالغ فيها من جانب وكالات، مثل وكالة حماية البيئة، ويعيد السلطة إلى المحاكم. وبينما سيظل من المتوقع من القضاء أخذ التفكير العلمي في الحسبان، لم يعد هناك التزام بالانصياع لأدلة الخبراء من الوكالات المتخصصة.
ومع ذلك، ينبغي أن يشعر المستهلكون والمواطنون الأمريكيون عموماً بالقلق. وبالفعل فقد حذّرت ديبورا سيفاس، أستاذة قوانين البيئة في جامعة ستانفورد، من أن الحكم سيضر بقدرة الحكومة الفيدرالية على حماية الجمهور من المخاطر البيئية وغيره، واصفة إياه بأنه «من المخيف بعض الشيء الاعتقاد بأن القضاة الفيدراليين يتمتعون بسلطة أكبر لإلغاء لوائح الوكالات والإجراءات التي يعارضونها».
ومن الصعب بلا شك رؤية كيف يخدم التخلي عن مبدأ «شيفرون». ومن المحتمل أن يؤدي تقليل مستوى الخبرات العلمية والتقنية في الهيئات التنفيذية، مثل وكالة حماية البيئة وإدارة الغذاء والدواء، إلى تشجيع الشركات على تحدي السياسات المصممة لحماية الجمهور، فضلاً عن التردد في عملية وضع القوانين. وما يحدث في هذه الساحة قد يؤثر في الأحداث في مناطق أخرى، ما يدفع صناع السياسات للشعور بالقلق إزاء التقليل الرسمي من قيمة الخبرة.
كان مبدأ «شيفرون» انبثق من قرار المحكمة العليا الصادر عام 1984، والذي شمل شركة النفط التي تحمل هذا الاسم. وهذا المبدأ، الذي تأسس في حقبة ريغان، منح الوكالات التنظيمية، المكونة من خبراء في مجالاتها، الحرية في تفسير أوجه الغموض أو الثغرات في القوانين. وقد تم استخدام هذه المساحة لإعادة تفسير القوانين القديمة في ضوء التطورات العلمية الجديدة. على سبيل المثال، تشير سيفاس إلى أن الكونغرس لم يمرر تشريعاً قط بشأن المناخ، وبدلاً من ذلك، تعالج وكالة حماية البيئة قضايا المناخ من خلال تطبيق أحكام محددة من قانون الهواء النظيف.
ومع ذلك، قضت المحكمة العليا منذ أيام بأن مبدأ شيفرون يتعارض مع قانون إداري أقدم، وصوتت على إلغائه. وإبطال المبدأ الآن قد يضع اللوائح المناخية في مرمى النيران. لذلك، فقد دان المشرعون الديمقراطيون هذا الإلغاء، إلى جانب ثلاثة قضاء ليبراليين معارضين في المحكمة العليا، ومجموعات المستهلكين والمستثمرين.
وقد حذرت منظمات ومن بينها الرابطة الأمريكية للعلوم المتقدمة، من التخلي عن هذا المبدأ، مشيرة إلى أنه سيعوق كيفية استخدام المعلومات العلمية في صنع السياسات الفيدرالية وتعقيد إجراءات المحكمة، ويتطلب زيادة فورية في الخبرات العلمية. وقالت جوان كارني من الرابطة الأمريكية للعلوم المتقدمة إنه بدون قدرة القضاة على الوصول إلى أدلة دامغة تتعلق بقضايا مثل المياه النظيفة وتطبيق الذكاء الاصطناعي «فإننا نخاطر بالسلامة والصحة العامة في حالات معينة». وبما أن مبدأ «شيفرون» كان يتعلق بتفسير الخبراء للثغرات وأوجه الغموض في القوانين، فإن أحد الحلول يتمثل في صياغة الكونغرس قوانين أكثر وضوحاً ليلتزم بها القضاء. لكم الطابع الحزبي الحاد للسياسة الأمريكية، إلى جانب القضايا العلمية مثل تغير المناخ ولقاحات كوفيد التي باتت ساحات معارك أيدلوجية، يجعل ذلك مستبعداً.
كذلك، يمكن للتشريعات المصاغة بمرونة استيعاب أفضل الاكتشافات العلمية الجديدة في بعض الأحيان. وكتبت القاضية المعارضة إيلينا كاجان، أن القضاة، وليس العلماء، سيضطرون إلى التعامل مع قضايا عالية التقنية، مثل تعريف البروتين عندما يتعلق الأمر بتنظيم المنتجات البيولوجية. ولا يبدو ذلك بمثابة تحسن للأوضاع.
ويتوقع كاس سانستين، الباحث القانوني في جامعة هارفارد الذي ساعد على تطوير نظرية «الدفعة» التي تتمحور حول العلوم السلوكية والفلسفة السياسية والاقتصاد السلوكي؛، أن الحكم سيحفز التحديات التي تواجه أنظمة الصحة والسلامة والبيئة. وتكهن أيضاً بأن نجاح هذه المناوشات من عدمه قد لا يعتمد على الاعتبارات القانونية بقدر ما يعتمد على ما إذا كانت القضايا ستُعرض على القضاة المعينين من الديمقراطيين أو الجمهوريين.
وهذا من شأنه أن يشكل موقفاً رجعياً ومعادياً للعلم. ولا ينبغي أن تلعب الانتماءات السياسية أي دور في حماية حق الجمهور في تنفس الهواء النظيف وشرب الماء النقي.