مع بدء موسم ذروة السفر في الصيف، تواجه الخطوط الجوية البريطانية ضغوطاً متزايدة لتحسين عملياتها، بعد عام شابته مصاعب ارتفاع معدل إلغاء الرحلات مقارنة بمنافسيها.
وخلال العام الماضي، ألغت الناقلة 4033 رحلة جوية من المطارات البريطانية، أي ما يقرب من ضعف عدد رحلات منافستها منخفضة التكلفة «إيزي جيت»، وفقاً لبيانات شركة «سيريوم» لتحليلات بيانات صناعة الطيران. وهذا يمثل 2.3 % من رحلاتها في المملكة المتحدة، ويتجاوز بوضوح متوسط القطاع البالغ 1.4 %.
وقال كريس تاري مستشار صناعة الطيران: «لا تزال الخطوط الجوية البريطانية تعاني من آثار خفض التكاليف لسنوات.. وأعتقد أن الشركة أمامها شوط طويل لتقطعه، فبمجرد أن تفقد عميلاً، قد تستغرق استعادته وقتاً طويلاً».
وتكشف الأرقام كيف تضافرت التكنولوجيا المتهالكة لدى الناقلة، وتعقد العمليات التشغيلية، والاعتماد على مطار هيثرو في لندن، الذي يعمل بكامل طاقته، لتضع الشركة تحت ضغط، بينما يستعد ملايين المسافرين لموسم عطلات الصيف.
وتجلت المصاعب في أواخر يونيو، عندما أدى «عطل فني مؤقت» بأنظمة تفتيش الأمتعة التابعة لخطوط الجوية البريطانية، وهو الأحدث ضمن سلسلة طويلة من الأعطال في الشركة، إلى اضطراب كبير للركاب، مع تأخير بعض الرحلات الجوية، وانطلاق أخرى دون أمتعة، واضطرار العديد من الركاب للانتظار لساعات لاستلام حقائبهم.
وقال جون ستريكلاند مستشار صناعة الطيران ومدير تنفيذي سابق في الخطوط الجوية البريطانية، إنه «من الواضح أن العمليات التشغيلية تمثل نقطة ضعف الشركة، لكنها شركة طيران متميزة، وكانت تتمتع تاريخياً بموثوقية لا تشوبها شائبة»، مشدداً على ضرورة إبقاء هدف إلغاء الرحلات عند أو أقل من 1 %.
ولم تكن الخطوط البريطانية الوحيدة التي تواجه عدداً لا يحصى من المشاكل، بما في ذلك حالات التأخير والإلغاء الكبيرة الناجمة عن مشاكل مراقبة الحركة الجوية. فقد اضطرت شركة «ويز إير» إلى خفض جداولها بشكل حاد، بسبب مشاكل في محركات العديد من طائراتها، في حين واجهت شركة «لوفتهانزا» الألمانية اضطرابات واسعة بسبب الإضرابات.
ومع ذلك، كانت الخطوط الجوية البريطانية هدفاً للكثير من الانتقادات، فقد أدت إجراءات خفض التكاليف قبل الوباء، بما في ذلك إلغاء خدمة تقديم الأطعمة والمشروبات المجانية في الدرجة الاقتصادية على الرحلات الجوية القصيرة، والتي تراجع عنها جزئياً الرئيس التنفيذي الحالي شون دويل، إلى اتهامات واسعة النطاق، بأن العلامة التجارية فقدت سمعتها بتقديم تجربة طيران متميزة.
ورغم أن دويل أعطى الأولوية لاستعادة سمعة الشركة منذ توليه المنصب، خلال ذروة جائحة «كورونا» في أواخر عام 2020، إلا أن العمليات التشغيلية تواجه تعثراً وصعوبات، وسط تزايد الطلب على السفر. ويدعم الناقلة كبار المسؤولين في الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية «آي إيه جي»، وهي تكتل يمتلك أيضاً شركات مثل «إيببيريا» و«إير لينغس»، لكنهم يدركون أنها في سباق تنافسي لتحسين سمعتها.
وارتفع عدد الشكاوى المقدمة إلى هيئة الطيران المدني في المملكة المتحدة بنسبة 10 % خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، مقارنة بعام 2023، وهي أحدث البيانات المتاحة. وسجلت الشركة بذلك ثاني أكبر عدد من شكاوى الركاب، بعد شركة الطيران منخفضة التكلفة «رايان إير». وقال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين السابقين بالشركة «ثمة العديد من الإجراءات التي يمكن للخطوط الجوية البريطانية أن تتخذها حالياً لتغيير نفسها، لكن هذه المساعي تستغرق وقتاً، وهي ليس لديها متسع من الوقت».
ووعدت شركة «آي إيه جي» بإنفاق 7 مليارات جنيه إسترليني على الخطوط الجوية البريطانية خلال 3 سنوات، ويشمل ذلك الطائرات الجديدة. لكن خطة التعافي معقدة بسبب العمليات التوسعية للناقلة التي تسير مزيجاً من طائرات بوينغ وإيرباص للرحلات القصيرة والطويلة. وتتلاقى هذه الجداول الزمنية في مركزها بمطار هيثرو في لندن، وهو أحد أكثر المطارات ازدحاماً واكتظاظاً في العالم. وحتى منافسي الخطوط الجوية البريطانية، يقرون بصعوبة التعافي إذا بدأت حالات التأخير تتفاقم.
ورغم إعادة ترتيب العلاقات مع الموظفين، تحت قيادة شون دويل، مع تعيين موظفين جدد ليحلوا محل الذين تم تسريحهم خلال الجائحة، إلا أن المديرين التنفيذيين يعترفون بأن الشركة فقدت عدداً كبيراً من كبار المديرين خلال تلك الفترة. وقد عقدت مشاكل سلاسل التوريد في صناعة الطيران من عمليات صيانة الطائرات.
ومن المثير للدهشة، أن المشاكل في الخطوط الجوية البريطانية، تزامنت مع تحقيق شركة «آي إيه جي» أرباحاً قياسية، وسط ازدهار السفر بعد الجائحة. وصرح كريس تاري بأنه «لطالما كانت الخطوط الجوية البريطانية مصدر الربح لشركة آي إيه جي، لكنهم يحاولون اللحاق بالركب حالياً، وذلك لأنهم لم يستثمروا حتى هذه اللحظة». ومع ذلك، أشار دويل إلى أن التعافي واستعادة «آي إيه جي» تصنيفها الائتماني بدرجة استثمارية، يعني أنه يمكن الآن توجيه الاستثمارات الضخمة نحو تحسين الشركة.
وقدمت الخطوط الجوية البريطانية بالفعل نموذجاً تشغيلياً جديداً في مطار هيثرو، ويتضمن توظيف 350 موظفاً جديداً في الخطوط الأمامية، وتغيير أسس التقارير الإدارية، وتحديث العمليات الخلفية من تكنولوجيا المعلومات إلى أجهزة فحص الأمتعة. ولتحسين تجربة الركاب، وعدت الشركة المسافرين بتقديم تطبيق وموقع إلكتروني جديدين، بالإضافة إلى تحديثات ضخمة بصالات الركاب والمقصورات.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة «آي إيه جي»، لويس جاليجو، لصحيفة فاينانشال تايمز «لقد وجهنا الكثير من التركيز إلى تحسين العمليات، ونحن نشهد تحسناً بالفعل، ولكي تكون أفضل شركة طيران، يتعين عليك تقديم أفضل العروض للعملاء».
ويشير مسؤولو الخطوط البريطانية إلى التحسينات الأخيرة في العمليات التشغيلية. فخلال العام الماضي، غادرت أو وصلت 60 % فقط من الرحلات في غضون 15 دقيقة من موعدها المحدد. لكن هذا المعدل تحسن إلى 80 % من الرحلات بحلول الربيع، بعد تنفيذ تغييرات في مطار هيثرو. ولا تشمل بيانات الالتزام بالمواعيد الرحلات الجوية الملغاة. وذكرت الخطوط البريطانية أن أداءها في ما يتعلق بالالتزام بالمواعيد في مطار هيثرو، يفوق الآن أداء منافسيها المباشرين «إير فرانس» و«كيه إل إم» و«لوفتهانزا» في مطاراتهم الرئيسة.
وقال المسؤولون التنفيذيون إن المقاييس الداخلية، تكشف أيضاً أن العملاء الذين يسافرون في المقصورات الجديدة يشعرون بالرضا. لكن من غير المتوقع اكتمال التحديثات حتى عام 2026، ما يترك العديد من الركاب المستاءين من تقديم منتج غير متسق قبل ذلك الموعد. ويعتقد بول لوكاس، وهو مسافر دائم وناقد شهير لشركات الطيران عبر منصة يوتيوب، والذي يسافر ما بين 40 و50 رحلة على متن الخطوط الجوية البريطانية سنوياً، أن بعض الانتقادات الأخيرة الموجهة إلى شركة الطيران مبالغ فيها.
وقال: «أعتقد عندما تتحدث مع البريطانيين عن الخطوط البريطانية، هناك حالة من الألفة التي تولد الازدراء، فالجميع يعتقد أن شركات الطيران الوطنية، هي الأسوأ في العالم، باستثناء الأمر مع شركات الطيران الخليجية».
ومع ذلك، فقد منح الخطوط الجوية البريطانية تصنيفاً «متوسطاً إلى حد ما»، وهو أمر بعيد كل البعد عن طموحات لويس جاليجو، المتمثلة في جعل الخطوط الجوية البريطانية «الأفضل». وأضاف لوكاس: «على الأقل، أداؤها دائماً مقبول».